مدينة غزّة - قطاع غزّة: أظهرت خطوات دراماتيكيّة اتّخذتها قيادة "حماس" الجديدة، عقب تولّيها مهامها بشكل رسميّ في منتصف شباط/فبراير من عام 2017، أنّ توجّهاتها تختلف بشكل كبير عن القيادة السابقة، فالقيادة الجديدة، وتحديداً في غزّة، بدأت تعيد العلاقات التي كانت شبه منقطعة مع أطراف عدّة كإيران ومصر وتيّار النائب الفتحاويّ المفصول محمّد دحلان، وليس أخيراً مساعي عودة تلك العلاقة مع النظام السوريّ.
إنّ "حماس"، التي خرجت من سوريا في نهاية عام 2011، من جرّاء موقفها من الأزمة السوريّة ووقفوها إلى جانب مطالب الشعب السوريّ، دفع بالنظام إلى قطع العلاقة معها بشكل تامّ، بل واتهام الرئيس السوريّ بشار الأسد في أكثر من مناسبة الحركة بأنّها تدعم جماعات مسلّحة سوريّة تقاتل ضدّ النظام السوريّ.
ولم تنكر "حماس"، التي كانت تشكّل ركناً أساسيّاً في ما يطلق عليه "محور الممانعة" ضدّ إسرائيل، والذي يضمّ كلاًّ من سوريا وإيران و"حزب اللهّ، الدعم السوريّ الذي تلقّته على مدار سنوات سبقت خروجها من سوريا، إضافة إلى الحريّة الكبيرة التي لاقتها أثناء تواجدها على الأراضي السوريّة.
وقال مصدر مطّلع في النظام الإيرانيّ، فضّل عدم الكشف عن هويّته، لـ"المونيتور": "مسؤولون إيرانيّون رفيعو المستوى، من بينهم رئيس مجلس الشورى علي لاريجاني ومستشار المرشد الأعلى علي أكبر ولايتي، التقوا بقادة حركة حماس خلال زيارتهم لإيران في 4 آب/أغسطس الجاري للمشاركة في تنصيب الرئيس الإيرانيّ حسن روحاني لولاية رئاسيّة ثانية، وعرضوا عليهم التوسّط بينهم وبين النظام السوريّ لعودة العلاقات المنقطعة بينهما".
وأوضح المصدر أن المسؤولين الإيرانيّين أكّدوا لقيادة حماس أنّه باستطاعتهم إزالة حالة الاحتقان والتوتر المتواجدة عند النظام السوريّ تجاه حركة حماس، الأمر الذي رحّب به وفد حماس وطلب نقل المقترح إلى قيادة حركته لتدرسه والردّ عليه.
من جهته، أكّد رئيس حركة "حماس" في قطاع غزّة يحيى السنوار في ردّه على سؤال لـ"المونيتور" خلال لقائه بعدد من الصحافيّين في غزّة بـ28 آب/أغسطس الجاري، أنّ "حماس" لا تمانع في عودة علاقاتها مع النظام السوريّ، مشدّداً على أنّ ما أسماها بـ"الانفراجة" التي تشهدها الأزمة السوريّة الداخليّة ستفتح آفاق ترميم العلاقة وعودتها مع النظام السوريّ.
وقال يحيى السنوار: "ننتظر الوقت المناسب لإعادة تلك العلاقة حتّى لا تدخل حماس في لعبة المحاور بالمنطقة، فسياستنا هي الانفتاح على كلّ الأطراف خدمة للقضيّة الفلسطينيّة".
ما كشف عنه المصدر الإيرانيّ وتلميح قائد "حماس" في غزّة إلى بدء عودة العلاقة مع النظام السوريّ، سبقهما بأيّام تحوّل واضح في لهجة الرئيس السوريّ بشّار الأسد تجاه حركات المقاومة الفلسطينيّة خلال كلمته في مؤتمر وزارة الخارجيّة والمغتربين بـ20 آب/أغسطس الجاري، والذي أكّد دعمها ودعم القضيّة الفلسطينيّة من دون أن يستثني "حماس"، كما جرت العادة في خطاباته عقب القطعية معها.
