انّ استقالة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري في 4 تشرين الثاني\نوفمبر وهو في السعوديّة قد تركت لبنان يترنّح من شدّة الصدمة.
والواقع أن الحريري لم يعود بعد [إلى لبنان]، وهو ما قد دفع بالسلطات اللبنانية إلى الاعتقاد بأنه قد يكون قيد الإقامة الجبرية. الاّ أنه وفي الحوار الذي طال انتظاره في 12 تشرين الثاني\ نوفمبر، وهو الأول بعد استقالته، قال الحريري انه رجل حر وانه سيعود الى لبنان خلال الأيام القليلة المقبلة. كما لمّح إلى احتمال تراجعه عن استقالته في حال وافق حزب الله على الابتعاد عن الصراعات الإقليمية.
الاّ أن التعب الذي كان ظاهرًا على وجههه قد دفع بالكثيرين إلى الظنّ أنه ما زال يتحدث تحت الرقابة المشددة من قبل السعودية. وفي مرحلة ما خلال الحوار، ذرفت عيناه الدمع ورمى نظرة غاضبة على من ظهر لبرهة في الخلفية. لفت ياسر عبد الستار، وهو سائق بيروتي لسيارة أجرة، لموقع "المونيتور"،"هل لاحظت ذلك؟ لم يكن يتحدّث بحريّة مطلقًا".
غرّد الرئيس اللبناني ميشال عون على موقع "تويتر" في 13 تشرين الثاني\نوفمبر، قائلًا، "سررت بإعلان الرئيس الحريري عن قرب عودته إلى لبنان، وعندها سنطّلع منه على كافة الظروف والمواضيع والهواجس التي تحتاج إلى معالجة". وكان عون قد سبق وقال انه لن يقبل باستقالة الحريري ما لم يلتقيا شخصيًّا في لبنان.
غير أن حال من البلبلة سادت في المجتمع السني في لبنان بشكل خاص، وذلك بسبب هذه التطورات، وعلى الأخص أن السعودية تُعتبر الداعم التقليدي له.
يشكّل المجتمع السني 80% من النسبة السكانية في ثاني أكبر المدن اللبنانية، طرابلس، حيث تغطي عادة صور السياسين المحليين العملاقة وهم يقفون إلى جانب الحكام السعوديين، كولي العهد محمد بن سلمان، في بعض الأحيان جدران المدينة.
أفاد رئيس بلدية طرابلس أحمد قمرالدين لـ "المونيتور"، "إنها مدينة يحبّ الناس فيها أن يُظهروا قربهم من القادة السعوديين. ويشعر مجتمعنا بأنه بحماية السعودية، وهي الدولة السنية الأكبر في المنطقة. يملكون سلطة المال. تحاول إيران الآن اللعب في ملعبهم، ولهذا السبب يقاتلون بعضهم البعض".
وجّه الحريري نقدًا لاذعًا لحزب الله وإيران في خطاب الاستقالة، متّهمًا ايّاهما بزرع الفتنة ضد العالم العربي. وكانت المملكة قد أعلنت في 6 تشرين الثاني/نوفمبر إن لبنان قد أعلن الحرب عليها، وذلك بسبب عدوان حزب الله الشيعي اللبناني والذي تدعمه إيران. وجاء هذا الإعلان بعد مرور يومين على اعتراض الجيش السعودي صاروخًا تم إطلاقه على مطار الرياض الدولي من اليمن. كما تتّهم السعودية إيران بتوفير الدعم إلى المتمردين الحوثيين في اليمن، والذين تستمر المملكة في محاربتهم منذ أكثر من عامين.
للتوتّرات الإقليمية المتصاعدة والخطابات السعودية العدائيّة المتنامية نتائجها المباشرة والخطيرة على لبنان. عبّر عضو المكتب السياسي في حزب الحريري، تيار المستقبل، النائب السابق في البرلمان اللبناني وهو من مدينة طرابلس، مصطفى علوش عن تشاؤمه. إذ أوضح لـ "المونيتور"، "إنه تكمن الوسيلة الوحيدة للخروج من هذا الوضع في صدام كبير. وفي حال توفّر ما يكفي من المال من الخارج الى لبنان ، يمكن عندها نشوب حرب أهلية أخرى". وكان للقوى الأجنبية، كسوريا وإسرائيل، تأثيرها الكبير على الحرب الأهلية في لبنان (1975-1990).
لا يودّ أحدٌ في الشارع الطرابلسي سماع ذلك. إذ شهدت المدينة قتالًا مميتًا بشكل متقطع. والآن بعد أن عاد السلام إلى طرابلس، وذلك بعد انتهاء الحرب وانطلاق أعمال إعادة البناء، تعمل المدينة على تجديد بنيتها التحتية لاجتذاب المستثمرين الأجانب ولتكون منفذًا إلى سوريا.
