بغداد - حذر رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في 14 من نوفمبر السلطات الكردي من التسويف في تسليم المعابر الحدودية الى الحكومة المركزية، مؤكدا أن صبر الحكومة لن يدوم طويلا وأنه سوف يأخذ إجراءات حاسمة في هذا الاتجاه قريبا.
وقال وزير الجمارك والتجارة التركيّ بولنت توفنكجي في 26 تشرين الأوّل/أكتوبر من عام 2017: إنّ بلاده توصّلت إلى اتّفاق مع الحكومة المركزيّة العراقيّة على فتح معبر حدوديّ آخر عبر "أوفا كوي" في ولاية شرناق - جنوب شرقيّ تركيا، بعيداً عن سيطرة إدارة إقليم كردستان، الأمر الذي يشكّل ضربة اقتصاديّة وسياسيّة لسلطة الإقليم.
ويأتي هذا التطوّر، في سياق سياسة بغداد المتوافقة مع سياسات تركيا وإيران في التحكّم الاتحاديّ بالحدود ومنافذها وإبعاد أيّ سيطرة للأكراد عليها، والذين يؤخّرون تسليم السيطرة على حدود العراق مع تركيا وإيران وسوريا، الأمر الذي دفع بالقوّات العراقيّة في 1 تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2017 إلى التهديد باستئناف العمليّات لوضع يدها على المعابر التي يسيطر عليها الأكراد.
لا يمكن استبعاد اهتمام أميركا وخصمها الإيرانيّ بمعبر فيشخابور الاستراتيجيّ، فالولايات المتّحدة تسعى إلى تفادي النزاع الفوريّ بين أطراف يحتمل تقاتلها بأسلحة أميركيّة ثقيلة. كما تسعى إلى اعتماد "آليّة أمنيّة مشتركة" في كلّ المناطق الأخرى المتنازع عليها بما فيها المعبر، وهو ما يفسّر اقتراحها تواجد ممثّلين عن التحالف الدوليّ الذي تقوده في المعبر. أمّا قوّات الحشد الشعبيّ المتّهمة بأنّها مدعومة من إيران فلطالما عبّرت عن رغبتها في استعادة المعبر، إذ يوفّر لها نقطة تواصل مع حلفائها في الداخل السوريّ. كما أنّ الموقع هو مكان ربط خطّ أنابيب كركوك-جيهان بتركيا، ويمثّل بوّابة اقتصاديّة مهمّة للعراق من أجل التواصل مع الدول المجاورة، فضلاً عن عائداته الماليّة. وإضافة إلى أهميّته الاقتصاديّة لتركيا، فإنّ أنقرة تخشى من جعل المعبر وسيلة تواصل بين أكراد سوريا والعراق، وتسهيل دعم حزب العمّال الكردستانيّ الذي يقاتل ضدّ تركيا.
وفي مكان قريب من فيشخابور، ظلّ معبر إبراهيم الخليل الحدوديّ (خابور)، الذي يقع ضمن أراضي إقليم كردستان منذ عام 1991 المعبر الوحيد إلى تركيا، بعد أن سيطر عليه الأكراد نتيجة تداعيات احتلال الكويت من قبل صدّام حسين، وفرض منطقة حظر طيران، ومقاطعة اقتصاديّة للعراق من قبل المجتمع الدوليّ. وطوال هذه الفترة، استفاد الأكراد من التجارة البينيّة عبر منفذ إبراهيم الخليل، وحقّقوا واردات كبيرة تبلغ نحو 6 مليارات دولار من واردات المعبر سنويّاً. ولغاية 7 تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2017، كان معبر إبراهيم الخليل لا يزال تحت إدارة إقليم كردستان، فيما وصلت القوّات العراقيّة والتركيّة إلى معبر فيشخابور الحدوديّ، الذي يبعد عن معبر إبراهيم الخليل نحو 7 كيلومترات، في 31 تشرين الأوّل/أكتوبر من عام 2017 للسيطرة عليه.
وكشف النائب جاسم محمّد جعفر المقرّب من رئيس الوزراء حيدر العبادي لـ"المونيتور"، الموقف العسكريّ والإداريّ بصورة أكثر وضوحاً، وقال: "إنّ ما تداولته وسائل الإعلام بشأن السيطرة الكاملة للقوّات الاتحاديّة بالكامل على معبريّ إبراهيم الخليل وفيشخابور غير صحيحة".
