كشفت اللّجنة الزراعيّة داخل البرلمان في 23 تشرين الأوّل/أكتوبر عن استيراد العراق أكثر من 75 في المئة من الخضروات والمنتجات الحيوانيّة من خارج البلاد. وفي هذا الوقت، انبرى زراعيّون لإعداد دراسة كاملة قدّموها إلى مجلس الوزراء في 22 تشرين الأوّل/أكتوبر، ودعوا فيها الحكومة إلى تنظيم جولات تراخيص زراعيّة لإنقاذ القطاع الزراعيّ من واقعه المزري وإيقاف خروج العملة الأجنبيّة من خلال دعوة الشركات الأجنبيّة إلى الاستثمار في الأراضي الزراعيّة.
قدّرت وزارة الزراعة في 19 تمّوز/يوليو الأرض المزروعة في البلاد حتّى عام 2015 بنحو 6 ملايين دونم، بينما الأرض الصالحة للزراعة تبلغ 52 ملايين دونم، وتساهم الزراعة بنحو 7 في المئة من الناتج المحليّ الإجماليّ الذي يبلغ وفقاً للبنك الدوليّ 168.6 مليار دولار، وهي نسبة ضعيفة جدّاً، خصوصاً أنّ العراق يصنّف بلداً زراعيّاً نفطيّاً.
وفي هذا الإطار، قال الخبير الزراعيّ رياض فرحان عبد الكريم، وهو صاحب فكرة تنظيم جولات تراخيص زراعيّة ودعوة الشركات العالميّة إلى العمل في العراق لـ"المونيتور": "إنّ البلد يعاني من تخلّف قطاع الزراعة، وما زال يستخدم طرق السومريّين والبابليّين والأشوريّين في الزراعة والريّ، فمسؤوليّة الجميع البدء بتطوير هذا القطاع المهمّ".
أضاف: "قدّمت دراسة متكاملة إلى الحكومة لتنظيم جولات تراخيص زراعيّة، ورحّبت بالفكرة، وأكّدت أنّها ستطبّق في الأيّام المقبلة، وما زلنا نتنظر". وتابع: "إنّ ازدهار الزراعة يتطلّب تطوير العاملين وزيادة إنتاج الأرض واستخدام الأساليب الحديثة، وهذا لا يكون إلاّ عبر جلب الشركات العالميّة".
نجح العراق في تنظيم جولات تراخيص نفطيّة في عام 2009 عندما كان يصدّر 1.9 مليون برميل يوميّاً بهدف زيادة إنتاجه في عام 2017 نحو 13 مليون برميل، بينما ينتج اليوم 4.7 مليون برميل يوميّاً.
وفي هذا الإطار، قال رياض فرحان عبد الكريم: "العراق يمكن أن يصبح قبلة للشركات الزراعيّة العالميّة لاستثمار الثروة الحيوانيّة، إضافة إلى إنشاء معامل لتصنيع المنتجات الزراعيّة، وذلك عبر جولات التراخيص الزراعيّة التي ستبدأ في المناطق الآمنة أولّاً".
وتتضمّن الأفكار التي طرحها عبد الكريم في خطّته، "الإتّفاق مع الشركات العالميّة لمدّة 25 عاماً على تغطية الاستهلاك المحليّ وتصدير المتبقّي عبر وضع معايير وقوانين تجنّبنا الأخطاء التي حصلت في جولات التراخيص النفطيّة". أضاف: "بهذا الإتّفاق الذي يراعي مصلحة الفلاّح والدولة والشركة المستثمرة ولا يخلّ بسيادة البلد ستكون السلّة العراقيّة غنيّة، ونعزّز موارد الدولة".
مصاعب عدّة تواجه بناء القطاع الزراعيّ منها قلّة المياه وتردّي الأوضاع الأمنيّة، خصوصاً في المحافظات المصنّفة زراعيّاً مثل نينوى والأنبار وصلاح الدين، التي تحوّلت في السنتين الأخيرتين إلى أرض لمواجهة تنظيم الدولة الإسلاميّة. كما أنّ العراق استورد بضائع زراعيّة منذ عام 2003 وحتّى العام الماضي بمبلغ 54.1 مليار دولار.
