تتقاطع مصالح روسيا وجبهة البوليساريو عند المحيط الأطلسي، فتتيح آفاقاً لنشوء علاقة غير متوقّعة يمكن أن تؤدّي إلى تغيير مآل النزاع في الصحراء الغربية.
في 23 آذار/مارس الماضي، استقبلت موسكو وفداً من جبهة البوليساريو، وهي حركة من الصحراويين تسعى إلى استقلال الصحراء الغربية التي يعتبرها المغرب أيضاً جزءاً من أراضيه. وكان الوفد برئاسة محمد خداد، منسّق البوليساريو لدى بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية، الذي اجتمع بنائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف. وكان هذا الأخير قد التقى العاهل المغربي العام الماضي.
أوردت وكالة الأنباء الصحراوية أن خداد طالب بالتقيد بالقانون الدولي بحذافيره بما يُجيز للصحراويين تقرير مصيرهم. لقد حاولت الأمم المتحدة منذ العام 1991 بذل جهود وساطة من أجل التوصل إلى اتفاق يلتزم المغرب بموجبه بإجراء استفتاء يقرّر فيه الصحراويون إذا كانوا يريدون الاستقلال أو الانضمام إلى المغرب. غير أن هذا الأخير رفض، طوال عقود، النظر في أي اتفاق يشتمل على خيار الاستقلال.
أوردت وزارة الخارجية الروسية في بيان صحافي عن الاجتماع، أن بوغدانوف "جدّد التأكيد على الموقف الروسي الثابت عن الحاجة إلى حل سياسي مقبول من جميع الأطراف لهذه المشكلة المستمرة منذ وقت طويل، وذلك بالاستناد إلى قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة". ولفتت الوزارة أيضاً إلى أنها تريد مواصلة العمل مع "جميع الأفرقاء المعنيين، ولا سيما مع شركائها في مجموعة أصدقاء الصحراء الغربية". يُشار إلى أن مجموعة الأصدقاء تتألف من فرنسا وروسيا وإسبانيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة.
سبق الزيارة اجتماعٌ بين أمين عام جبهة البوليساريو، ابراهيم غالي، وأمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس في 13 آذار/مارس الماضي، قبل نحو شهر من الموعد المرتقب لصدور التقرير السنوي لمجلس الأمن الدولي حول الصحراء الغربية.
أثارت زيارة وفد جبهة البوليساريو إلى موسكو قلقاً في المغرب، قبل أن تُصدر السفارة الروسية في الرباط بياناً تشرح فيه موقفها من النزاع على الصحراء الغربية، إنما بلهجة أكثر ليونة هذه المرة.
أورد موقع Morocco World News الإلكتروني: "شدّدت روسيا على الحاجة إلى تكثيف جهود المجتمع الدولي لتحقيق تسوية منصفة في الصحراء الغربية في المدى الطويل، مع أخذ المصالح الأساسية للشعوب في الاعتبار والمساهمة في تحسين الوضع في المغرب العربي".
أصبح التدخل الروسي في النزاع على الصحراء الغربية أشدّ وضوحاً منذ إبرام المغرب ونيجيريا اتفاقاً لإنشاء خط أنابيب، والذي جرى الإعلان عنه في كانون الأول/ديسمبر الماضي. يُذكَر في هذا السياق أن أحد أهداف المشروع هو منح أوروبا بديلاً عن الغاز الروسي الذي تعتمد عليه الآن إلى درجة كبيرة.
يُتوقَّع أن يمر خط الأنابيب عبر نحو اثنَي عشر بلداً على طول الساحل الأطلسي للقارة الأفريقية، بما في ذلك موريتانيا التي تعترف بالجمهورية الصحراوية العربية الديمقراطية وبشرعية حكومتها. تقع قرية غرغرات في منطقة محايدة في الصحراء الغربية على مقربة من الحدود مع موريتانيا، وقد شكّلت مؤخراً نقطة ساخنة بين المغرب وجبهة البوليساريو. بعد مواجهة استمرت شهراً هناك، سحب المغرب قواته في شباط/فبراير الماضي، غير أن جبهة البوليساريو رفضت الانسحاب.
لقد عوّلت جبهة البوليساريو على فكرة إنشاء خط أنابيب للغاز يمر عبر الصحراء الغربية للوصول إلى المغرب، إذ رأت في هذا المشروع أداة نفوذ يمكنها استخدامها، لا سيما مع روسيا – العضو الدائم الذي يملك حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن. لقد عانت البوليساريو من عدد من الانتكاسات في مجلس الأمن حيث الأعضاء الآخرون الذين يملكون حق النقض إلى جانب روسيا هم الصين والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا، وتُعَدّ هذه الأخيرة حليفة أساسية للمغرب. غالباً ما تتولّى فرنسا زمام المبادرة في المسائل المتعلقة بشمال أفريقيا. وتعتبر جبهة البوليساريو أنه من شأن التأثير الروسي أن يؤدّي إلى تبديل الاتجاهات في مجلس الأمن بحيث تميل لمصلحة البوليساريو في النزاع الراهن، وتأمل بأن يساهم وجودها على ضفاف المحيط الأطلسي في جعل موسكو تنظر إليها كشريك أساسي في الحفاظ على المصالح الروسية في المنطقة.
لقد دفع إصرار البوليساريو على الإبقاء على وجودها في المنطقة المحايدة على الرغم من – أو ربما بسبب – الاهتمام الدولي الذي استقطبته المسألة - دفع إذاً بموقع "ألف بوست" الإخباري إلى إثارة مخاوف بشأن الصواريخ العسكرية الجزائرية المتطورة من طراز "إس-300" التي سيتم وضعها في المنطقة الخاضعة لسيطرة البوليساريو في الصحراء الغربية. تدعم الجزائر قضية البوليساريو، وتستضيف مخيمات اللاجئين في الجزائر أعداداً كبيرة من اللاجئين الذين غادروا منازلهم في الصحراء الغربية هرباً من المعارك.
من الاعتبارات الأخرى التي ترتدي أهمية بالنسبة إلى البوليساريو التعاون العسكري الروسي-الجزائري. بدأت روسيا دعم الجيش الجزائري في ستينيات القرن العشرين، ولا تزال الجهة الأساسية التي تزوّده بالمعدات العسكرية. بحسب موقع African Defense الإلكتروني، بلغت قيمة الصادرات العسكرية الروسية إلى الجزائر 457 مليون دولار أميركي في العام 2015. أضاف الموقع أن روسيا زوّدت الجزائر بإمدادات عسكرية تفوق قيمتها ثمانية مليارات دولار منذ العام 1991.
فيما يتنافس المغرب والجزائر على النفوذ في بلاد المغرب العربي، تسعى جبهة البوليساريو إلى الحصول على الدعم الروسي على ضوء تقاطع مصالح الطرفَين في مسائل عدة، بدءاً من خط الأنابيب وصولاً إلى الشراكة مع الجزائر. تستطيع الجبهة المساعدة على تأمين المصالح الروسية في ما يختص بالعلاقة مع أوروبا، لا سيما وأن هذه الأخيرة تسعى جاهدةً للحصول على بديل عن الغاز الروسي.