واجه الحكومة المغربيّة المرتقبة بعد الانتخابات النيابيّة التي عرفتها البلاد في 7 تشرين الأوّل/أكتوبر الماضي ولادة عسيرة. فبعد مرور ما يقارب الشهر على تكليف الملك المغربيّ محمّد السادس بصفته رئيساً للدولة بتاريخ 10 أكتوبر، زعيم الحزب الاسلامي العدالة والتنمية المحافظ، بمهمّة قيادة المشاورات لتشكيل الحكومة الجديدة، يجد عبد الإله بنكيران نفسه في مأزق حقيقيّ بفشله في جمع أغلبيّة كافية تدعم الحكومة في البرلمان بعد الإعلان عن تكتّل حزبيّ جديد من ثلاثة أحزاب وهي التجمع الوطني للأحرار، الحركة الشعبية ، الاتحاد الدستوري يشترط المشاركة في شكل جماعيّ في الحكومة، ويصرّ على مفاوضته ككتلة سياسيّة واحدة.
وهي الشروط التي يرفضها رئيس الحكومة وحزبه وبقيّة حلفائه ممّن أعلنوا سابقاً مشاركتهم في الحكومة، وهما حزبا الاستقلال (وطنيّ) والتقدّم والاشتراكيّة (يساري). وأقرّ بنكيران الذي يستعدّ لولاية ثانية بعد الولاية الأولى (2011-2016) في تصريحات صحافيّة يوم السبت بحالة الانسداد الحاصلة في مسار تشكيل الحكومة. وقال بنكيران لصحيفة أخبار اليوم إنّه إذا فشل في مهمّته، فسيخبر الملك بالأمر وسيعود إلى منزله، مشيراً إلى أنّه لن يخضع للابتزاز من أيّ أحد كان.
يعود مكمن التعطيل إلى السلوك الذي نزع إليه حزب التجمّع الوطنيّ للأحرار، وهو حزب إداريّ مقرّب من القصر. إذ قدّم حزب التجمّع الوطني للأحرار (37 مقعداً) نفسه كممثّل عن حزبي الاتّحاد الدستوريّ (19 مقعداً) و الحركة الشعبيّة (27 مقعداً)، وتمسّكت الأحزاب الثلاثة التي تعتبر أحزاباً مقرّبة من السلطة، ومن دون أيّ خلفيّة تاريخيّة وإيديولوجيّة على التواجد ككتلة واحدة داخل الحكومة، وتشترط أن يكون التفاوض على هذا الأساس، ممّا جعلها بمثابة "ربع معطّل" وهو ما عبّرت القيادة السياسيّة لحزب العدالة والتنمية عن معارضته في بيان لأمانتها العامّة يوم الأربعاء الماضي جاء فيه: "الشروط التي يتعيّن اعتبارها في تشكيل الحكومة وتحديد مكوّناتها هي احترام الإرادة الشعبيّة، والقواعد الديمقراطيّة وانتظارات المواطنين، الذين بوّأوا حزب العدالة والتنمية الصدارة..." (في انتخابات 7 أكتوبر).
فضلاً عن هذا الشرط، فرضت الكتلة الحزبيّة الإداريّة المقرّبة من السلطة التي يقودها عزيز أخنوش رجل ثقة القصر -انتخب بالإجماع مباشرة بعد الانتخابات زعيماً لحزب التجمّع الوطنيّ الأحرار بعد تنظيم مؤتمر استثنائيّ مفاجئ- شرطاً آخر على بنكيران يقضي بأن يتخلّى عن حزب الاستقلال ويبعده عن تركيبة الحكومة، وهو شرط قاسٍ يجعل المفاوضات في نقطة ميتة.
ويقرأ العديد من المراقبين، ومن بينهم الباحث في العلوم السياسيّة عبد الرحيم العلام أنّ الوضع الجاري حاليّاً لا تمكن قراءته خارج سياق محاولات القصر لتحجيم الإسلاميّين. ويشرح العلام في حديثه إلى "المونيتور": "حزب التجمّع الوطني للأحرار ينفّذ سياسات وأجندات معروفة منذ نشأته، وكان واضحاً مباشرة بعد الانتخابات أنّه سيلعب دوراً هامّاً في تشكيل الحكومة. وإعلان تحالفه مع الاتّحاد الدستوريّ، والآن تنسيقه مع الحركة الشعبيّة لم يأتيا من فراغ، بل هما محاولة لتدارك ما فشل فيه حزب الأصالة والمعاصرة سابقاً، فالسلطة تريد حزباً إداريّاً قويّاً مقرّباً منها في المعارضة، وحضوراً أقوى لأحزابها داخل الحكومة أيضاً، فالقصر لا يمكن أن يسمح أبداً بأن تكون هناك حكومة تتألّف من الإسلاميّين والأحزاب الوطنيّة التاريخيّة بمفردها ". ويعتبر أنّ انتخاب عزيز أخنوش المقرّب من القصر يحمل رسائل واضحة عن طموحات القصر.
