بيت لحم، الضفّة الغربيّة - افتتح في 12 نيسان/أبريل الحاليّ متحف فلسطين للتاريخ الطبيعيّ في جامعة بيت لحم في جنوب الضفّة الغربيّة، كالمتحف المتخصص بكامل تفاصيله والأوّل من نوعه على مستوى فلسطين، والوطن العربيّ. ويسعى القائمون عليه إلى أن يكون مركزاً كبيراً للبحوث والتدريس والتنمية في مجال التنوّع الحيويّ والبيولوجيّ في فلسطين.
بددأ العمل في المتحف في العام 2014، حيث قام مدير المتحف الخبير بالتنوّع الحيويّ والبيولوجيّ الدكتور مازن قمصية وعدد من الباحثين، بتجميع عيّنات من فلسطين ومعلومات وأجزاء أبحاث علميّة ونشرها، للتعرّف على الطبيعة في فلسطين الموجودة، وبالتالي ترتيب المتحف وعرض محتوياته بالطريقة المناسبة.
يقول قمصية لـ"المونيتور" إنّ فكرة المتحف قديمة، وبعدما اكتملت الصورة والفكرة والإمكانات لديه، قام بتنفيذها بالتعاون مع جامعة بيت لحم، ليكون امتداداً للمسيرة العلميّة والبحثيّة للجامعة، وتقديم برامج دراسية أيضا.
وتقوم فكرة المتحف على تجميع كلّ عيّنات التنوّع البيئيّ والبيولوجيّ من حشرات وحيوانات ونباتات، وعرضها لتعريف المواطن عليها لزيادة الوعي البيئيّ لديه في شكل علميّ وعمليّ، وخلق ثقافة بيئيّة مستدامة، وصولاً إلى الهدف الأكبر، وهو تغيّر السلوك الإنسانيّ للزائر، تجاه البيئة المحيطة به والحفاظ عليها.
قال قمصية إنّ طاقم العمل، وعددهم سبعه بشكل دائم إلى جانب الأستفادة من أساتذة الجامعة بيت لحم، استطاع نشر 25 بحثاً خلال فترة التحضير لافتتاح المتحف حيث تم نشرها في دوريات علمية محلية وعالمية، إلى جانب تجميع عدد كبير من الحشرات والحيوانات والنباتات التي تمثّل التنوّع الحيويّ والبيولوجيّ وعرضها على الزائر. وتابع: "ركّزنا في أبحاثنا على تأثير المتغيّرات على هذه الطبيعة والتنوّع الحيويّ، من حيث بناء الجدار والمستوطنات الإسرائيليّة والمناطق الصناعيّة في هذه المستوطنات، وكانت أولى هذه الأبحاث حول أثر المستوطنات ونفاياتها على الكروموسومات".
وهذا المتحف الطبيعي أفتتح أبوابه للزوار والعامة سواء المواطنين الراغبين بالتعرف على الطبيعية الفلسطينية،ن أو الباحثين والمتخصصين في مجال البيئة وبشكل مجاني.
وبحسب قمصية، الذي تبرّعت عائلته بجزء من التكلفة التشغيليّة للمتحف فيما شكلت التبرعات الفردية من شخصيات فلسطينية التكلفة باقي التكلفة التي قدرت ب، فإنّ افتتاح المتحف هو الخطوة الأولى في اتّجاه العمل الذي يطمح إليه.
وتبرّعت عائلة قمصية ب250 ألف دولار من التكلفة التشغيليّة للمتحف فيما شكلت التبرعات الفردية من شخصيات فلسطينية التكلفة باقي التكلفة إلى جانب تبرع جامعة بيت لحم بالكان و450 ألفا من التكلفة.
واعتبر قمصية أنّ افتتاح المتحف مجرّد بداية الطريق نحو متحف متكامل يضمّ أكثر من 10 أقسام تشمل قسم إدارة المتحف، بما في ذلك المحاسبة والتنمية، أقسام علم الحشرات، علم العناكب، علم الزواحف، علم الطيور، علم الثدييات، علم الرخويّات، علم المتحجّرات والجيولوجيا، ومعارض عامّة وخاصّة في مجال الإيكولوجيا المتوازنة.
ويقدّم هذا المتحف أيضاً، بحسب قمصية، خدمات تعليميّة لطلبة المدارس من خلال أستقبالهم في المتحف الطبيعي ضمن الرحلات العلمية وتقديم شرح لتعريفهم على التنوّع الحيويّ، إضافة إلى إدارة النفايات وإعادة تدويرها، والعديد من الأمور التي تساهم في التخفيف من التلوّث البيئيّ، وترفع من وعي الطلبة.
ويسعى المتحف إلى بناء وحدة دراسة التنوّع البيئيّ وتطويرها لمنح درجة الدبلوم والدبلوم العالي في مجال البيئة والزراعة البديلة وعلم المتاحف.
