يهدّد الكونغرس الأميركي بوقف إرسال الأسلحة إلى بغداد بعدما تحدّثت تقارير اليوم [16 تشرين الأول/أكتوبر] عن قيام القوات العراقية والميليشيات الشيعية المدعومة من إيران بفتح النيران على القوات الكردية الصديقة للولايات المتحدة في شمال العراق.
تحرّكت القوات التابعة للحكومة الاتحادية في العراق بين ليلة وضحاها للسيطرة على كركوك والحقول النفطية المحيطة بها إبان الاستفتاء على الاستقلال الذي أجري الشهر الفائت وكان موضع سجال واسع. لقد وجّه مقاتلو البشمركة الأكراد أصابع الاتهام إلى "وحدات الحشد الشعبي" الخاضعة لسيطرة الشيعة باستخدام دبابات "أبرامز" وآليات "هامفيز" أميركية الصنع في الهجوم، الأمر الذي أثار سخطاً شديداً في أوساط المشترعين الأميركيين الذين لطالما أبدوا قلقهم من وصول المعدات الأميركية إلى أيدي تنظيمات موالية لإيران.
في هذا الإطار، أصدر رئيس لجنة الخدمات المسلحة في مجلس الشيوخ جون ماكين، جمهوري-أريزونا، بياناً دعا فيه القوات العراقية إلى "اتخاذ خطوات فورية لخفض التصعيد في هذه الأوضاع المتفجِّرة، عبر وقف تقدّمها".
وقد أبدى ماكين قلقه الشديد إزاء "التقارير الإعلامية التي تتحدث عن أن القوات الإيرانية والمدعومة من إيران تشارك في الهجوم"، مضيفاً: "كونوا على يقين من أنه ستحدث تداعيات وخيمة في حال تواصلَ استخدام المعدات الأميركية بهذه الطريقة التي تتعارض مع وجهتها الصحيحة".
أما النائب ترنت فرانكس، جمهوري-أريزونا، وهو عضو في لجنة الخدمات المسلحة في مجلس النواب وكان قد اقترح قراراً لدعم الاستقلال الكردي عن العراق، فذهب أبعد من ذلك عبر التلميح إلى أنه ينبغي على الولايات المتحدة وقف الدعم المالي لبغداد.
وأعلن فرانكس في بيان: "أناشد رئيس الوزراء العراقي [حيدر] العبادي الوفاء بتعهّده بمنع أي هجوم خارجي أو داخلي ضد الأكراد، وبأن يثبت أن بغداد ليست دمية في يد طهران"، مضيفاً: "وإلا لن يكون أمام الولايات المتحدة من خيار سوى سحب التمويل لأنها لا تستطيع، بضميرٍ حي، أن ترسل الأموال إلى دمية ساذجة تتحكّم بها إيران وتسعى إلى ضرب المصالح الأميركية".
مشاعر القلق هذه يتشاركها الحزبان. فقد أعرب زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ، تشاك شومر، ديمقراطي-نيويورك، عن امتعاضه الشديد أيضاً بعد إصداره بياناً أبدى فيه دعمه القوي للاستقلال الكردي إبان الاستفتاء الذي أجري الشهر الماضي.
وقال شومر في بيانه: "كل ذرة من الطاقة والموارد تستخدمها الحكومة العراقية والبشمركة الكردية للتقاتل في ما بينها، يجب أن تُنفَق لمحاربة [الدولة الإسلامية] والإرهاب في المنطقة. ينطبق هذا في شكل خاص على الموارد المرسَلة من الولايات المتحدة".
لقد سلّط الأكراد، الذين يدركون جيداً نفور واشنطن من طهران، الضوء على دور القوات الإيرانية في هجوم اليوم [16 أكتوبر]، وزعموا أنهم دمّروا خمس آليات "هامفي" استُخدِمت في الهجوم.
قال العميد هاجر اسماعيل، أحد قياديي البشمركة، لموقع "المونيتور": "توقّعنا أن يشنّوا هجوماً علينا، إنما لم نتوقع أن يستخدموا أسلحة أميركية في الهجوم. لقي أكثر من مئتَي عنصر من البشمركة مصرعهم اليوم في المعركة... أحضروا أيضاً أسلحة ثقيلة من إيران".