ويستطرد العلام: "عزيز أخنوش جاء ليخبر بنكيران أنّ حزب الاستقلال غير مرغوب فيه وليس ليقرّر ذلك، كعقاب له على ما يبدو لفكّه ارتباطه بالأصالة والمعاصرة الذي كان ورقة القصر في المرحلة السابقة، وحاول (حزب الأصالة والمعاصرة) عرقلة تشكيل الحكومة من خلال دعوة بقيّة الأحزاب إلى الإعلان عن تكتّل رافض للتحالف مع بنكيران بغرض عزله".
من جهّة أخرى، يشبّه الخبير السياسيّ عمر الشرقاوي المشهد الراهن بسوق كبير لا يتوافق فيه العرض مع الطلب. ويرى الشرقاوي في حديث إلى "المونيتور" أنّ "بعض الأحزاب لا تريد احترام اقتراع 7 تشرين الأوّل/أكتوبر، والمشكلة الحاصلة الآن هو أنّ حزبي الحركة الشعبيّة والتجمّع الوطنيّ للأحرار يتعاملان من منطلق أنّهما الشريكان السابقان في الائتلاف الحكوميّ، وبالتالي هم يفرضون أن يكونوا هم من يقرّرون هويّة الحليف الجديد، إذ يعتبرون أنّ نتائج الانتخابات قد أيّدت التحالف الحكومي ككلّ".
وأمام تمسّك كلّ طرف بموقفه وبروز كتلتين متبارزتين، يبدو بنكيران في مهمّة معقّدة لإحداث التوافق بين كلّ هذه المكوّنات، من جهّة الوفاء بتعهّداته لشركائه، ومن جهّة أخرى إرسال تطمينات إلى القصر لضمان استمرار التعايش في الولاية الثانية.
وبالنسبة إلى الشرقاوي، فإنّ الزمن سيلعب دوراً مهمّاً في حلّ عدد من المشاكل الحاليّة. ويضيف: "أعتقد أنّ بنكيران اكتسب الكثير من الخبرة والبراغماتيّة في تدبير مثل هذه النزاعات. الآن يبقى السؤال المطروح هو كيف سيدبّر ورقتي حزبي التجمّع الوطنيّ للأحرار والاستقلال، وهو يحتاجهما معاً، فلكلّ منهما وزن هامّ، فالاستقلال هو القوّة الأولى في الغرفة الثانية، وسيضمن لبنكيران أغلبيّة فيها أيضاً. وفي الجهّة المقابلة، التجمّع الوطنيّ للأحرار وهو ورقة الطمأنة على مستوى العلاقة مع القصر، وبالتالي فإنّ الوصفة تكمن في مدى قدرة بنكيران على التوفيق بين مطالب الحزبين، وتخفيف الحدّة بينهما وهو أمر صعب، خصوصاً أنّ الحزبين يتصارعان تقريباً على طبيعة الحقائب الوزاريّة نفسها".
أمّا العلام فيعتقد أنّ طرح إبعاد الاستقلال عن الحكومة هو مجرّد محاولة لإضعاف وزن التحالف الذي يضمّ العدالة والتنمية (125 مقعداً) والتقدّم والاشتراكيّة (12 مقعداً) والاستقلال (46 مقعداً)، ولا يعتقد أنّ الهدف هو تنفيذ هذه الخطّة. ويتابع: "أعتقد أنّ هذه الشروط تطرح على سبيل المناورة السياسيّة فقط، الصراع الآن هو على عدد الوزراء الحزبيّين الذين سيمثّلون القصر في الحكومة، إضافة إلى التكنوقراط، والهدف هو ألّا يكون العدالة والتنمية قويّاً داخل الحكومة. نحن نعرف أنّ الفوز في الانتخابات ليس عنوان النصر في المغرب بل قد يتحوّل العدالة والتنمية إلى أقليّة داخل الحكومة".
عبر حزب الاتحاد الاشتراكي اليساري الذي حصل على 20 مقعدا في انتخابات 7 أكتوبر عن استعداده المبدئي أول أمس السبت للمشاركة في الحكومة لكنه ينتظر عرضا مفصلا من رئيس الحكومة بنكيران، وفق ما قاله مصدر حزبي ل "المونيتور.