أضاف: "تسيطر القوّات التركيّة والاتحاديّة العراقيّة على معبر إبراهيم الخليل من الجانب التركيّ، فيما لا يزال الأكراد متواجدين في الجانب الآخر، ويرفضون تسليم إدارة المعبر وصندوق الجبايات ومعطيات الجمارك إلى السلطات الاتحاديّة".
وتحدّث عن الموقف في معبر فيشخابور فقال: "المعبر من الجانب الكرديّ لا تزال هناك مشاكل بشأنه بين القوّات الكرديّة والاتحاديّة. ولا يزال الجسر المؤدّي إلى المعبر، الذي يقع على مسافة 5 كلم منه، بأيدي قوّات البيشمركة الكرديّة".
وأشار محمّد جعفر إلى أنّ "إصرار الإقليم على فرض سلطته على المعبر سيدفع بالحكومة الاتحاديّة إلى اللجوء للقوّة لفتح بوّابته"، مؤكّداً أنّ "لجاناً أمنيّة مشتركة تشكّلت في 3 تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2017 تحت رعاية الولايات المتّحدة لنشر قوّات مشتركة من البيشمركة والجيش العراقيّ في فيشخابور"، معتبراً أنّ ذلك "لن يستمرّ إلى الأبد مع إصرار الأكراد على التجاوز على الدستور".
غير أنّ نتائج الاتفاقات والتطوّرات الأمنيّة على أرض الواقع لا تزال غير ملموسة، إذ قال التاجر العراقيّ في منطقة جميلة ببغداد علي الكعبي لـ"المونيتور": "استلمت شحنة بضائع مستوردة من تركيا في 9 تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2017". وأكّد أنّ "سائقي الشاحنات لم يرصدوا أيّ تغيير في الأوضاع هناك".
والتقى "المونيتور" عدداً من سائقي الشاحنات، الذي قال أحدهم مفضّلاً عدم ذكر اسمه: "هناك تغييرات مهمّة في الطرق التي ستسلكها الشاحنات في المستقبل القريب، بعيداً عن الإقليم". أضاف: "سائقو الشاحنات بدأوا يسلكون طريق تلعفر إلى الموصل، الذي يبلغ طوله نحو 160 كيلومتراً، الأمر الذي يشير إلى عودة طرق تجارة بعيدة عن كردستان، كانت مزدهرة في تسعينيّات القرن الماضي، ثمّ تلاشت بسبب حرب الخليج وتهديدات تنظيم داعش".
أمّا عضو اللجنة الأمنيّة في البرلمان العراقيّ النائب اسكندر وتوت فقال لـ"المونيتور": "إنّ إجراءات إبعاد كردستان عن المنافذ الحدوديّة والاستغناء عن معبر إبراهيم الخليل، ماضية إلى هدفها، وسينتهي الأمر إلى المنافذ الجديدة".
وتحدّث وتوت عن الأبعاد السياسيّة لبسط النفوذ على المعبر فقال: "هذا المعبر سيهمّش دور الإقليم في التجارة البينيّة، ويمكّن القوّات العراقيّة والتركيّة من التواصل المباشر بعيداً عن تدخّل الأكراد، والسيطرة على آليّات تصدير نفط الشمال وكركوك والموصل بشكل كامل".
أضاف: "إنّ التمعّن في الخارطة يوضح كيف أنّ المناطق على طول نهر دجلة من جهة الغرب ستكون نقاط تواصل مع تركيا وسوريا عبر المنافذ الحدوديّة، لا سيّما أنّ القوّات العراقيّة حرّرت منفذ القائم أيضاً، الأمر الذي يضمن التواصل بين سوريا والعراق، ويعزل داعش، وكذلك يقطع تواصل منظّمة حزب العمال الكردستانيّ مع أكراد العراق".
خارطة الأحداث تنبىء بخطوات مستمرّة في عزل الإقليم داخليّاً وخارجيّاً، ذلك أنّ انتزاع المنافذ الحدوديّة من سيطرة الأكراد، بعد سيطرة القوّات الاتحاديّة على نفط كركوك في 17 تشرين الأوّل/أكتوبر من عام 2017، سيضع سلطات الإقليم أمام أزمة اقتصاديّة كبيرة تطيح بكلّ آمالها الانفصاليّة.