عاشت تونس خلال الأيّام الماضية على وقع كشف أربعة مخازن تحوي كميّات كبيرة من الأسلحة في مدينة بنقردان على الحدود مع ليبيا. في 12 تشرين الثاني/نوفمبر، أعلنت وزارة الداخليّة التونسيّة عن مخزن للأسلحة في إحدى غابات الزيتون في المدينة. وفي اليوم نفسه، كشفت الوزارة عن مخزن ثانٍ تحت الأرض يحتوي على موادّ حربيّة بينها قاذفات آر بي جي.
وفي 13 تشرين الثاني/نوفمبر، قالت الوزارة إنّها اكتشفت مخزناً ثالثاً في المدينة يحوي كميّات كبيرة من الأسلحة والذخائر، بينها صواريخ سام 7. وفي 14 تشرين الثاني/نوفمبر، كشفت الأجهزة الأمنيّة عن مخزن رابع في منطقة العامريّة في مدينة بنقردان، الأمر الذي يشي بأنّ المجموعات الجهاديّة في تونس ما زالت تملك هامشاً للحركة، وتخطّط لإقامة إمارة لها. في المقابل، يعتبر الكشف عن مخازن الأسلحة نجاحاً أمنيّاً للسلطات التونسيّة.
لكن كيف نجحت الأجهزة الأمنيّة في الكشف عن مخازن الأسلحة بضربة واحدة وفي وقت وجيز؟ بدأت القصّة في 6 تشرين الثاني/نوفمبر، عندما أعلن عن مقتل جنديّ تونسيّ، يدعى سعد الغزلاني في مدينة القصرين في غرب البلاد، على يدّ مجموعة مسلّحة. وفي نفس اليوم أعلن تنظيم الدولة الإسلاميّة تبنيه للعملية. في أعقاب العمليّة، أطلقت القوّات التونسيّة حملة تمشيط واسعة في الجبال الغربيّة على الحدود مع الجزائر لتعلن في 9 تشرين الثاني/نوفمبر عن مقتل قائد المجموعة المتورّطة في مقتل الجنديّ الغزلاني، ويدعى طلال السعيدي، وهو أمير تنظيم جند الخلافة، الموالي لتنظيم الدولة الإسلاميّة، في منطقة جبل السلوم في القصرين. ووفقاً لتصريحات صحافيّة للناطق الرسميّ باسم وزارة الدفاع التونسيّة، العقيد بلحسن الوسلاتي، فإنّ العثور على مخازن الأسلحة في مدينة بنقردان، كان "نتيجة للمعلومات التي تمّ العثور عليها في هاتف الإرهابيّ طلال السعيدي".
يرى المحلّل التونسيّ المتخصّص في شؤون الإرهاب نزار مقني، أنّ الكشف عن هذه الكميّات الكبيرة من الأسلحة في مدينة بنقردان الحدوديّة "مؤشّر إلى نيّة تنظيم الدولة الإسلاميّة السيطرة على المدينة كليّاً". ويقول مقني في مقابلة مع "المونيتور": "نحن إزاء عمليّة تجميع واسعة وكبيرة للأسلحة في منطقة واحدة، والخطير في الأمر أن هذه الأسلحة من بينها صواريخ من نوع سام 7 المضادة للطائرات، وفقاً لوزارة الداخلية التونسية، وهذه سابقة في تونس لم تحصل من قبل. فتنظيم "داعش" يريد احتلال منطقة بنقردان باستعمال كثافة نيران أكبر من العمليّة السابقة التي شهدتها المدينة، والتي كانت هجمة انتقاميّة للضربة الأميركيّة للدواعش في مدينة صبراتة الليبيّة قرب الحدود التونسيّة، في 20 شباط 2016. فنوعيّة الأسلحة المكتشفة تعكس نيّة التنظيم السيطرة على مجال جغرافيّ، ومن المستبعد أن تكون مخزّنة لنقلها نحو الحدود مع الجزائر، حيث يتمركز مقاتلو الجماعات الجهاديّة، القاعدة و"داعش"، في جبال القصرين، ويخوضون حرب العصابات منذ عام 2012، ضدّ قوّات الجيش والحرس التونسيّ".