من جهته، رأى الكاتب والباحث السياسيّ الإيرانيّ حسين رويوران أنّ إيران تستطيع أن تؤثر بشكل كبير على النظام السوريّ لعودة العلاقات مع حركة "حماس"، رغم الموقف المسبق للنظام والحكومة السوريّة من الحركة، مشيراً إلى أنّ القضيّة تكمن في مدى نجاح المسعى الإيرانيّ في تحقيق كلّ ما يريد من تلك الوساطة.
وأشار رويوران إلى أنّ "حماس" في حاجة ماسّة إلى عودة تلك العلاقة، فدول الطوق بالأراضي الفلسطينيّة تعترف كلّها بإسرائيل وتقيم علاقة معها، إلاّ سوريا ولبنان، وهو موقف مهمّ بالنّسبة إليها كحركة مقاومة، وقال: رغم انشغال النظام السوريّ بالأحداث الداخليّة، إلاّ أنّ موقفه من القضيّة الفلسطينيّة وحركات المقاومة ثابت ولم يتغيّر، ولا أدلّ على ذلك إلاّ ما عبّر عنه الرئيس بشّار الأسد في 20 آب/أغسطس الجاري.
واستبعد أن يطلب النظام السوريّ ضمانات لعودة العلاقة مع "حماس"، فموقف الأخيرة من فكّ ارتباطها التنظيميّ عن الاخوان المسلمين وتعريف نفسها بأنّها حركة مقاومة فلسطينيّة فقط وتثبيت ذلك في وثيقتها السياسيّة الجديدة التي أعلنتها في 1 أيّار/مايو من عام 2017، يدلّل على أنّ هناك تغيّراً كبيراً في فكر "حماس"، وهذا كاف لعودة العلاقات مع النظام السوريّ، وسبقته قبل ذلك عودة العلاقة مع إيران و"حزب الله".
وفي السياق ذاته، قال أستاذ العلوم السياسيّة في جامعة "النجاح الوطنيّة" البروفسور عبد الستّار قاسم لـ"المونيتور": "إنّ مباحثات تجري منذ أشهر بين حماس من جانب، والإيرانيّين وحزب الله من جانب آخر، لتهيئة الأجواء لعودة العلاقة بين حماس والنظام السوريّ". وتوقّع عودة تلك العلاقة بعد مباحثات شاقّة قد تدخلها الأطراف السابقة الذكر .
وشدّد على أنّ "حماس" لم ولن تجد أفضل من سوريا كملاذ آمن لقيادتها السياسيّة، إضافة إلى قناعتها بأنّ جبهة الجولان السوريّة هي في حاجة إليها في أيّ مواجهة عسكريّة مقبلة مع إسرائيل كي تستطيع أن تخفّف أيّ عبء عسكريّ عن غزّة.
وأبدى عبد الستّار قاسم قناعته في نجاح النظام الإيرانيّ بتغيير موقف النظام السوريّ تجاه "حماس"، فإيران تسعى بكلّ قوّة إلى إعادة "حماس" وحركات المقاومة الفلسطينيّة إلى محور الممانعة، الذي خرجت منه تلك الحركات عقب الصراعات العربيّة الداخليّة التي بدأت في عام 2010، مطالباً "حماس" في الوقت ذاته بالقيام ببعض الخطوات التي تبرهن من خلالها للنظام السوريّ صدق توجّهاتها الجديدة.
ويبقى المستقبل القريب الشاهد على مدى نجاح الوساطة الإيرانيّة في عودة العلاقات بين النظام السوريّ وحركة "حماس" التي حسمت أمرها في إزالة أيّ توتّر في العلاقة بينها وبين أيّ طرف في الساحة الإقليميّة باستثناء إسرائيل التي تضع فيتو على العلاقة معها.