غزّة - مدينة غزة: أثار ما كتبه أحد قياديّي حركة "حماس" صبحي اليازجي في 18-11-2016 في تعليق له عبر فيس بوك، والذي انتقد الهجرة المتزايدة للشبّان الغزيّين إلى الخارج غضب شريحة واسعة من الشبان الفلسطينيّين، خصوصاَ المحسوبين على حركة "حماس"، والذين اعتبروا أنّ الهجرة بدت الخيار الأخير لديهم للتخلّص من الواقع المأسويّ في قطاع غزّة.
وجاء ردّ صبحي اليازجي على بوست للإعلاميّ وائل جروان 31 عام، وهو المذيع في إذاعة "صوت الأقصى" المحليّة التابعة لـ"حماس" قال فيه: "مع كلّ فتحة للمعبر تفقد غزّة زهرة شبابها"، فردّ اليازجي عليه: "ربّما العكس، إنّ غزّة تلفظ خبثها"، إلاّ أنّ وائل جروان حذف البوست بعد ساعات عدّة من نشره، "نظراً لحجم اللغط الذي حدث، ولأنّ المنشور أصبح ساحة للتنافر والسباب"، على حدّ وصفه.
إنّ اليازجي هو أستاذ للتفسير وعلوم القرآن في الجامعة الإسلاميّة بغزّة وخطيب للجمعة في مساجد مدينة غزّة. ولقد عمل سابقاً مدير عامّاً للوعظ والإرشاد في وزارة الأوقاف والشؤون الدينيّة بغزّة، حيث حصل على درجة الدكتوراه في تفسير وعلوم القرآن من جامعة "عين شمس" في مصر خلال عام 2007.وكان اليازجي ضمن أول مجموعة عسكرية تابعة لحماس تم تشكيلها قبل العام 1987.
وكتب العديد من النشطاء التابعين والمقرّبين من "حماس" منشورات استهجان واضحة، ردّاً على اليازجي، مستهجنين فيها وصف المهاجرين "بالخبث"، وعبّر المغتربون من شباب غزّة عن رأيهم عبر صفحات الـ"فيسبوك" الخاصّة بهم بشكل واضح ضدّ ما كتبه اليازجي.
ومن جهته، قال خالد كريزم 26 عام والمقيم في تركيا، والذي أنهى دراسة الماجستير حديثاً لـ"المونيتور": "هناك خروج عن مبدأ الوصاية التنظيميّة وتمرّد من قبل الشباب التابعين لحماس على ما يصدر من تصريحات وبوستات غريبة من قبل بعض القيادات المحسوبة على جهاز الدعوة والاستقطاب لحماس، وهناك أيضاً مراقبة لكلّ ما يكتبه شباب حماس من انتقاد لتصريحات القيادة على مواقع التواصل الاجتماعي. لقد حدثّني عبر فيسبوك مسؤول إعلاميّ في وزارة الداخليّة بغزّة - أتحفّظ عن ذكر اسمه - وعندما علم أنّي مقيم في الخارج طلب منّي على شكل نصيحة أن أحذف البوست الذي أهاجم فيه اليازجي، لكنّي رفضت".
أمّا رامي الجندي 35عام، الذي كان يعمل في وزارة الشباب والرياضة التابعة لـ"حماس" في قطاع غزّة والمقيم حاليّاً في تركيا لإكمال دراسة الماجستير في العلاقات الدوليّة فقال لـ"المونيتور"، ردّاً على تصريحات اليازجي: "عندما ينظر بعض عِلْيَة القوم من المثقّفين والمتعلّمين في حركة حماس الذين يحملون شهادات الدكتوراه إلى كلّ من يخرج من شباب غزّة بأنّه خَبَث، فعلينا إدراك أنّ خَبَثَاً فكريّاً بات يُسيطرُ على من هم من المفترض أن يكونوا عقلاء ومرشدين لمسار الشباب من أبناء الحركة لخدمة الوطن. ومن خرج من الشباب استكمالاً للعلم أو طلباً للعمل، خرج لأنّه لم يجد له مكاناً بين صراعات سياسيّة سبّبتها قيادات فاشلة، دمّرت الوطن وهجّرت أبناءه".
والمقصود بالوصاية التنظيمية هو إلزام قيادة حماس لأبنائها باتباع الأوامر الصادرة عن القيادة دون نقاش أو اعتراض، وفق القسم الذي أداه أبناء الحركة على أنفسهم في بداية دخول التنظيم، وهو ما يعرف بالبيعة، حيث تعتبر حركة حماس جزء من جماعة الأخوان المسلمين، وفق المادة الثانية من ميثاق الحركة كما يتضمن الركن السادس للبيعة الطاعة من الأفراد للقيادة في المنشط والمكره.
