غزة: يمّر الاقتصاد الفلسطيني في مرحلة صعبة حيث أظهرت معطيات رسمية نشرها جهاز الإحصاء الفلسطيني في 16 شباط/ فبراير وصول معدل البطالة بين القوى العاملة في فلسطين إلى 26.9% بواقع 360,500 عاطل عن العمل من أصل مليون وثلاثمئة ألف شخص هم إجمالي عدد القوى العاملة في فلسطين، أما عن نسبة الفقر في قطاع غزة فقد تجاوزت حاجز 80% بحسب دائرة الزكاة التابعة لوزارة الأوقاف الفلسطينية.
وفي ظل هذه المعطيات أعلن مجلس الوزراء الفلسطيني يوم 15 فبراير إلغاء جميع التأمينات الصحية الممنوحة للعاطلين عن العمل بدء من الأول من مارس القادم.
قرار مجلس الوزراء سرعان ما لقي استنكارا وغضبا من قبل منظمات المجتمع المدني حيث طالب ائتلاف الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في 15 فبراير ( وهو ائتلاف يضم أكثر من 55 مؤسسة أهلية واتحاد نقابي) مجلس الوزراء بالتراجع عن قراره بإلغاء التأمين الصحي للعاطلين عن العمل معتبرين قرار الحكومة تجاوزا للقانون الأساسي.
قال منسق دائرة البحث الميداني في مركز الميزان لحقوق الإنسان بغزة، سهيل الهندي، في حديث للمونيتور إن "قرار الحكومة الجائر بحق مئات الآلاف من الأسر الفلسطينية التي لا تستطيع دفع ثمن تكاليف الخدمة الصحية، الأمر الذي سيعرض حياتهم لخطر الموت، وكان يجب على الحكومة التشاور مع منظمات المجتمع المدني قبل اتخاذ هذا القرار الظالم بدلا من وضع مبررات ليس لها أي أساس من الصحة".
في حين أشار رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، سامي العمصي، في حوار مع المونيتور أن "قرار الحكومة الفلسطينية بإلغاء التأمين الصحي (المجاني) للعمال الفلسطينيين تجاوزًا لكل الخطوط الحمر ولن نسمح بتنفيذ هذا القرار بشتى الطرق والأدوات ومنها القيام بمظاهرات واعتصامات ليتراجعوا عن قراراهم الظالم، لأن العمال الفلسطينيين العاطلين عن العمل كانوا ينتظرون أن تقوم حكومة الوفاق بإنشاء برامج لتشغيلهم أو التكفل بتشغيل أبنائهم ليعيشوا حياة مستقرة وليس تقليص مستوى الخدمات المقدمة لهم".
وتمنح السلطة الفلسطينية العاطلين عن العمل تأمينا صحياً مجانياً بموجب قرار من الرئيس الفلسطيني السابق ياسر عرفات عام 2000، بعد تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في الأراضي الفلسطينية مع اندلاع انتفاضة الأقصى في ذات العام.
ووصل عدد المستفيدين من هذا التأمين في وقته في العام 2000 إلى 39 ألفاً، بينما أشارت تقديرات في وزارة الصحة الفلسطينية إلى وصول أعداد المستفيدين من هذا التأمين المجاني الممنوح للعاطلين عن العمل إلى 250 ألفا عام 2016.
من جانبه أوضح مدير عام المستشفيات في وزارة الصحة في غزة، يوسف أبو الريش، للمونيتور أن "عدد المستفيدين من مظلة التأمين الصحي التي تمنحها وزارة الصحة في غزة بلغ حتى نهاية العام المنصرم 235 ألف أسرة منهم 95 ألف مستفيد يحصلون على تأمين صحي مجاني وهم من فئة العاطلين عن العمل وأسر الشهداء والجرحى والأسرى والمستفيدين من برامج الشؤون الاجتماعية" ولذلك فان وزارة الصحة في غزة لن تلتزم بقرار مجلس الوزراء الفلسطيني الأخير، وتتعهد بإبقاء خدمة التأمين الصحي المجاني سارية المفعول لمن تنطبق عليه الشروط، وأن الوزارة بصدد إضافة فئة جديدة للتأمين الصحي المجاني ممن يقل دخلهم عن الحد الأدنى للأجور والذي يبلغ حاليا 1450 شيكل أو ما يعادله (380 دولار أمريكي).
