القاهرة –منذ الإطاحة بالرئيس المعزول محمّد مرسي ونظام جماعة الإخوان في 3 تمّوز/يوليو من عام 2013 عقب مظاهرات 30 حزيران/يونيو من العام نقسه، أرست دولة 30 حزيران/يونيو دعائم رفض تكوين ومكافحة الميليشيات المسلّحة، وكان ذلك الرفض أحد أسباب رفض استمرار جماعة الإخوان في السلطة، فارتبطت تلك الدولة بتراجع نشاط كلّ الروابط والجماعات المشتبه بحملها السلاح مثل الألتراس والبلاك بلوك وجماعة الإخوان، لكنّ إقتراحات من وزارة الداخليّة بتدريب كشافة الكنائس أمنيا ومطالب كنسيّة بتزويدهم بالسلاح، في حزيران/يونيو من عام 2017، أثارت المخاوف من تحوّل الكشّافة إلى إحدى تلك الميليشيات.
وعلى أثر ما أثير من لغط حول خضوع الكشّافة الكنسيّة إلى تدريبات أمنيّة وتزويدها بالسلاح وتدريبها على استخدامه، أكّد قادة في كشّافة الكنائس الكبرى في مصر خلال تصريحات صحافيّة بـ25 حزيران/يونيو أنّهم يرفضون القيام بأيّ دور أمنيّ سواء أكان بالخضوع إلى تدريبات أمنيّة أم بحمل الأسلحة، مشدّدين على أنّ دورهم يقتصر على تقديم العون إلى المصلّين وزوّار الكنائس، وأنّهم لا يتعدّون الدور التنظيميّ إلى أيّ دور أمنيّ على الإطلاق.
وكانت تلك التصريحات على خلفيّة تقرير نشرته جريدة "الدستور" في 20 حزيران/يونيو، جاء فيه: "قالت مصادر كنسية مطلعة إن وزارة الداخلية رفضت طلبًا من بعض قيادات الكنيسة القبطية بتدريب الكشافة على الأعمال القتالية وحمل السلاح، في أعقاب حادث الاعتداء على الأقباط في المنيا الشهر الماضي."
وسبق تقرير جريدة "الدستور"، إعلان أسقف عام الأقباط الأرثوذكس في المنيا وأبو قرقاص الأنبا مكاريوس في بيان بـ17 حزيران/يونيو رفض الكنيسة العرض المقدّم من مديريّة أمن المنيا باختيار مجموعة من كشّافة الكنائس وتدريبها في قسم الحماية المدنيّة بوزارة الداخليّة على كيفيّة التأمين والتصدّي لأيّ أعمال تخريبيّة تواجه الكنائس، خشية تكرار أحداث إرهابيّة كتفجيرات كنائس البطرسيّة ومار جرجس والمرقسيّة في القاهرة وطنطا والإسكندريّة.
وأشار مكاريوس في بيانه إلى أنّ الكنيسة رفضت ذلك العرض خشية تفسيره ممّن أسماهم بـ"أصحاب العقول المريضة"، على أنّه سعي من الكنائس إلى تكوين جناح عسكريّ، وقد يفهم ضمناً بالتّالي أنّه سيتمّ تسليح ذلك الجناج بشكل أو بآخر، وهو أمر ترفضه الكنيسة، وقال: "البعض اتّهم الكنيسة، في وقت سابق، بأنّ في داخلها مخازن للأسلحة، لكنّ أحداث تدمير عشرات الكنائس في مختلف محافظات الجمهوريّة عقب فضّ اعتصامي الإخوان وأنصارهم في رابعة العدويّة والنهضة، أثبتت بالدليل القاطع عدم صحّة ذلك، حيث لم يجد الإرهابيّون فيها أيّ أسلحة، وإلّا لما تردّدوا لحظة في الكشف عنها. كما أنّ الكنائس إذا كانت بالفعل تمتلك أسلحة في داخلها، فكان من المنطقيّ استخدامها للدفاع عن نفسها في تلك الهجمات".
أضاف: "الهدف الأساسيّ من الكشّافة الكنسيّة، ليس عسكريّاً ولا أمنيّاً، وإنّما تنظيميّ في داخل الكنيسة فقط. وبالتّالي، فهو ليس دوراً شرطيّاً لا في الداخل ولا في الخارج، وتقوم فكرة الكشّافة على التدرّب على كيفيّة مساعدة الآخرين مجتمعيّاً، وتأمين دور العبادة مسؤوليّة رجال الشرطة، بينما يقوم شباب من الكنيسة بالتنظيم الداخليّ والتمييز بين شعب الكنيسة والغرباء عن المنطقة، وهدف الوزارة من هذا العرض تفعيل أكثر لدور الكشّافة في حماية المنشآت المسيحيّة، ولكن يخشى من تبادل الأدوار أن يلقى اللوم عند وقوع حادث ما على الكشّافة الكنسيّة والشباب الذين تمّ تدريبهم".
