بغداد - في 22 شباط/فبراير، أكّدت قيادة عمليّات الفرات الأوسط، الاستمرار بحفر خندق أمنيّ يحيط بالحدود الإداريّة لمحافظة النجف، التي تعدّ مقدّسة للمسلمين الشيعة، كونها تضمّ مرقد الإمام علي بن أبي طالب ابن عمّ الرسول محمّد وأوّل الأئمة عند الشيعة، ورابع الخلفاء في الإسلام.
وتبعد النجف نحو 180 كلم جنوب العاصمة العراقيّة بغداد، وهي إضافة إلى القداسة الدينيّة التي تحيطها بالنّسبة إلى الشيعة الذين يشكّلون أغلبيّة السكّان في العراق، فإنّها أيضاً تعدّ مدينة لسكن علماء الدين الشيعة الكبار، وعلى رأسهم المرجع الشيعيّ الأعلى آية الله علي السيستاني.
بدأت محافظة النجف التي تحدّ محافظات المثنى، الديوانيّة، بابل، كربلاء، والأنبار، وتطلّ حدودها على المملكة العربيّة السعوديّة، تشعر بقلق حقيقيّ من تعرّضها لعمليّات إرهابيّة كبرى منذ سقوط محافظة نينوى في حزيران/يونيو من عام 2014 في يدّ تنظيم "داعش"، وازداد القلق بعد سقوط الأنبار في يدّ التنظيم المتطرّف في أيّار/مايو من عام 2015.
وأخذت بادية النجف، المفتوحة على المملكة العربيّة السعوديّة، تزيد من مخاوف تعرّض المحافظة، التي يزورها ملايين الشيعة في المناسبات الدينيّة التي تجري على مدار العام، إلى هجمات إرهابيّة كبيرة، لا سيّما مع قدرة تنظيم "داعش" على التمركز في المناطق الصحراويّة، مثلما حصل في الأنبار، فضلاً عن الانفلات الأمنيّ الذي يشهده العراق منذ غزوه في نيسان/إبريل من عام 2003 من قبل الولايات المتّحدة الأميركيّة.
وبين الفينة والأخرى، تنتشر إشاعات عن قيام "تحرّكات مشبوهة" من قبل السعوديّة على حدود محافظة النجف، إلاّ أنّ القوّات الأمنيّة والحكومة المحليّة في المحافظة تسارع إلى نفيها.
وتنعم محافظة النجف بأمان كبير، مقارنة ببقيّة محافظات العراق، غير أنّ تفجير 5 انتحاريّين أنفسهم في 1 كانون الثاني/يناير في ناحية القادسيّة بمحافظة النجف على أحد الحواجز الأمنيّة الأمر الذي أدّى إلى مقتل نحو 7 أشخاص، من بينهم عناصر في القوّات الأمنيّة، دفع إلى عقد إجتماع بين محافظ النجف لؤي الياسري ونائب رئيس الحشد الشعبيّ أبو مهدي المهندس تقرّر بموجبه زيادة الحماية في بادية النجف، والشروع في العمل على إتمام الخندق، الذي يمتدّ من الجهة الغربيّة للمحافظة، وصولاً إلى محافظة الديوانيّة.
وتتضارب الأنباء في شأن طول الخندق بين 50 و70 كلم، وأشار ديوان الوقف الشيعيّ إلى أنّه تكفّل بنحو ثلث تكاليفه، إلاّ أنّ من أشرف على تنفيذه في شكل مباشر هو فرقة الإمام علي القتاليّة الفصيل المسلّح التابع للعتبة العلويّة والمنضوي في هيئة الحشد الشعبيّ.
وسيتمّ حفر الخندق بعمق 4 أمتار، وسيحاط بأبراج مراقبة وكاميرات مراقبة حراريّة، فضلاً عن نقاط للرصد، وتسيير طائرات مسيّرة في شكل مستمرّ لرصد أيّ حركة على حدود النجف.
