مدينة غزّة، قطاع غزّة - دعا الأمين العام لحركة الجهاد الإسلاميّ رمضان شلح في كلمة أمام المؤتمر السادس لدعم الإنتفاضة في العاصمة الإيرانيّة طهران بـ21 شباط/فبراير الجاري، إلى ضرورة توحيد جبهات القتال بين الفصائل الفلسطينيّة في غزّة و"حزب الله" في لبنان، في حال أقدمت إسرائيل على شنّ حرب جديدة على أيّ من تلك الأطراف.
دعوة رمضان شلح تلك لم تكن الأولى فلسطينيّاً، فقد سبقتها في 22 كانون الثاني/يناير من عام 2015، دعوة مشابهة من قبل قائد الجناح العسكريّ لحركة "حماس" محمّد الضيف في رسالة أرسلها إلى الأمين العام لـ"حزب الله" السيّد حسن نصرالله معزّياً بعناصره، التي قتلت في بلدة القنيطرة السوريّة بغارة إسرائيليّة في 18 كانون الثاني/يناير من عام 2015، والتي دعا فيها إلى ضرورة توحيد الجهود في الأمّة العربيّة والإسلاميّة لتدير معركة واحدة تتقاطع فيها النيران فوق إسرائيل.
ما طرحه شلح، وإن لم يرد عليه "حزب الله" في شكل علنيّ حتّى اللحظة، فتح باب الأسئلة في الشارع الفلسطينيّ عن توقيت وأهداف تلك الدعوة التي رفضتها السلطة الفلسطينيّة وأيّدتها "حماس" وفصائل فلسطينيّة أخرى. وفي المقابل، نظر بعض وسائل الإعلام الإسرائيليّة، وتحديداً موقع "قناة 20" بنوع من القلق إلى تلك الدعوة.
وحذّر العميد في الجيش الإسرائيليّ يؤيل ستريك، والذي شغل سابقاً منصب قائد الجبهة الداخليّة، وسيتولّى في الأسابيع المقبلة منصب قيادة المنطقة الشماليّة، خلال مقابلة مع موقع "ديفينس نيوز" الأميركيّ نشرت في 26 شباط/فبراير من عام 2017، من تساقط آلاف الصواريخ يوميّاً على إسرائيل في حال اندلعت حرب مع "حزب الله" أو الفصائل الفلسطينيّة في قطاع غزّة، متوقّعاً أن تمتدّ تلك الحرب لأسابيع يتمّ فيها إجلاء مئات آلاف الإسرائيليّين من منازلهم.
من جهته، أكّد القياديّ في حركة الجهاد الإسلاميّ خضر حبيب لـ"المونيتور" أنّ الدعوة التي أطلقها شلح جاءت في سياق تهديدات إسرائيل المتكرّرة بشنّ حرب جديدة على قطاع غزّة أو على جنوب لبنان، مشيراً إلى أنّ وحدة فصائل المقاومة الفلسطينيّة أمر ضروريّ لمواجهة إسرائيل المدجّجة بكلّ وسائل القوّة، وقال: "نتمنّى أن تلقى تلك الدعوة آذاناً صاغية من الأطراف التي قصدها شلح في كلمته (حزب الله)".
وكشف عن وجود تنسيق على الأرض بين الفصائل الفلسطينيّة في غزّة ومنظّمة "حزب الله"، التي تقدّم الكثير من المساعدات والمعلومات والتدريب إلى فصائل المقاومة الفلسطينيّة.
وفي ردّه على سؤال إذا ما ستدخل حركة الجهاد الإسلاميّ أيّ معركة إلى جانب "حزب الله" في مواجهة إسرائيل، قال: هذا الأمر سابق لأوانه، وما زال في طور الدراسة الجديّة من قبل حركته والفصائل الفلسطينيّة الأخرى.
