بغداد، العراق - في وقت تشنّ فيه القوّات العراقيّة عمليّة تحرير الموصل من تنظيم "داعش"، صوّت مجلس النوّاب العراقيّ في 23 تشرين الأوّل/أكتوبر على مشروع قانون تضمّن مادّة تقضي بحظر تصنيع واستيراد وبيع المشروبات الكحوليّة بكلّ أنواعها. وقد نصّت المادّة 14، التي وردت في قانون واردات البلديّات، على عقوبة غرامة لا تقلّ عن 10 ملايين دينار، ولا تزيد عن 25 مليون دينار (21 ألف دولار).
وأثار قرار البرلمان بمنع بيع المشروبات الكحوليّة، جدلاً واسع النطاق في وسائل الإعلام، ونشر مدوّنون منشورات و"هاشتاغات" على مواقع التّواصل الإجتماعيّ تندّد به، في وقت يخوض فيه هؤلاء المدوّنون حرباً إعلاميّة لإسناد القوّات العراقيّة ضدّ تنظيم "داعش"، الذي كان يفرض بدوره حظراً على المشروبات الكحوليّة في المناطق الخاضعة لسيطرته.
تمحور الجدل حول ثلاث نقاط أساسيّة: مخاوف الأقليّات غير المسلمة من أسلمة الدولة، الجدل القائم حول شكل العلاقة بين الدين والدولة، ومحاولة أحزاب الإسلام السياسيّ السيطرة على السوق السوداء للكحول.
وفي هذا الإطار، اختار الكاتب علي حسين من صحيفة "المدى" "البرلمان يُقرِّر: لا مكان للمسيحيّين في العراق" عنواناً لعموده اليوميّ، في اختصار لرسالة القانون بالنّسبة إلى المسيحيّين وبقيّة الأقليّات غير المسلمة.
وأطلق رئيس كتلة الوركاء النيابيّة النائب المسيحيّ جوزيف صليوه حملة بعنوان: "لا لتهجيرنا من أرض أجدادنا"، ربط فيها بين القانون المعترض عليه وما أطلق عليه "الحرب الحقيقيّة التي يتعرّض لها أبناء الأقليّات التي حدّدت مظاهرها سياسات الإقصاء والتهميش والتضييق التي مورست على الأقليّات في شكل منظّم".
وأشار جوزيف صليوه في حديثه مع "المونيتور" إلى أنّ قانون حظر الخمور يعدّ حلقة في سلسلة هذه الحرب المنهجيّة التي تشنّ ضدّ الأقليّات الدينيّة، وتهدف إلى إجبارها على ترك البلاد. ومن جهته، أعلن النائب يونادم كنا عن سعيه إلى تقديم طعن لدى المحكمة الإتحاديّة ضدّ القرار كونه مخالفاً للدستور والحريّات الشخصيّة.
وعدّت الناشطة في الدفاع عن حقوق الأقليّات وأستاذة القانون في جامعة صلاح الدين بإربيل منى ياقو القانون المثار للجدل "سابقة خطيرة، وهو الأوّل من نوعه منذ تأسيس الدولة العراقيّة ومؤشّر واضح على طبيعة الصراع بين مؤيّدي تطبيق الشريعة الإسلاميّة ومؤيّدي الدولة المدنيّة".
وقالت منى ياقو في حديثها لـ"المونيتور": "خلال سنة واحدة، وجّه مجلس النوّاب طعنتين قاسيتين إلى مبدأ فصل الدين عن الدولة، الأولى حين مرّر قانون البطاقة الوطنيّة الموحّدة، والتي تدعو المادّة 26 فيه إلى أسلمة القاصرين عندما يتحوّل أحد الوالدين إلى الإسلام، والثانية حين تمّ تمرير قانون تحريم المشروبات الكحوليّة".
ورأى الناشطون المدنيّون أنّ تمرير القانون سوف يعدّ خطوة لإسباغ لون دينيّ إسلاميّ على دولة أريد لها أن تؤسّس لنموذج تعدديّ في الشرق الأوسط.