ونفى المتحدّث باسم الكنيسة الأرثوذكسيّة القسّ بولس حليم ما جاء في تقرير جريدة "الدستور" عن طلب قيادات كنسيّة تزويد كشّافة الكنائس بالسلاح، وقال في تصريحات لـ"المونيتور": "إنّ موقف أسقف المنيا برفض تدريب كشّافة الكنائس ورفض أيّ اتّهام بالسعي إلى الحصول على أسلحة هو موقف الكنيسة الأرثوذكسيّة مجتمعة".
وسأل مستنكراً: "كيف نعلن رفضنا لمجرّد تدريب الكشّافة خشية أن يفسر ذلك بأنّنا نحمل السلاح، ثمّ تتقدّم قيادات كنسيّة بعد 3 أيّام بمطالب إلى وزارة الداخليّة بتزويد الكشّافة بالسلاح؟!".
وأضاف: "أي تدريب تخضع له الكشافة هو تنظيمي يتعلق بكيفية دخول الزوار إلى الكنيسة وتمييز الغرباء والمشتبهين وليس تأميني أو أمني، والتنظيمي مرتبط بكيفية اكتشاف الخطر والإبلاغ عنه أما الأمني فمرتبط برد ذلك الخطر والتعامل معه وهو وظيفة الشرطة ونرفض اي تدريب عليه"
وقال مصدر مطّلع في الكنيسة الأرثوذكسيّة، فضل عدم ذكر اسمه، لـ"المونيتور": "أؤيّد تماماً موقف الكنيسة الرافض لخضوع الكشّافة إلى تدريبات أمنيّة. كما أرفض أيّ اتّهام للكنيسة بالسعي إلى الحصول على السلاح أو حمله، وأؤكّد أنّ هذا هو الموقف العام للكنيسة، إلاّ أنّ هناك قيادات كنسيّة ربّما اقترحت ذلك بشكل فرديّ، ولو علمت قيادة الكنيسة الأرثوذكسيّة بذلك المقترح لمنعته، فالقيادة لن تقبل أبداً بذلك إذا عرض عليها الأمر بشكل رسميّ".
من جهته، قال مدير المركز الوطنيّ للدراسات الأمنيّة العقيد المتقاعد خالد عكاشة لـ"المونيتور": "يمكن الاستفادة من الكشّافة الكنسيّة في عمليّات تأمين الكنائس بمهامّ محدّدة مثل تنظيم دخول زوار الكنيسة أوقات الزحام في الأعياد أو الإشراف على فحص الحقائب أو التعرف على زوار الكنيسة وتمييز الغرباء عنهم، وأحد أسباب وجود ثغرة في تأمين الكنائس ونجاح الإرهابيّين في دخولها هو وجود أكثر من جهة مسؤولة عن التأمين، وهي وزارة الداخليّة والكشّافة الكنسيّة والأمن الإداريّ في الكنيسة. ولذلك، يحتاج الأمر إلى إعادة تنظيم، ويجب أن تتولّى المهمّة جهة واحدة، وهي وزارة الداخليّة لتجنّب التضارب".
واستبعد أستاذ العلوم السياسيّة في جامعة القاهرة مصطفى علوي احتمال تحوّل كشّافة الكنائس إلى ميليشيّات عسكريّة، وقال لـ"المونيتور": "أعتقد أنّ عرض التدريب لم يكن يتعدّى أساسيّات التأمين مثل كيفيّة التعامل مع الأجسام الغريبة أو استخدام الأجهزة الإلكترونيّة للكشف عن الأسلحة والمعادن والموادّ المتفجّرة. كما أنّه لن يكون مفيداً، ومن الأفضل أن تعدّل وزارة الداخليّة بالإتّفاق مع القيادات الكنسيّة كيفيّة تأمين الكنائس لتكون الوزارة مسؤولة عن التأمين من الداخل والخارج لعدم الزجّ بالكشّافة في عمل ليست مؤهّله له ويعرّضها للخطر، فوظيفتها مجتمعيّة ودينيّة، وليست أمنيّة".
يبدو أنّ المخاوف من تحوّل الكشّافة الكنسيّة إلى ميليشيات مسلّحة ما زالت مبكرة، وربّما غير مبرّرة على الإطلاق، في ظلّ رفض الكنيسة الأرثوذكسيّة تزويد كشّافتها بالسلاح أو حتّى مجرّد خضوعها إلى تدريبات أمنيّة، وفي ظلّ أيضاً رفض وزارة الداخليّة مطالب تسليحها واقتصار الداعين إلى ذلك على بعض القساوسة الشاذين عن الموقف الرسميّ للكنيسة، إن صحّ ما جاء في تقرير جريدة "الدستور"، إلاّ أنّ مجرّد مقترح التدريب الصادر عن مديريّة أمن المنيا فجّر مخاوف عسكرة الكشّافة في مجتمع شديد الحساسيّة ضدّ فكرة الميليشيات، وأتاح ذلك العرض للكنيسة فرصة تأكيد استمرار موقفها الرافض لحمل السلاح أو تخطّي الدور الدينيّ، ولو لمجرّد الحماية.