وينقسم التأمين الصحي في فلسطين إلى نظامين أساسين، النظام الأول وهو التأمين الصحي الإلزامي ويدفع من خلاله المؤمّن مبلغا يتراوح ما بين 50 شيكل_75 شيكل شهريا (11_18 دولار أمريكي) وفي حال كان موظفا حكوميا أو متقاعدا فيتم استقطاع ما نسبته 5% من راتبه الأساسي، ويكفل قانون التأمين الصحي لأي شخص أن يحصل على هذا التأمين الصحي، أما عن أعداد المستفيدين من هذا التأمين في الضفة الغربية فقد وصل حتى نهاية العام 2014 إلى 150464 عائلة.
أما القسم الثاني من التأمين فهو التأمين الصحي المجاني والذي يحق له الاستفادة منه أهالي الشهداء والجرحى والعاطلين عن العمل والمستفيدين من حالات الشؤون الاجتماعية.
بعد أحداث الانقسام الفلسطيني وما نتج عنها من سيطرة حركة حماس على الحكم في غزة أصدر الرئيس الفلسطيني محمود عباس في 14/6/2007 مرسوم رقم 18 بإستثناء وإعفاء قطاع غزة من دفع أي رسوم للخدمات التي تقدمها دوائر السلطة الفلسطينية بما فيها خدمة التأمين الصحي، القرار يشمل كافة المواطنين بما فيهم الموظفين والمتقاعدين.
أما رئيس اللجنة الاقتصادية والمالية في المجلس التشريعي الفلسطيني، عاطف عدوان، (نائب عن حركة حماس من غزة) فقال في حديث للمونيتور "إن حكومة رام الله تتحمل تبعات قرار وقف العمل بالتأمين الصحي المجاني
الممنوح للعمال، لأنها استغلت حالة الفراغ السياسي وتعطل المجلس التشريعي لتمرير قراراتها التي تهدف إلى هدم النسيج الاجتماعي لخدمة الاحتلال الإسرائيلي، مع أن التكلفة التي تتحملها وزارة الصحة في غزة لبرنامج التأمين الصحي المجاني الممنوح للعاطلين عن العمل يصل سنويا إلى 81 مليون شيكل (21 مليون دولار) دون أن تتلقى أي مساعدة مالية من السلطة الفلسطينية في السنوات العشر الأخيرة".
المجلس التشريعي يعقد جلسات بشكل استثنائي منذ بدء الإنقسام الفلسطيني في العام 2007، وأخر جلسة للمجلس التشريعي الفلسطيني في غزة عقدت في 26/1/2017.
وفي حين قال المتحدث الرسمي باسم حكومة الوفاق في رام الله، يوسف المحمود، للمونيتور أن "
إشكالية حدثت لدى الكثيرين في فهم قرار مجلس الوزراء، لأن القرار ينص على وقف العمل بالتأمين الصحي بدء من شهر مارس القادم بهدف إعادة تحديث بيانات العمال وليس وقفه بالشكل الذي يروج له الكثيرون".
لكنّ عمّيد كلية القانّون في جامعة الأمة، مازن نور الدين، لم يبدي اقتناعه بالتوضيح السابق " وأشار للمونيتور أن "اللوائح القانونية والتشريعية المعمول بها في القانون الفلسطيني تنص على أن قرارات مجلس الوزراء تنشر في الوقائع الفلسطينية وهي بذلك تكون سارية المفعول ومرجعا قانونيا يتم الالتزام به، وفي حال صدور أي تنويه حكومي لا بد أن ينشر في الوقائع الفلسطينية وليس عبّر تصريح صحفي مما يطرح علامات استفهام حول تراجع الحكومة عن قرارها بوقف التأمين الصحي."
لا يمكن التكهن بما ستؤول إليه الأمور في حال قررت حكومة الوفاق تنفيذ قرارها بوقف العمل بالتأمين الصحي المجاني للعاطلين عن العمل بداية الشهر القادم، وإمكانية حصول فعاليات احتجاجية من قبل العاطلين عن العمل ، والذي من الممكن أن يقوموا بتنفيذ احتجاجات ومظاهرات للمطالبة باسترجاع حقهم في التأمين الصحي المجاني في الضفة الغربية وقطاع غزة ضد الحكومة.