غير أن البنتاغون لم يستطع أن يؤكّد أن البشمركة دمّرت آليات "هامفي" أميركية، وشكّك في مسألة استخدام آليات عسكرية أميركية في الهجوم.
قال المتحدث باسم البنتاغون، الميجور أدريان رانكين-غالواي، لموقع "المونيتور": "يرصد التحالف تحرّكات الآليات العسكرية والعناصر البشرية في محيط كركوك. وقد تبيّن، حتى تاريخه، أن تحركات الآليات العسكرية هي تحركات منسَّقة، وليست هجمات".
على الرغم من أن رانكين-غالواي جدّد التأكيد على التزام الولايات المتحدة بـ"عراق موحَّد"، إلا أنه شدّد أيضاً على أن بلاده لا تدعم إربيل ولا بغداد في الصدامات، وقلّل من حدّتها.
وقال في هذا الصدد: "أفادت تقارير عن تبادل محدود لإطلاق النيران في ساعات الظلام قبل بزوغ فجر السادس عشر من تشرين الأول/أكتوبر. نحن نعتقد أنها حادثة معزولة. لم نشهد على مستويات العنف التي تحدّثت عنها بعض التقارير الإعلامية".
نفت بغداد حيازة "وحدات الحشد الشعبي" على أي دبابات "إم 1 أبرامز" أميركية الصنع، وشدّدت على أن القوات التابعة للحكومة الاتحادية العراقية هي التي تحتفظ بالسيطرة على الدبابات. لم يصدر عن السفارة العراقية في واشنطن أي تعليق حول آليات الـ"هامفي"، لكنها أكّدت أنها "حملة تضليل مدبَّرة يقوم بها عناصر في الإقليم الكردي للتغطية على ممارساتهم المشينة في إطار محاولتهم تعطيل التحركات المنسّقة والمحترفة للقوات الأمنية العراقية".
وشدّدت السفارة، في بيان حقائق جرى توزيعه على المراسلين، على أن بغداد "خططت ونسّقت بعناية مع قوى الأمن المحلية لعودة القوات الاتحادية إلى محافظة كركوك"، وألقت اللوم على "ميليشيات حزبية إقليمية من خارج محافظة كركوك" في الهجوم على قوى الأمن الاتحادية.
يمكن أن تكون للسجال حول هوية الجهة التي يجب تحميلها مسؤولية اشتداد العنف – وحول ما إذا كانت الأسلحة والمعدات الأميركية قد استُخدِمت في غير وجهتها الصحيحة – تداعيات مهمة على قدرة واشنطن على الاستمرار في بيع أسلحة إلى العراق تفوق قيمتها مليار دولار سنوياً.
يفرض القانون الحالي على وزير الدفاع التصديق على أن "الحكومة العراقية اتخذت التدابير اللازمة وفق ما تقتضيه الضرورة منطقياً للحؤول دون وصول المساعدات [العسكرية الأميركية] إلى تنظيمات عنيفة متطرفة أو دون استحواذ هذه التنظيمات على المساعدات"، بما في ذلك التنظيمات التي تمتلك روابط مع إيران. على الرغم من أن الولايات المتحدة تدقّق في سجلات ميليشيات الحشد الشعبي التي تقوم بتسليحها، إلا أن وزارة الخارجية الأميركية صنّفت بعض الميليشيات في صفوف الحشد على قائمة التنظيمات الإرهابية الأجنبية.
لقد حاول المشترعون في مجلس النواب الأميركي قطع شوط إضافي في مشروع قانون الدفاع السنوي العام الماضي عبر التعهد بتخصيص خمسين مليون دولار لقوات البشمركة والقوات العشائرية السنّية، إلا في حال أنهت بغداد دعمها لميليشيات الحشد الشعبي الخاضعة لسيطرة إيران أو المرتبطة بها. غير أن مشروع القانون لم يصمد بصيغته هذه لدى مواءمته مع النسخة التي وضعها مجلس الشيوخ في ذلك الوقت.