القاهرة - أعلنت وزارة الآثار المصرية في 3 أغسطس الجاري أنها بدأت في ترميم معبد الياهو هانبي بشارع النبي دانيال بمحافظة الإسكندرية، بتكلفة 100 مليون جنيه (5.5 مليون دولار) والذي يعد من أقدم وأشهر معابد اليهود في الإسكندرية، بني عام 1354 وتعرض للقصف من الحملة الفرنسية على مصر عام 1798 م بعد ما أمر نابليون بقصفه لإقامة حاجز رماية للمدفعية بين حصن كوم الدكه والبحر، وأعيد بناؤه مرة أخرى عام 1850 بتوجيه ومساهمة من أسرة محمد على باشا وهو مؤسس الأسرة العلوية وحاكم مصر ما بين عامي 1805 إلى 1848.
أثار القرار جدل واسع خاصة أن رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية السعيد حلمي صرح في 5 يوليو الماضي أن المادة 30 من القانون رقم 117 لسنة 1983 وتعديلاته بقانوني 3 و61 لسنة 2010 تنص على أن الطائفة اليهودية باعتبارها الجهة الشاغلة تتحمل تكلفة الترميم بالكامل. رئيس الطائفة اليهودية هو من كان يتولى ترميم وصيانة المعابد اليهودية بتمويل من رجال ومنظمات يهودية خارجية نظرا لقلة عدد اليهود في مصر والذي يقدر بـ6 في القاهرة و19 في الإسكندرية. وهو ما ينطبق أيضا على وزارة الأوقاف المصرية والكنائس المصرية إلا أن وزارة الآثار سوف تتحمل تكلفة الترميم بالمخالفة للقانون.
ونظرا لأن المادة 30 تتيح لوزارة الآثار تقدير قيمة الترميمات لأي مبني أثري وتلزم الجهة الشاغله بسداده فقد قامت وزارة الأوقاف المصرية التي تتبعها المساجد في مصر بطلب تعديل تلك المادة من مجلس الوزراء في 2015 بعد أن طالبتها وزارة الآثار المصرية المسئولة عن ترميم وحفظ المنشئات الأثرية باختلاف طبيعتها الدينية أو الزمنية سواء مساجد, كنائس, معابد يهودية , آثار فرعونية , رومانيه بمبالغ فلكية لترميم المساجد الأثرية وهو ما يفوق قدرة وزارة الأوقاف المادية على أن يقتصر دور وزارة الأوقاف على الجانب الدعوي إلا أنه لم يتم تعديل على تلك المادة إلى الآن.
كما طالبت ماجدة هارون رئيس الجالية اليهودية في مصر والتي خاضت العديد من المعارك للحفاظ على التراث اليهودي المصري ورفضت تلقي مساعدات أجنبية لهذا الغرض بترميم المعابد اليهودية وتحويلها لمزار سياحي يتم الترويج له جيدا بعد أن تهالكت جدران هذه المعابد نظرا لضعف التمويل بسبب موقف هارون المعادي لإسرائيل والتمويل الخارجي وكذلك ضعف ميزانية وزارة الآثار المصرية.
عن هذا الشأن تحدث وزير الآثار السابق زاهي حواس لـ "المونيتور" قائلاً: "المعابد اليهودية الأثرية في مصر عددها 10 معابد 9 في القاهرة مثل معبد عدلي ومعبد بن عزرا ومعبد واحد في الإسكندرية هو معبد "الياهو هانبى" ولا يختلف اهتمام وزارة الآثار المصرية بالآثار اليهودية عن اهتمامها بالآثار الفرعونية والإسلامية والقبطية كجزء من التراث الحضاري المصري".
وأشار حواس إلى أن معبد الياهو هانبي يعد أكبر المعابد الأثرية اليهودية في الشرق الأوسط ويتميز بطراز معماري فريد من نوعه وفور سقوط جزء من سقف «الشخشيخه» الخاص بمصلى السيدات بالمعبد في يناير2016 بسبب سوء الطقس تم تشكيل لجنة من قبل وزارة الآثار برئاسة د. محمد مهران رئيس الإدارة المركزية للآثار اليهودية وتم إعداد مشروع متكامل لترميم المعبد وحمايته من التلف والانهيار.