وأشار لؤي الياسري إلى أنّ الخندق الأمنيّ له "أهميّة استراتيجيّة عسكريّة مهمة"، لافتاً إلى أنّه "سيكون بمواصفات عالية جدّاً، ومن الصعب جدّاً اختراقه". وبحسب الياسري، الذي ينتمي إلى إئتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، فإنّ "الخندق سيؤمّن 4 محافظات النجف وكربلاء والديوانيّة والمثنى، وسيصدّ أيّ خطر إرهابيّ من الصحراء الغربيّة". ولم يفوّت الياسري الفرصة عن الحديث عن "منافع إقتصاديّة" للخندق، إذ أشار إلى أنّه سيمنع "تهريب الأغنام وغيرها".
وفي 7 شباط/فبراير، أعلن الحشد الشعبيّ عن إنجاز 90 في المئة من أعمال حفر الخندق، مشيراً إلى أنّ خلال أسبوع، سيتمّ إكمال الخندق. بيد أنّ وعد الانتهاء منه لم يتحقّق. ورغم أنّ الحشد الشعبيّ، إضافة إلى حكومة النجف المحليّة وديوان الوقف الشيعيّ تكفّلت بحفر الخندق، إلاّ أنّ آمر اللواء الثاني في الحشد الشعبيّ كريم الخاقاني، قال: "إنّ المسك الأمنيّ للخندق، الذي سيكون في بادية النجف الأشرف، من ضمن مسؤوليّة اللواء الثاني والشرطة الإتحاديّة وفوج طوارئ النجف".
وعلى غرار النجف، فإنّ محافظة كربلاء، المحاذية لمحافظة الأنبار، هي الأخرى تشهد حفر خندق لحمايتها من تسلّل السيّارات المفخّخة، إضافة إلى تسوير محافظات وأقضية مثل الفلّوجة التي تحرّرت أخيراً من تنظيم "داعش" بخندق لإبعاد التهديدات الأمنيّة عن المدن التي تحيطها.
ورغم أنّ بعض نوّاب البرلمان العراقيّ أبدى اعتراضه على اتّباع خطّة حفر الخنادق لحماية المدن من الهجمات الإرهابيّة، معتبراً أنّها خطط "تعود إلى القرون الوسطى"، إضافة إلى كونها تفتح باب التجاوز على الحدود الإداريّة بين المحافظات، لكنّ الباحث في الشؤون الأمنيّة والجماعات المتطرّفة هاشم الهاشمي قال عكس ذلك، إذ أشار في حديث لـ"المونيتور" إلى أنّ "هذه الخنادق مهمّة لمنع تسلّل العجلات المفخّخة والعناصر الإرهابيّة أو تهريب الموادّ الممنوعة" بين المحافظات.
ورأى هاشم الهاشمي، الذي يقدّم الاستشارات الأمنيّة إلى الحكومة العراقيّة، أنّ "محافظتي النجف وكربلاء تعتبران هدفاً دائماً للجماعات الإرهابيّة". وما يخيف النجف وكربلاء تسلّل العجلات المفخّخة والانتحاريّين من محافظة الأنبار، التي سبق أن سيطرت القوّات الحكوميّة عليها، ولم تبق منها إلاّ 3 مدن صغيرة في يدّ تنظيم "داعش" هي راوة وعنه والقائم، وهذه المدن بعيدة عن حدود النجف.
وفي هذا الشأن، قال الهاشمي: "إنّ تحرير الأنبار لا يعني تغيّر أولويّات تلك الجماعات (المتطرّفة) في استهداف المدن المستقرّة نسبيّاً". وأشار إلى أنّ "أعمال الحفر الترابيّة هي أقلّ الاختيارات كلفة. وبالتّالي، اضطرّ إليها المخطّط الأمنيّ بسبب التقشّف الإقتصاديّ"، الذي يمرّ به العراق بسبب انخفاض أسعار النفط وزيادة تكاليف الحرب على الإرهاب.
وفي الواقع، لا يعدّ حفر الخنادق أمراً كافياً للسيطرة على أمن المحافظات، لا سيّما محافظة مثل النجف التي يزورها الملايين سنويّاً بسبب أهميّتها الدينيّة، ويبقى الجهد الاستخباريّ الأهمّ في الحفاظ على الأمن، الذي ما زال العراقيّ يعاني خللاً واضحاً في معالجته.