دمشق - كانت سوريا قبل الأزمة، التي اندلعت في آذار/مارس 2011، إحدى أبرز الوجهات السياحيّة العالميّة في الشرق الأوسط، لما تتضمّنه من تراث حضاريّ وعراقة تاريخيّة (دمشق وحلب من أقدم المدن في العالم) وجمال وتنوّع في طبيعتها (بحر، جبال، صحراء)، ممّا جذب إليها ملايين السيّاح من مختلف أرجاء المعمورة. ففي سوريا، أكثر من 14 ألف موقع أثريّ و65 قلعة، إضافة إلى المتاحف والمساجد والكنائس والمعابد التاريخيّة المنتشرة في كلّ أنحاء البلاد.
ولا شكّ في أنّ الحرب قد أجهزت بشكل كبير على السياحة، نتيجة عزوف السيّاح العرب والأجانب عن زيارة سوريا بسبب المخاطر الأمنيّة، والمقاطعة العربيّة والغربيّة الرسميّة للحكومة السوريّة، إضافة إلى سيطرة الجماعات الجهاديّة، وخصوصاً تنظيم "داعش"، على مناطق واسعة، وتدمير قسم من المعالم الأثريّة، كما حصل في تدمر وحلب وريف دمشق وغيرها.
وبحسب مصادر وزارة السياحة، تراجعت أعداد السيّاح من خمسة ملايين في عام 2010 إلى أقلّ من 400 ألف في عام 2015، وبالتالي تراجعت إيرادات السياحة بنحو 98% منذ اندلاع الأزمة، وبلغت خسائر القطاع نحو ثلاثة مليارات دولار دولار بينما تقدر مصادر المعارضة حجم الخسائر بأكثر من 15 مليار دولار، فيما كان هذا القطاع يشكّل 14% من الناتج المحليّ الإجمالي ويشغّل 13% من القوى العاملة، لكنّ الحرب أدّت إلى إغلاق الكثير من المنشآت السياحيّة الصغيرة وتسريح العاملين فيها. وكان القطاع السياحيّ قبل الحرب يرفد الاقتصاد السوريّ بنحو خمسة مليارات دولار سنويّاً.
وكان وزير السياحة بشر اليازجي قد أكّد في حوار صحافيّ في عام 2015 أنّ "التخريب والتدمير في الأماكن السياحيّة والأثريّة خلال فترة الأزمة نتجت عنهما أضرار كبيرة لحقت بقطاع السياحة، تمثّلت في انخفاض القدوم بنسبة 98% لدى مقارنتها مع عام 2010، وانخفاض العائدات السياحيّة، حيث قدّرت الخسارة الكليّة بـ387 مليار ليرة سنوياً"، أي نحو مليار دولار في حينه.
مصدر رسمي في وزارة السياحة أوضح للمونيتور حجم خسائر قطاع السياحة في سوريا خلال الخمس سنوات الأولى من الحرب أن الحرب تسببت بتوقف 1294 منشأة من منشآت القطاع الخاص عن العمل، ووقف 544 مشروعاً سياحياً قيد التنفيذ. كما بلغت خسارة القطاع السياحي 262 ألف فرصة عمل في المنشآت السياحية والخدمات المرتبطة بها. وتبلغ الأضرار المالية الأخرى خلال الفترة (2011 – 2015) ما مقداره 4750 مليار ليرة سورية (نحو 10 مليارات دولار)، نتيجة انخفاض حجم المساهمة المباشرة للقطاع السياحي الكلي في الناتج المحلي الإجمالي.
هذا الواقع المأساويّ دفع بوزارة السياحة إلى تشجيع السياحة الداخليّة لتعويض جزء من إيرادات السياحة الخارجيّة. ورعت الوزارة عدداً من الفعاليّات السياحيّة، منها ملتقى النحت على الرمل على شاطئ مدينة اللاذقيّة بين 8 و15 آب/أغسطس 2016.
وأكّد اليازجي خلال الملتقى أنّ الوزارة تركّز على السياحة الداخليّة، وهدفها العائلة السوريّة، من خلال الإسراع في تنفيذ خطط الوزارة في المنطقة الساحلية والتي تركز على الشواطئ المفتوحة والتنمية الريفية من خلال دعم المشاريع الصغيرة لدعم الأسر الفقيرة.
ونوّه الوزير بأنّ الوزارة تعمل على تنشيط القطاع السياحيّ، مشيراً إلى افتتاح فنادق ومطاعم جديدة وعودة بعض مكاتب السياحة إلى العمل في ظلّ إشغالات فندقيّة جيّدة، وعودة المغتربين السوريّين في شكل كبير هذا العام.
وكانت السياحة الداخليّة قبل الحرب تشكّل نحو ربع حركة السياحة، حيث تستحوذ المنطقة الساحليّة على 80% منها سواء في الشواطئ أم في المناطق الجبليّة التي تشكّل مقصداً للعائلات السوريّة من كلّ المحافظات، وذلك بحسب المكتب المركزيّ للإحصاء.