من جهته، تخوّف الخبير في الزراعة والمياه هشام المدفعي من جلب شركات أجنبيّة غير رصينة تستثمر في البلد، وقال لـ"المونيتور": "إنّ جولات التراخيص الزراعيّة ستخدم البلد كثيراً إذا جلبت شركات استثماريّة زراعيّة عالميّة".
وأكّد أنّ "الأرض صالحة للزراعة، والمياه والعمالة موجودتان في البلد، وما على الشركات الاستثماريّة إلاّ جلب التكنولوجيا والخبراء"، وقال: "إنّ البيئة العراقيّة مهيّأة لعمل الشركات، خصوصاً بعد مرحلة تحرير الموصل من تنظيم داعش".
وأشار إلى أنّ "الدولة تستطيع أن تقضي على ابتزاز الشركات الذي تقوم به المجاميع المسلّحة"، وقال: "إنّ الشركات الأجنبيّة يمكن أن تستأجر أرض الدولة، فهي كبيرة. ولمدّة 40 عاماً، تستطيع أن تنتج وتصدّر، إضافة إلى تطوير الإنتاج الحيوانيّ المحليّ".
وعدّلت الدولة العراقيّة في 27 تشرين الأوّل/أكتوبر من عام 2015 قانون الاستثمار رقم 13 لعام 2006 من خلال منح تسهيلات للمستثمرين الأجانب، ورحّبت وزارة الزراعة العراقيّة بفكرة تنظيم جولات تراخيص زراعيّة لأنّ الاستثمار الأجنبيّ في القطاع الزراعيّ يبلغ صفراً.
ومن جهته، قال وكيل وزير الزراعة مهدي القيسي لـ"المونيتور": "إنّ أحد الحلول لإنقاذ الزراعة هو دخول الاستثمار لجلب رؤوس أموال كبيرة، إضافة إلى دخول المعدّات الحديثة في الزراعة والريّ".
وأكّد أنّ "تنظيم جولات التراخيص يجب أن يكون ضمن تشريع قانون أو ضوابط جديدة تستخدمها الحكومة"، وقال: "إنّ أحد الأمور التي تقف بوجه الاستثمار في الوقت الحاليّ شحّ المياه في نهر الفرات، والذي سينتقل إلى نهر دجلة بعد إنشاء تركيا لسد أليسو".
وأوضح أنّ "مساهمة القطاع الزراعيّ في الناتج المحليّ الإجماليّ انخفض في السنوات الأخيرة من 11 في المئة إلى 7 في المئة حاليّاً".
وأبدى المزارعون تخوّفهم من مجيء الشركات العالميّة للاستثمار في العراق ليتحوّلوا إلى عاطلين عن العمل أو عدم قدرتهم على إنتاج محاصيل تنافس محاصيل الشركات.
وبدوره، قال المزارع في محافظة واسط جنوبيّ البلد جليل عبد لـ"المونيتور": "نرفض تأجير أو بيع أرضنا إلى الشركات الأجنبيّة للعمل عليها لأنّنا سنتحوّل في ليلة وضحاها إلى عاطلين عن العمل".
أضاف: "يمكن أن نبيع منتوجنا الزراعيّ إلى الشركات الأجنبيّة إذا التزمت بتسديد أموالنا ومنحنا بعض الآليّات الحديثة في الزراعة والريّ".
أمّا الخبير الإقتصاديّ سلام عادل فقال لـ"المونيتور": "إنّ تنظيم جولات تراخيص زراعيّة صعب في الفترة الحاليّة لأنّ الأراضي الزراعيّة تقع في المناطق الملتهبة أمنيّاً، وتحديداً في محافظات نينوى وصلاح الدين والأنبار وديالى".
وأشار إلى أنّ "الشركات الزراعيّة العالميّة تبحث عن مناطق مستقرّة، وهذا صعب في العراق"، وقال: "إنّ العاملين في الشركات الأجنبيّة قد يتعرّضون للابتزاز والاختطاف في البلد بسبب انتشار المجاميع المسلّحة، وخصوصا أنّها لا تعمل في مقرّ واحد، وإنّما في أرض مفتوحة يصعب تأمينها".