يُعتبر توجيه النقد العلني إلى السعودية من المحرمات، وذلك على الرغم من وعي الكثيرين مدى خطورة التصريحات السعودية الأخيرة على الاستقرار في لبنان. ذكر محمد حرب وهو أحد الصرّافين لـ "المونيتور"، "اننا نرفض أي حرب جديدة"، وتابع قائلًا، "لسنا كالشيعة، إذ أننا لا نرسل أولادنا إلى القتال"، في إشارة منه إلى إرسال حزب الله المقاتلين لدعم نظام الرئيس بشار الأسد في سوريا. انّ السنّة غير مسلحين في لبنان.
أما في ما يتعلّق باستقالة الحريري، فان جزءًا كبيرًا من اللوم يُلقى على حزب الله، وذلك بسبب ممارسته ضغوطًا كبيرة على رئيس الوزراء. فمارس حزب الله وحلفاؤه، وهم جزء من حكومة الحريري، الضغط عليه لتطبيع العلاقات مع سوريا، وذلك على الرغم من اعتماد الدولة اللبنانية سياسة النأي بالنفس عن النزاع في العام 2012.
أوضح مفتي طرابلس مالك الشعار لـ "المونيتور"، " إن التوافق الذي تمّ التوصل إليه بين حزب الله وسعد الحريري والرئيس عون [لتشكيل حكومة معًا] لم يكن مصدر سرور للشعب الطرابلسي". وأضاف " إنه يتعيّن على الحكومة المقبلة أن تكون أكثر حزمًا مع حزب الله". وبالنسبة له، ينبغي على المجتمع الدولي فرض المزيد من "العقوبات الدبلوماسية والاقتصادية" على إيران، بدلًا من اللجوء إلى الخيار العسكري.
لم تكن الدعوة إلى الهدوء التي وجّهها زعيم حزب الله في 5 تشرين الثاني\نوفمبر، أي بعد مرور يوم واحد على استقالة الحريري، مقنعة لأحد في طرابلس. يقول علّوش، "إنها مجرّد [دعوة] شكليّة"، مضيفًا "إنه لا يمكن لنصرالله أن يدعو إلى الهدوء في حين يحتفظ بالسلاح. بل ينبغي أن يسلّم سلاحه إلى الجيش اللبناني".
ومع استقالة الحريري، يسعى زعماء السنة، ذات المواقف المناهضة بشدّة لحزب الله، كأشرف ريفي مثلًا، إلى ملء الفراغ. وكان ريفي قد فاز في الانتخابات البلدية في طرابلس في أيار\مايو من العام 2016 في وجه اللائحة المنافسة التي دعمها الحريري. كان قد استقال من منصبه كوزير للعدل قبل بضعة أشهر من إجراء الانتخابات، وذلك اعتراضًا منه على ما وصفه بدور حزب الله المهيمن.
علّق أبو ياسين شرف الدين، وهو مالك أحد محال الأثاث، صورًا لريفي خلال الأسبوع الماضي في أحد الأسواق. كما عُقلّت بعدها صور الأمير محمد. أشار شرف الدين لـ "المونيتور"، إلى أنه كان "مؤيّدًا لأشرف ريفي في الحملة الانتخابية الأخيرة". وبالنسبة له، يمثّل ريفي الزعيم السني الوحيد الذي يملك موقفًا قويًا بما فيه الكفاية ضد حزب الله وإيران. وبحلول 12 تشرين الثاني\نوفمبر، تمّ حظر جميع الصور السياسية في طرابلس، وذلك بعد إحراق صورة للأمير محمد في نهاية الأسبوع.
لا يرى معظم سكان طرابلس السياسة كأمر ملحّ مقارنة بالمخاوف اليومية. إذ تُعتبر طرابلس المدينة الأكثر فقرًا في لبنان. ووفقًا لعلوش، إن ثلث رجالها عاطلون عن العمل، في حين تبلغ نسبة المقترعين 40٪ من سكانها. وفي الساحة الرئيسية، تقف العشرات من سيارات الأجرة بانتظار الركّاب. قال أحد سائقي سيارات الأجرة، محمد بدرة، لـ "المونيتور"، "لم أدلي يومًا بصوتي". وتابع قائلًا إنه لا يجني أكثر من 20 ألف ليرة لبنانية يوميًا (أي 13 دولارًا). "لن أصوّت سوى لمن يوفّر فرص عمل جديدة، وهو ما لم يقدّمه أحد من السياسيين مؤخرًا".
أما بالنسبة للجوهرجي عمر نامل، فإن المشهد السياسي في لبنان "محرج". يعاني نامل من ندبة في ساقه وذلك بعد انفجار قنبلة يدوية بجواره في العام 2012 خلال الاشتباكات الطائفية. قال لـ "المونيتور"، "أريد أن أوفّر لابنتي، 4 سنوات، فرصة تلقّي التعليم، تمامًا كأولاد السياسيين القادرين على التوجّه إلى الخارج. الاذ أنني ويا للأسف، غير قادر على ذلك. يستحق لبنان أن يكون سياسيّوه أفضل من سعد الحريري أو أي سياسي آخر".