مدينة غزّة، قطاع غزّة - لم تكن فكرة تربية الغزلان مألوفة لدى الفلسطينيّين الذين عهدوا تربية الحيوانات كالماعز والإبل. فهي بادرة جديدة وتعتبر الأولى من نوعها، فالغزلان أنواعها كثيرة في العالم وغالية الثمن وتحتاج إلى الرعاية، خصوصاً كونها من فصيلة الحيوانات النادرة في قطاع غزّة، الذي لا توجد فيه غابات ومناطق طبيعيّة تنمو فيها الحشائش والأعشاب، حيث يتغذّى عليها الغزلان، الأمر الذي يستوجب توفير أعلاف مصنّعة لتكون طعاماً لها، وهي غالية الثمن أيضاً، وتحتاج إلى تكاليف كبيرة، خصوصاً إذا كانت مدّة تربيتها طويلة.
قال ماجد شراب، من سكّان مدينة خانيونس في جنوب قطاع غزّة وصاحب حديقةّ كاردينال للطيور النادرة، ومزرعة جديدة للغزلان لـ"المونيتور": "بدأت قصّتي مع تربية الغزلان قبل 4 سنوات، حيث تمنّيت أن تكون لديّ مزرعة وحديقة تمتلئ بأنواع كثيرة من الغزلان، وأنواع أخرى من الحيوانات والطيور النادرة يأتي الجمهور لزيارتها والتمتع بها".
أضاف: "علمت أنّ شخصاً في مدينة خانيونس يمتلك أنثى غزال صغيرة تنتمي إلى فصيلة الغزال الأوربّي، فقمت فوراً بالاتّصال به وعرضت عليه شراءها، فوافق لقاء مبلغ 2300 دولار، وقمت بالاحتفاظ بها في حديقة صغيرة أمتلكها في بيتي وأجمع فيها أنواع الطيور والحيوانات النادرة".
وتابع: "المشكلة التي واجهتني بعد ذلك هي كيفيّة الحصول على ذكر الغزال من أجل إجراء عمليّة التلقيح والتكاثر بسبب ارتفاع ثمنه وقلّة وجوده في قطاع غزّة، لذلك بحثت كثيراً عن آليّة لإجراء عمليّة التلقيح والتكاثر مع أنثى الغزال، إلى أن اهتديت إلى الاستعانة بذكر الغزال من إحدى حدائق الحيوانات المنتشرة في قطاع غزّة وتحديدا في مدينة الشجاعية مقابل مبلغ ماليّ يقدر دفعته لصاحب الحديقة. وبعد 6 أشهر، حصلت على المولود الأوّل لأنثى الغزال، وتكرّرت العمليّة، إلى أن أصبح عدد عائلة الغزلان في حديقتي 6، منها أربع إناث وذكران".
وأوضح قائلاً: "الأمر كان مكلفاً كثيراً، لأنّني اضطررت أخيراً وبعد توفر ثمنه لدي إلى شراء ذكر غزال بقيمة 3000 دولار، من حديقة عباد الرحمن في مدينة الجلاء لإجراء عمليّة التلقيح والتكاثر للحصول على أكبر قدر ممكن من أعداد الغزلان، الأمر الذي يستلزم وجود ذكر خاصّ عندي بعدما بدأت الغزلان بالتكاثر أمام عينيّ".
وعن أهدافه من وراء تربية الغزلان، قال: "أجد متعة كبيرة في تربيتها، وأقضي معظم وقتي للاعتناء بها وتوفير الطعام لها، خصوصاً وأنّ حياة الغزلان وتربيتها لا تختلفان كثيراً عن تربية الماعز والأغنام، فهي تحتاج الطعام نفسه، وأكلها هو العشب والحبوب والأعلاف، ومناخ غزّة ملائم لعيشها، إلّا أنّها تختلف في بنيتها الجسديّة وتمتاز بسرعة الحركة والركض ولا يسهل الإمساك بها".
تابع: "لو كان هدفي الحصول على المال سريعاً، لقمت ببيعها وحقّقت من ورائها مكاسب كبيرة، ولكنّ هدفي أن تكون لي حديقة حيوان يأتي الزوّار لزيارتها، ويصبح مشروعاً وطنيّاً يحقّق هدفين، يتمثّل الأوّل في إيجاد مشروع خاصّ بي يدرّ عليّ دخلاً بانتظام، ويتمثّل الثاني في تعزيز البيئة الفلسطينيّة بوجود مثل هذه الحدائق الجديدة التي تتوافر فيها أنواع نادرة من الحيوانات والطيور، تكون مزاراً للمواطنين بهدف المتعة والترفيه".