ويضيف مقني: "وحسب رأيي، نحن إزاء سيناريو محاولة السيطرة على بنقردان كلياً، لكن بقوّة ناريّة أكبر، وبحساب أكبر لما حصل في المدينة في أذار 2016 الماضي، فالأسلحة التي وجدت يمكن من خلالها حماية أجوائها من أيّ هجمات جويّة، وتسمح لتنظيم الدولة الإسلامية بتقسيم أفراده بين مجموعات دفاعيّة، إذا سيطروا على المدينة، ومجموعات هجوميّة دورها التمدّد نحو المناطق المجاورة، أي أنّها محاولة لإعادة سيناريو احتلال مدينة سرت الليبيّة في شباط/فبراير 2015، التي خسرها التنظيم أخيراً بعد عمليّة تحرير أطلقتها قوّات عمليّة البنيان المرصوص، الموالية لحكومة الوفاق الوطنيّ في أيّار/مايو 2016".
ويشار إلى أنّ مدينة بنقردان كانت قد تعرّضت في آذار/مارس 2016 إلى هجوم خلّف عشرات القتلى والجرحى، نفّذه تنظيم الدولة الإسلاميّة، الذي أراد إقامة إمارة له في المدينة، وأنّ 50 مقاتلاً من عناصر التنظيم، الذين شاركوا في الهجوم على المدينة، هم من أبنائها. وقبل ذلك، كانت السلطات التونسيّة قد أعلنت في آب/أغسطس 2013 إحداث منطقة عسكريّة عازلة على طول حدودها الشرقيّة، بهدف منع عمليّات تهريب الأسلحة والذخائر القادمة من ليبيا إلى داخل البلاد.
من جانبه، يقول الناشط في المجتمع المدنيّ في بنقردان مصطفى عبد الكبير، في حديث إلى "المونيتور": "إنّ الأسلحة المكتشفة تعود إلى سنتي 2012 و2013، أي أنّها ليست مخزّنة حديثاً، بل تمّ تهريبها من ليبيا إلى تونس وتخزينها في مدينة بنقردان، قبل إحداث المنطقة الحدوديّة العازلة، وفقاً لمصادر أمنية. وتكشف مدى الترابط التنظيميّ بين الجماعات الجهاديّة في ليبيا ونظيرتها في تونس، والذي يعود إلى سنة 2011، في أعقاب سقوط نظام العقيد الراحل معمّر القذّافي وانتشار الأسلحة في البلاد". وكانت تونس قد شهدت، في أعقاب سقوط نظام القذّافي، تسرّب كميّات كبيرة من الأسلحة إلى أراضيها، وفقاً لتقرير مجموعة الخبراء في مجلس الأمن الدوليّ التي تراقب حظراً على الأسلحة فرض على ليبيا منذ عام 2011، والذي صدر في نيسان/أبريل 2013.
وفي السياق نفسه، كشفت دراسة حول التيّار الجهاديّ في تونس، نشرها المركز التونسيّ للبحوث والدراسات حول الإرهاب، في 26 تشرين الأوّل/أكتوبر 2016، اعتماداً على الملفّات القضائيّة، عن اهتمام مبكر، منذ آب/أغسطس2011، للقيادات الجهاديّة، وخصوصاً زعيم تنظيم أنصار الشريعة سيف الله بن حسين المعروف بأبي عياض، بإرسال عناصر جهاديّة إلى مدينة درنة، في أقصى الشرق الليبيّ، لتلقّي تدريبات عسكريّة هناك، وبإدخال السلاح من ليبيا إلى تونس وتخزينه، استعداداً لأيّ مواجهة مع الدولة التونسيّة. كما أقام تنظيم أنصار الشريعة، في عام 2011، ما سمّي بدار الضيافة في مدينة صبراتة، في غرب ليبيا، ومهمّتها استقبال العناصر الجهاديّة التونسيّة الجديدة.
ومهما يكن من الأمر، إن كانت الأسلحة المكتشفة حديثة التخزين أم قديمة، فإنّ كشفها يعتبر نجاحاً أمنيّاً للأجهزة الأمنيّة التونسيّة، خصوصاً وأنّها جاءت بعد القضاء على زعيم فرع تنظيم الدولة الإسلاميّة في تونس. لكن في المقابل، تكشف الأسلحة قدرة الجماعات الجهاديّة على الحركة، على الرغم من الحرب الواسعة التي تخوضها الدولة ضدّها. وتكشف أيضاً عن أنّ الحدود الصحراويّة الممتدّة مع الجارة ليبيا، لا تزال الخاصرة الضعيفة لتونس، منها يأتي السلاح، وإليها يسافر أنصار التيّار الجهاديّ للتدرّب على استعمال السلاح، ومن ثمّ العودة لقتال القوّات الحكوميّة أو لتنفيذ عمليّات إرهابيّة، كما حصل في هجوم منتجع سوسة في تمّوز/يوليو 2015، وهجوم متحف باردو في آذار/مارس 2015.