وكانت الوزارة قد رعت فعاليّة أخرى هي مهرجان القلعة والوادي في مدينة حمص في نهاية تمّوز/يوليو الماضي، وهي قلعة تاريخية تعتبر أهم قلعة صليبية حافظت على معالمها وقد عدّتها منظمة الأونيسكو إرثاً تراثياً في عام 2006، حيث أشار اليازجي إلى أهميّة نشر تجربة السياحة الشعبيّة البسيطة المنخفضة التكاليف، وإلى أنّ الوزارة بالتعاون مع وزارة التعليم العالي عازمة على إبرام مذكّرات تفاهم مع الجامعات، لإطلاق برامج سياحيّة تحتاج إلى جهود الشباب والطلبة السوريّين.
قال عضو اللجنة العليا في مهرجان القلعة والوادي ناجي دروش، لـ"المونيتور" إنّه كان "للمهرجان هدفان، الأوّل رسالة خارجيّة للعالم وقد أدّاها، فقلعة الحصن في حمص، التي كانت قد شهدت سابقاً معارك، هي اليوم آمنة تماماً وتستقبل الزوّار ونراها خلال المهرجان منارة ليلاً". والهدف الثاني من المهرجان الذي يقام في هذه المنطقة هو "صناعة الفرح، وقد حاول المهرجان ذلك لكنّه لم ينجح كما يجب، لأنّ المهرجان يجب أن يتوجّه في شكل خاصّ إلى عوائل الضحايا والجرحى من المدنيّين والعسكريّين... لكن هنالك سوء تنظيم لهذه المهرجانات من ناحية اختيار التوقيت وإدارة النفقات والترويج الصحيح إعلاميّاً لجذب الجمهور والمغتربين وانتقاء النشاطات المناسبة"، تابع درويش.
هذا المهرجان الذي يقام في منطقة وادي النضارة في ريف حمص الشماليّ الغربيّ قد انقطع لثلاث دورات متتالية بين أعوام 2011 و2014 بسبب الحرب ليعود بعدها في عام 2015 ويستمرّ في عام 2016.
وقال همّام الشيخ علي، وهو شابّ دمشقيّ، لـ"المونيتور" إنّ "وزارة السياحة يفترض أن تعتني أكثر بموضوع السياحة الداخليّة، لأنّ هناك الكثير من الأماكن السياحيّة المتواجدة في أماكن آمنة في سوريا، كالجبل أو الساحل، كما يجب أن تجد سبلاً لتقديم تسهيلات إلى المواطنين حتّى يتمكّنوا من زيارة هذه المعالم عبر تأمين أسعار فنادق تشجيعيّة، ودعم سكّان تلك المناطق والترويج أكثر لها، خصوصاً في ظلّ الوضع الاقتصاديّ الصعب الذي تمرّ به البلاد".
زار تشارلتون بينغ، وهو صحافيّ تايوانيّ، حمص وريفها أخيراً، ويقول لـ"المونيتور": "أنا متفاجئ جدّاً ممّا رأيته، فسوريا التي نراها في وسائل الإعلام غير هذه التي أراها الآن. هناك أماكن جميلة جدّاً، وعلى الرغم من أنّ البلد يشهد حرباً منذ سنوات، إلّا أنّه مستمرّ في الحياة على الرغم من كلّ ما يجري، على عكس الصورة النمطيّة التي غالباً ما تصوّر الدمار والخراب فقط".
كشفت وزارة السياحة أخيراً عن إجراءات تتّخذها مع إيران وروسيا لتفعيل التعاون في تنمية السياحة الدينيّة، من خلال تطوير منطقة السيّدة زينب في جنوب دمشق، والتي تضمّ ضريح السيّدة زينب بنت علي بن أبي طالب، لتصبح توأماً لمدينة مشهد الإيرانيّة، وإعادة تأهيل مدن معلولا وصيدنايا في ريف دمشق ذات المكانة الدينيّة لدى المسيحيّين، وإطلاق موادّ ترويجيّة بالتعاون مع الجانب الروسيّ.
وعلى غرار بلدان أخرى، كلبنان مثلاً، شهدت حروباً وتراجعت فيها السياحة الخارجيّة وفشلت حكوماتها في تفعيل السياحة الداخليّة، لا يمكن توقّع تطوّر كبير للسياحة الداخليّة في سوريا في ظلّ الحرب التي تشهدها الكثير من مدنها وأريافها، وذلك لأنّ تدنّي قيمة الليرة تسبّب بتضخّم اقتصاديّ كبير جعل كلفة المعيشة مرتفعة جدّاً على المواطن السوريّ، فلم تعد السياحة الداخليّة في رأس أولويّاته.