رام الله، الضفّة الغربيّة - لا يزال الأهالي في شرقي مدينة رام الله بإنتظار قرار محكمة العدل العليا الإسرائيلية بشأن الإستئناف الذي قدمه محامي منظمة يشين دين القانونية قبل حوالي شهر بشأن عدم قانونية مصادرة أراضيهم من قبل السلطات الإسرائيليّة في حجّة أنّها أملاك للغائبين. الحاجّة فاطمة عياد 68 عاماً، والتي تملك خمسة دونمات بالقرب من مستوطنة عوفرا المقامة كانت أحدهم.
ومن خلال حرب قانونيّة مع بقيّة ملاّك هذه الأراضي بدأت في 22 سبتمبر الفائت ولا تزال مستمرة إلى الأن، تسعى فاطمة إلى استرجاعها وإبطال قرار المصادرة، وقالت لـ"المونيتور": "هذه الأرض كانت قطعة كبيرة وملك لجدّي وورثها والدنا مع أعمامي عنه. أبي توفي، فيما سافر ثلاثة من أعمامي إلى الأردن. في السبعينيّات، فقدوا بطاقاتهم بسبب عدم عودتهم طوال هذه الفترة إلى الضفّة الغربيّة. ومنذ ذلك الحين، نقوم نحن العائلة بزراعة الأرض والاهتمام بها".
وبحسب فاطمة، فقد تدرّجت سلطات الإحتلال بمصادرة الأرض، إذ قبل عامين 2014، منعوا من الاقتراب منها بالكامل وقطف أشجار الزيتون المزروعة فيها أو العناية بها. ثمّ صدر قرار مصادرة هذه الأرض في الثامن من آب، والتي تعتبر إرثاً لجميع أبناء العائلة في الخارج والداخل.
وتحت مبرّر أملاك غائبين، صادرت إسرائيل آلاف الدونمات في الضفّة الغربيّة ومدينة القدس، وهو القانون الذي أقرّ في عام 1950. وبناء عليه، يقوم القيّم على أملاك الغائبين، وهو موظّف من قبل وزارة الماليّة الإسرائيليّة، بالتصرّف بهذه الممتلكات، والتي تكون عبارة عن أراضٍ وبيوت لفلسطينيّين هجّروا في عام 1948 منها أو من فلسطينيّي الضفّة، الذين نزحوا عنها في عام 1967. وفي الغالب، تحوّل هذه الأراضي والممتلكات لصالح المستوطنين والمستوطنات، وهو الهدف من مصادرة أراضي فاطمة وباقي أصحاب الأراضي القريبة، كما أشار أبو مصطفى حماد من بلدة سلواد - شرق رام الله الذي قال أيضاً: "الهدف من مصادرة هذه الأراضي هو نقل البؤرة الاستيطانيّة غير القانونيّة عمونه ، والتي صدر في حقّها قرار بالإخلاء حتى في كانون الأوّل/ديسمبر المقبل إلى هذه الأراضي المنوي مصادرته".
حماد وعائلته يملكان 12 دونماً في المنطقة، وهي أراضٍ اعتادت العائلة على زراعتها بكروم العنب، وحتّى اليوم يقوم وعائلته بزراعتها، رغم مضايقات المستوطنين في المنطقة، وقال حماد لـ"المونيتور": "حينما تسلّمنا قرارات المصادرة، قمنا بتعيين محامٍ وإخراج معاملة حصر إرث لهذه الأرض، وأثبتنا أنّ كلّ ملاّكها أو ورثتهم يقيمون هنا، ومنهم من لا يزال على قيد الحياة، ومنهم من مات ودفن هنا".
وهنا الحديث عن أراضي مصادرة حول مستوطنة عوفرا وبالقرب أكثر من مستوطنة عمونة.
وحينما استطاع حماد وباقي الأهالي إثبات للإدارة المدنية في الضفة، أنّ ملاّك الأراضي ليسوا بغائبين، ادّعت سلطات الإحتلال بأنّ المصادرة لأنّها أراضٍ متروكة، وقال: "عندما أثبتنا أنها ليست أملاك غائبين، قالوا إنّ سبب المصادرة أنّها أراضٍ متروكة. وبالتزامن، أصبحوا يطلقون النار على كلّ من يقترب منها لإثبات ذلك".