وعلى الرغم من وجود العديد من حدائق الحيوانات الصغيرة المنتشرة في قطاع غزّة، إلّا أنّها تعاني ظروفاً صعبة بسبب الإغلاق الإسرائيليّ، وعدم تمكّن أصحابها من توفير أنواع جديدة من الحيوانات ومتطلبات رعايتها. الأمر ليس سهلاً، ويحتاج إلى جهد وصبر من أجل تحقيقه، فأنثى الغزال تحمل مرّة واحدة كلّ 6 أشهر، وهي تحمل في فترة الخريف الذي هو موسم تزاوج الغزلان، وتربيتها وإطعامها يحتاجان إلى تكلفة 500 دولار شهريّاً بين توفير الأعلاف والطعام والعناية بها والرعاية البيطريّة. ولا يوجد في قطاع غزّة سوى 15 رأس من سلالة الغزلان وتتواجد أغلبها في حدائق الحيوانات، وهي غالية الثمن لا يقلّ سعر الواحد منها عن 2500 دولار، وأكثر.
وأكّد البيطريّ والخبير في حياة الحيوانات فلاح أبو دباغ خلال حديثه إلى "المونيتور" أنّ "الغزلان تتنوّع، ومنها عشرات الأنواع في العالم التي يصعب عليها العيش في غزة كغزال ريشموند والشمواه والغزال الأحمر وغزال المهر وغزال الريم، وغيرها الكثير، لأنها لا تستطيع العيش إلّا في الحياة البريّة التي تنمو فيها الحشائش والأعشاب الطبيعيّة، وهي من الحيوانات التي تمتلك تاريخاً طويلاً، ولا يتمّ ذبحها على الرغم من أنّ لحمها من أشهى اللحوم بسبب غلائه، وتعيش متفرّقة ولا تجتمع إلّا في منتصف شهر تشرين الأوّل/أكتوبر من كلّ عام لإحداث عمليّة التلقيح والتكاثر، وتجمّعها عادة لا يكون سلميّاً، بل تحدث معارك طاحنة وصراع بين الذكور للحصول على الإناث للتمكّن من تشكيل أسر جديدة".
وقال: "يحتاج شراب إلى فترة طويلة للتأقلم مع حياة الغزلان ومعرفة طبيعتها التي تختلف بمجرّد حبسها، وهي التي اعتادت على العيش حرّة طليقة، ويحتاج إلى جهد كبير من أجل إحداث عمليّات التلقيح والتكاثر، لأنّ طبيعة الغزلان تختلف كثيراً عن الحيوانات الأخرى في طريقة التقارب والتزاوج، ولها عادات غريبة تتمثّل في حصول معارك طاحنة بين الذكور قبل حدوث هذه العمليّة".
أضاف: "من أجل ذلك، ينبغي على شراب إيجاد مناطق واسعة لتربية الغزلان فيها لإحداث أكبر قدر ممكن من عمليّة التلقيح والتزاوج بين هذه الغزلان، بما يحقّق نموّاً أسرع ونتائج أفضل في الحصول على أعداد جديدة وكبيرة منها".
وألمح الخبير الاقتصاديّ والباحث في مركز التخطيط الفلسطينيّ مازن العجلة لـ"المونيتور" أنّ "هذه الفكرة هي رائدة، وهي أحد إبداعات الشباب الفلسطينيّ في محاولة إنشاء مشاريع اقتصاديّة جديدة تدرّ دخلاً منتظماً في مواجهة البطالة التي استشرت في أوساط الشباب".
وقال: "لو تمّ تطوير مثل هذه الفكرة والسعي أكثر إلى توفير أنواع أخرى وجديدة من الحيوانات والطيور النادرة لتكون نواة حقيقيّة لحديقة حيوانات كبيرة ومتطوّرة يكون لها دور ثقافيّ للباحثين عن التنوّع البيئي والحيويّ وترفيهيّ للمواطنين والأطفال، فإنّها ستكون من المشاريع الرافعة للاقتصاد الفلسطينيّ".
يبقي تطوّر هذه الفكرة الرائدة ممكناً، إذا توافرت الإرادة الحقيقيّة، ووجدت من يسعى إلى تبنّيها رسميّاً وحكوميّاً كوزارة الزراعة والثروة الحيوانية المسئولة عن مثل هذه المشاريع وتوفير كلّ الإمكانات الماديّة والماليّة اللازمة لها.