ويلاحظ أنّ نبرة حديث أبناء حركة "حماس" أصبحت أكثر حدّة من أيّ وقت مضى ضدّ تدهور الأوضاع السياسيّة والإقتصاديّة في غزّة، كأنّ عهد الوصاية التنظيميّة عليهم قد انتهى.
واعتبر عبد الله أبو يوسف 29عام من غزّة والمقيم في السعوديّة لدراسة الدكتواره في العلوم الشرعيّة أنّ ما قاله اليازجي يعكس أنّ "التعاطي الحاليّ من بعض قادة حماس مع المشكلات المعقّدة والمركبة لم يعد يرقى إلى مستوى طموح الشباب وآمالهم ومتطلّباتهم، وحال اليأس والإحباط تزداد بين الشباب، والفجوة الفكرية والاقتصادية بين القيادة في حماس وأبنائها في اتّساع."
، وقال لـ"المونيتور" "لم أكن أتوقّع أن يثير تعليق على الفيسبوك هذه الضجّة، فهذا مؤشّر على أنّ الشباب أصبح صوتهم أعلى، وقدرتهم على النقد وممارسة حقّهم في الرقابة الشعبيّة أكبر، ومؤشّر أيضاً على حال عدم الانسجام بين الأفكار القديمة والأفكار التي يتبنّاها الشباب داخل حركة حماس".
أمّا محمّد الكويفي 29 عام، الذي يعمل في قناة "الأقصى" الفضائيّة التابعة لـ"حماس" فكتب في صفحته على "فيسبوك": "السفر تجربة العظماء، والنجاح ربّما يكمن في الخروج من بلد انعدمت فيه كلّ عوامل النجاح، ومن ينكر ظروف غزّة الصعبة، إما جاهل أو أحمق".
وأشارت هيئة المعابر والحدود في وزارة الداخليّة والأمن الوطنيّ بغزّة في إحصائيّة رسميّة إلى أنّ 2664 مسافراً تمكّنوا من مغادرة القطاع أثناء فتح معبر رفح مع مصر مدّة خمسة أيّام منذ 15-11-2016، حيث كان عدد كبير منهم من الشباب الباحثين عن عمل أو الذين يتطلّعون إلى إكمال دراستهم.
وفي هذا السياق، قال جروان لـ"المونيتور": "ليس من حقّ أحد أن يمنع الشباب من الخروج من غزّة بحثاً عن فرص لحياة أفضل، ولا يعدّ خروج الشباب تنظيفاً لغزّة أو لفظاً لقذارتها، فالوطن للجميع، ورأيت من خلال ردّ الشباب الفلسطيني المنتمين إلى حركة حماس على منشوري تطوّراً في الوعي وإيماناً بفلسفة الشراكة السياسيّة مع الآخرين داخل الوطن وخارجه".
ووافق الإعلاميّ في قناة "القدس" الفلسطينيّة تامر الشريف 37 عام جروان الرأي، إذ كتب في صفحته الشخصيّة على "فيسبوك"، ردّاً على اليازجي قائلاً: "في كلّ دول العالم يهاجر الناس، ويسعون في الأرض طلباً للرزق والعلم والعلاج والسياحة، ومن يخرجون مع كلّ فتحة لمعبر رفح لهم مبرّراتهم وأسبابهم، فابحثوا عن هذه الأسباب"، وقال تامر الشريف لـ"المونيتور": "وصف المهاجرين بـ"الخبث" من قبل اليازجي هو تصرّف خاطئ، خصوصاً أنّه صدر عن شيخ جليل وعالم له مكانته واحترامه. لقد أصبح الشباب أكثر وعياً، فلا يمكن استخدام الاستبداد وفرض الرأي عليهم بالقوّة حتّى من قبل قيادة الفصائل، وعلى رأسها حماس".
ويبدو أنّ الشباب المحسوبين على "حماس" بدأوا يشعرون بفجوة العيش والتفكير بينهم وبين ما تطرحه قيادات تابعة للحركة من أفكار وأوامر تختلف عن تفكير الجيل الجديد، الذي يدعو إلى الانفتاح على الآخرين والعالم. قد نكون نشهد بداية لتمرد واضح على أفكار القيادات وخروج عن أيديولوجيات حماس، حيث لم يكن النقد بهذه الحدة من أبناء الحركة سابقاً.