ولفت حواس النظر إلي أن الفهم الخاطئ للمادة 30 من قانون الآثار هو ما آثار هذا اللغط حول تجديد معبد الياهو هانبي حيث أن مسئولية الحفاظ على الآثار هي مسئولية أصيلة لوزارة الآثار وفى حالة عدم وجود شاغلين أو عدم استطاعة الشاغلين دفع تكاليف الترميم تتولى وزارة الآثار مسئولية الترميم للحفاظ على الآثار المصرية من التلف والانهيار.
وأوضح أن عدد شاغلى معبد الياهو هانبي من الجالية اليهودية في الإسكندرية 18 سيدة من المسنين، ورجل واحد هو يوسف بن جاوون رئيس الطائفة , و آخر صلاة يهودية أقيمت به كانت في العام 2012، ولم تقم صلاة به منذ ذلك الحين.
وأكد حواس أن ترميم معبد الياهو هانبى ليس الأول الذي تقوم به وزارة الآثار المصرية على نفقتها الخاصة كما يشاع وأنه تم ترميم معبد موسي بن ميمون في 2010 بـأموال مصرية ورفضت مصر وقتها تلقي أي تبرعات من الحكومة الإسرائيلية وهو المعبد الذي أنشأ في نهاية القرن التاسع عشر وينسب إلى «ابن ميمون» الذي ولد في قرطبة بالأندلس عام 1135 وكان عالم دين يهوديا كما برع في علوم الطب والرياضيات والفلسفة وهرب من الاضطهاد قادما إلى مصر وأصبح طبيب الحاكم "صلاح الدين الأيوبي" وتوفي في مصر عام 1204 وله مكانه كبيرة عند الجالية اليهودية في مصر, كما طالبت الجالية اليهودية بإنشاء متحف للتراث اليهودي إلا أن قلة المعروضات منعتنا من ذلك.
فيما قال د. محمد الكحلاوي أمين عام اتحاد الأثرين العرب لـ"المونيتور" أن الآثار اليهودية جزء لا يتجزأ من التراث الحضاري المصري وقد أصابها ما أصاب عدد كبير من أثارنا الذي فقدنا ما يقرب من 30 % منها بسبب الإهمال وعدم وضع رؤية إستراتيجية للاستفادة من الآثار وزيادة وعي المواطنين بأهمية الآثار.
وأوضح الكحلاوي أنه من المقرر أن يستغرق مشروع ترميم المعبد اليهودى حوالي ثمانية أشهر، من خلال شركتي المقاولون العرب و أوراسكوم المكلفتين من الهيئة الهندسية للقوات المسلحة بأعمال ترميم المعبد التي جاءت بعد الانتهاء من إعداد كافة الدراسات العلمية والهندسية الخاصة به وستشمل أعمال الترميم الإنشائي و أعمال الترميم المعماري، والموقع العام.
بدوره قال محمد عبد الهادي أستاذ الترميم بجامعة القاهرة ل" المونيتور" أن "السفير الإسرائيلي دافيد جوفرين قام بزيارة المعبد اليهودي"الياهو هانبي" في 2016 وعرض ترميم المعبد بالتعاون مع السلطة المصرية المعنية بذلك الشأن إلا أن وزارة الآثار فوتت عليهم الفرصة وأعلنت عن خطه شاملة لترميم المعبد اليهودي كجزء من التراث الحضاري المصري بأموال مصرية يشمل عدد من المشروعات دون تفرقة بسبب الخلفية الدينية وخصصت مبلغ مليار و 270 مليون جنيه مصري"70 مليون دولار" لترميم ثمان مشروعات بالوزارة وهي المعبد اليهودي ،المتحف اليوناني الروماني ,قصر محمد علي بشبرا، قصر البارون، استراحة الملك فاروق ، قصر الكسان. ، المتحف القومي للحضارة المصرية, وتطوير هضبة الأهرامات".
ترميم مصر للمعابد اليهودية وتحويلها لمزارات سياحية خطوة في الطريق الصحيح تأخرت كثيرا باعتبار أن هذه المعابد تمثل جزء من التاريخ المصري وخير دليل على أن مصر وشعبها قبلوا التعايش مع كل الأديان دون تمييز.