ويعتبر هذا المتحف مكسباً لبيئة فلسطين، في ظلّ ما تتعرّض إليه البيئة من اعتداءات الاحتلال والإهمال المحلّيّ، ورافعة للنهوض بالتنوّع الحيويّ والبيولوجيّ الغنيّ لفلسطين، حيث تحتوي فلسطين على 51 ألف تنوّع بيولوجيّ تشكّل 3% من التنوّع البيولوجيّ العالميّ، بحسب تقرير لمركز الإحصاء الفلسطينيّ صدر في كانون الأوّل/ديسمبر 2016 الفائت.
وبحسب التقرير نفسه، فإنّ عدد الأنواع الحيوانيّة التي تعيش في دولة فلسطين تقدّر بنحو 30850 نوعاً، منها 30000 نوع من اللافقاريّات، و373 نوعاً من الطيور، و297 نوعاً من الأسماك، و92 نوعاً من الثدييات، و81 نوعاً من الزواحف، و5 أنواع من البرمائيّات، إضافة إلى أكثر من ألفي نوع من النباتات...
حول ذلك، يقول الخبير في التنوّع الحيويّ الدكتور وليد باشا المحاضر في جامعة النجاح بمدينة نابلس، شمال الضفة، إنّ هذا المتحف سدّ الفجوة في مجال التنوّع الحيويّ في فلسطين، فهذا النوع من المتاحف الطبيعيّة يعرض التنوّع والكائنات الحيّة وتاريخها في فلسطين، ويرفع الوعي المجتمعيّ البيئيّ في شكل كبير. وتابع باشا لـ"المونيتور": "هذا المتحف سيركّز على التطوّرات التي حصلت على التنوّع الحيويّ في فلسطين على مرّ العصور، ويساعد على الحفاظ على ما هو موجود وعلى عدم فقدان الكثير منه بسبب الإهمال".
واعتبر باشا أنّ الأهمّيّة الكبرى للمتحف هو كونه موقعاً لتجميع العيّنات النادرة وحفظها، بدلاً من تناثرها لدى أشخاص، وبالتالي فتح أفق لكلّ الباحثين للاستفادة منها من خلال تشكيل مرجعيّة بحثيّة.
واعتبر مدير مركز بيرك لأبحاث التنوّع الحيويّ والبيئة محمّد سليم اشتيّه أنّ مثل هذا المتحف دوره الأساسيّ تزويد المجتمع العلميّ بالعيّنات التاريخيّة والحديثة للبحث العلميّ، من خلال المجموعات الحديثة والتاريخيّة التي يحتويها وتمثّل الحياة البيئيّة".
وقال اشتيّه في حديثه إلى "المونيتور" إنّه ومن خلال سنوات عمله الطويلة في مجال البحث العلميّ، يرى أنّ مثل هذا المتحف يمكن أن يسهّل على الباحثين في هذا المجال، من حيث تأمين العيّنات ودراستها، في ظلّ وجودها في بيئة محيطة متكاملة.
وقال اشتيّه إنّ هذا الجهد يحتاج إلى دعم حقيقيّ من حيث توفير الباحثين المتخصّصين في كلّ قضايا التنوّع الحيويّ والتغيّرات في أنواع المجتمعات، ولتشكيل قاعدة علميّة جيّدة وتصنيف العيّنات وعرضها بالطريقة الصحيحة.
وتابع اشتيّه: "المتحف مشروع وطنيّ يجب على كلّ الجهّات الالتفاف حوله ودعمه وتوفير الدعم الماليّ اللازم له للاستمرار، سواء من قبل الحكومة أم المجتمع المحلّيّ".
ولا يرى اشتيّه أيّ تناقضات بين الجهود المماثلة من محميّات ومراكز أبحاث التنوعّ البيئيّ والحيويّ. كما هو الحال في مركز البيرك لأبحاث التنوع الحيوي الذي يرأسه، وقال إنّ كّل هذه الجهود، ومن بينها المتحف، يمكن أن تكمّل بعضها البعض، في سبيل الوصول إلى الهدف الكبير في الحفاظ على التنوّع الحيويّ في فلسطين.
ويسعى القائمون على المتحف على نسخ هذه التجربة ونشرها في الدول العربيّة، كما يقول مدير المتحف قمصية، الذي أشار إلى أنّه كان في رحلة عمل إلى الأردن في 17 نيسان الحالي، للحديث عن فكرة المتحف ولأفتتاح متحف مثله.
ولعلّ الأهمّ في هذا المشروع هو استمراريّته وإيجاد موارد دعم دائمة له، حتّى لا يتحوّل عمله موسميّاً، كما باقي المشاريع البيئيّة التي يتجمّد عملها بتوقّف التمويل الماديّ لها.