وفي هذا السياق، أكّد عضو المركز المدني للدراسات والاصلاح القانوني في بغداد عبّاس الشريفي "أنّ الخوف الحقيقيّ هو على شكل الدولة المدنيّة التي تمّ الإتّفاق عليها في الدستور، ومن أن يعدّ التضييق على الحريّات الشخصيّة مدخلاً لسلسلة خطوات أخرى لإبدال شكل الدولة وقوانينها بنموذج يطبّق الشريعة مثل السعوديّة وإيران".
أمّا القياديّ السابق في حزب الدعوة ضياء الشكرجي فألقى الضوء على دور الشريعة الإسلاميّة، التي نصّ الدستور على أنّها المصدر الأساسيّ للتشريعات، وقال في حديثه مع "المونيتور": "لقد تبيّن خطر هذه المادّة منذ بداية كتابة الدستور، وأنّها ستكون لغماً يثير نزاعات مستمرّة مع مؤيّدي أسلمة الدولة".
ضياء الشكرجي الذي كان مقرّر لجنة كتابة الدستور العراقيّ لعام 2005، كان أبرز المعترضين على إدراج هذه المادّة، وكما جاء في مذكّراته تحت عنوان: "ربع قرن مع الإسلام السياسيّ" ترتّب على رفضه إدراجها استقالته من حزب الدعوة الإسلاميّ الحاكم.
وحاول الشكرجي لفت انتباه "المونيتور" إلى التزامن المريب بين انعقاد مؤتمر "المجلس الأعلى للصحوة الإسلاميّة" بـ23 تشرين الأوّل/أكتوبر في بغداد وصدور القانون، مبيّناً أنّ لهذا التزامن دلالته المقلقة، إذ أنّ "عقد المؤتمر برعاية خامنئي ممثَّلاً بعلي أكبر ولايتي المستشار الأقدم لديه يؤشّر إلى أنّ هدف المؤتمر تجذير الولاء لإسلام الخامنئي والدعاية لأسلمة الدولة".
وما يثير القلق حقّاً، أنّ كلمة رئيس الوزراء العراقيّ السابق نوري المالكي في المؤتمر المذكور ركّزت على نجاح تطبيق المشروع الإسلاميّ في العراق، في وقت كان من يتزعّم الدفاع عن قانون التحريم واقتراحه في البرلمان الاتحاديّ عضو في دولة القانون التي يتزعّمها نوري المالكي، وهو النائب القاضي محمود الحسن. وقد ركّز المالكي في كلمته على ضرورة ألاّ تشغل المواجهات اليوميّة التي تحصل في العراق وسوريا واليمن، الإسلاميّين عن تحقيق المشروع الإسلاميّ.
وألقى خبراء إقتصاديّون الضوء على الأبعاد الإقتصاديّة للقرار، وقال أحد المورّدين الرئيسيّين للخمور، طلب عدم كشف هويّته: "بلغت قيمة استيراد الخمور في عام 2015 أكثر من ٨٠٠ مليون دولار، وهناك كميّات أخرى من الخمور دخلت عن طريق التهريب تصل قيمتها التقديريّة إلى أكثر من ٣٠٠ مليون دولار".
ونبّه إلى ما يمكن أن تجنيه مافيات مرتبطة بمتنفّذين بالسلطة، في حال السيطرة على السوق السوداء لبيع المشروبات الروحيّة، لافتاً إلى أنّ الأزمة الإقتصاديّة التي تمرّ بها البلاد، بعد انخفاض أسعار النفط، حتّمت البحث عن مصادر تمويل جديدة لبعض الأحزاب والميليشيات المرتبطة بها.
وتحدّث النائب عن التيّار المدنيّ فائق الشيخ علي في مؤتمر متلفز من داخل قبّة البرلمان عن هذا المعنى من خلال إشارته إلى أنّ أحزاباً إسلاميّة متنفّذة في السلطة ولديها ميليشيات تتقاسم عائدات البارات والملاهي الليليّة ومحلاّت القمار محرزة عائدات ماليّة ضخمة، هي وراء صدور القانون بهدف استثماره في تجارة السوق السوداء للمشروبات الكحوليّة.