وفي هذا الإطار، قال المحامي محمّد شقير، وهو الباحث الميداني والمحامي في مؤسّسة "يشين دين الحقوقيّة" وهي منظمة إسرائيلية في مجال حقوق الإنسان، والذي يترافع في القضيّة التي رفعها الأهالي: إنّ السلطات الإسرائيليّة حينما لم تفلح في السيطرة على الأرض في حجّة أنّها أراضي هي الأراضي في المنطقة المراد مصادرتها شرقي رام الله أملاك غائبين، عادت وادّعت أنّها أملاك متروكة.
وبحسب شقير، فإنّ هذين القانونين "أملاك الغائبين" و"الأراضي المتروكة" يتمّ تفعيلهما للتحايل على القوانين ومصادرة الأراضي لصالح المستوطنين، ففي حين أنّ قانون أملاك الغائبين يمكن ألاّ ينطبق بالكامل على بعض القضايا في الضفّة الغربيّة، يتمّ تفعيل قانون الأراضي المتروكة، والذي تمّ الاستناد إليه للسيطرة على الأراضي في الضفة الغربيّة، والتي لها ملكيّات خاصّة.
وفصّل محمّد شقير خلال حديثه لـ"المونيتور" الإدعاءات الإسرائيليّة للسيطرة على هذه الأرض لصالح المستوطنين، وقال: "قمنا برفع قضيّة لدى محكمة العدل العليا الإسرائيلية على البؤرة الاستيطانيّة غير الشرعيّة المقامة بالقرب من الأراضي المهدّدة بالمصادرة. وبالفعل، استطعنا إثبات أنها مستوطنة غير شرعية . وعندما اقترب موعد إخلاء هذه البؤرة في "كانون الأوّل/ديسمبر المقبل، حاولت السلطات الإسرائيلية بضغط من المستوطنين مصادرة الأرض القريبة من المستوطنة عيمونه الغير شرعية ونقل منازل البؤرة إليها".
وقانون الأملاك المتروكة، الذي هو عبارة عن أمر عسكريّ رقم 58 أصدرته السلطات الإسرائيلية في العام 1967، ينصّ على أنّ كلّ من ترك أراضيه من الفلسطينيين قبل عام 1967 أو بعد إحتلال الضفّة في عام 1967 تنتقل حقّ إدارتها إلى القيّم على أملاك الغائبين الإسرائيلي، ولكن من دون أن تنتقل ملكيّتها إليه، كما هي الحال في قانون الغائبين.
وقال شقير: "حتّى هذا القانون لا ينطبق على قضيّة أراضي الحاجّة فاطمة وحماد، فالقرار ينصّ على أنّه إذا كان أيّ حارس أو متصرّف من قبل المالك لا ينطبق عليه القرار، ولكلّ هذه الأراضي ورثتها وقائمون عليها من قبل المالك".
ورغم ذلك، يصرّ الإحتلال على مصادرة هذه الأرض لاعتبارات سياسيّة كما قال شقير، وإرضاء للمستوطنين، وقال: "هناك غايات سياسيّة في هذا القرار، إذ من غير المعقول أن يخالف مستوطن قرار المحكمة ويكافأ بأرض جديدة للإنتقال إليها، فخلال قضايا عديدة لاحظنا أنّ هذه القوانين يتمّ تفعيلها للتحايل على قرارات محكمة العدل العليا الإسرائيلية ضدّ الاستيطان".
من جهته، أكّد رئيس مدير الوحدة القانونيّة في مركز القدس للمساعدة القانونيّة وحقوق الإنسان بسّام كراجة ما قاله شقير، وقال: هناك ارتفاع ملحوظ في القضايا التي تصل إلى المركز في شأن مصادرة الأراضي بالضفّة الغربيّة، وفقاً لقانون أملاك الغائبين والأراضي المتروكة.
أضاف بسّام كراجة لـ"المونيتور": "أخيراً، تمّ تفعيل آليّات جديدة لمصادرة الأراضي من خلال التشابك ما بين قانون أملاك الغائبين والأراضي المتروكة ضمن ما يعرف بدائرة الخطّ الأزرق للبحث عن أكبر قدر من الأملاك للسيطرة عليها، وبالتّالي تمريرها للمشروع الاستطيانيّ".
وبحسب كراجة، فإنّ هذه القوانين تشكّل خطراً على أكثر من 60 في المئة من أراضي الضفّة الغربيّة، والتي تشكّل الأراضي المصنّفة بالمناطق "جيم"، والتي لا تعترف إسرائيل بسلطة السلطة الفلسطينيّة عليها.
ولعلّ هذه القوانين وإعادة تفعيلها تعطيان مؤشّراً واضحاً عن صورة الوضع في الضفّة من تنامي الاستيطان بشكل كبير في محاولة لحسم الصراع على الأرض بفرض الأمر الواقع.