كما أكّد الناطق باسم لجان المقاومة الشعبيّة أبو مجاهد أنّ الجهد والتنسيق بين فصائل المقاومة في غزّة و"حزب الله" على أعلى مستوى، مشدّداً على أنّ ذلك الجهد ستكون له ثمرته في أيّ معركة قد تفرضها عليهم إسرائيل، مشيراً في حديث لـ"المونيتور" إلى أنّ فتح أكثر من جبهة عسكريّة على إسرائيل في أيّ معركة مقبلة سيكون لصالح فصائل المقاومة الفلسطينيّة، وقال: إنّ الفصائل في غزّة تقوم بالاستعدادات العسكريّة المطلوبة، بالتنسيق مع "حزب الله" الذي يقوم بتهريب السلاح عبر طرق سرية ومنذ سنوات إلى الفصائل في غزة، لحماية الشعب الفلسطينيّ.
المعضلة الأبرز التي يجمع عليها المتخصّصون السياسيّون والعسكريّون، والتي يمكنها أن تعيق إتفاقاً عسكريّاً كهذا (توحيد الجبهات)، تبقى في العلاقة التي شهدت توتّراً بين حركتي "حماس" والجهاد الإسلاميّ مع "حزب الله بفعل الصراع في سوريا ورفضهما للتدخّل أو الانحياز لطرف من دون آخر.
ورأى اللواء المتقاعد والخبير العسكريّ واصف عريقات أنّ تلك الدعوة يمكن أن تطبّق في حال وجدت موقفاً سياسيّاً يتوافق عليه الطرفان في غزّة وجنوب لبنان، لافتاً في الوقت ذاته إلى أنّ قدرات المقاومة في غزّة محدودة، وهي للدفاع عن النفس، مقارنة بقدرات "حزب الله" الذي يتلقى الدعم المالي والعسكري من إيران، وقال في حديث لـ"المونيتور": إنّ حزب الله في لبنان والفصائل الفلسطينيّة في غزّة لا يمكنهما هزيمة إسرائيل وطردها من المنطقة بشكل كامل، فما يمتلكانه من عتاد يكفي لردع إسرائيل فقط، فالأخيرة تتلقّى دعماً عسكريّاً وماليّاً وسياسيّاً من قبل الدول الغربيّة، وفي مقدّمها الولايات المتّحدة الأميركيّة.
وتوافق الخبير العسكريّ يوسف الشرقاوي مع سابقه في أنّ توحيد الجبهات بين غزّة ولبنان يتطلّب موقفاً سياسيّاً بين تلك الأطراف من جانب، وبين الفصائل الفلسطينيّة في ما بينها من جانب آخر، معتبراً أنّ توحيد الجبهات وتقاطع النيران فوق إسرائيل أمران في غاية الأهميّة للفلسطينيّين واللبنانيّين ليثبتوا تفوّقهم في أيّ مواجهة مقبلة مع إسرائيل، وقال: إنّ أهمّ عنصر في تلك المعادلة هو حركة حماس، التي تمثل أكبر فصيل مقاوم في غزّة، وتقف مع المعسكر القطريّ المعادي لإيران وحزب الله.
وأشار إلى أنّ بقاء "حماس" في ذلك المعسكر يدلّل على أنّ دعوات توحيد الجبهات تبقى نوعاً من التمنّي.
ولم يستبعد يوسف الشرقاوي أن تكون دعوة شلح تلك، نوعاً من الغزل الذي يقدّمه إلى الإيرانيّين و"حزب الله" للحصول على المزيد من الدعم العسكريّ والماليّ، محذّراً في الوقت ذاته من أنّ نوايا إسرائيل التي تظهر في تضخيم قدرات المقاومة الفلسطينية تدلّل على مواجهة عسكريّة قريبة بين الطرفين.
تبقى المواجهة العسكريّة المقبلة هي الاختبار الحقيقيّ للتعرّف على مدى استجابة الأطراف المعنيّة بدعوة توحيد الجبهات لتطبيقها.