تندوف، الجزائر— بعد تقييم 25 عاماً من السلام، يوافق المسؤولون الصحراويون وبعض الأشخاص البارزين في المجتمع المدني أنّ الصراع المسلّح هو الخيار الوحيد الذي يمكنهم الاعتماد عليه لبلوغ هدف الاستقلال.
في 6 أيلول/سبتمبر، صادفت الذكرى الخامسة والعشرين لاتفاق وقف إطلاق النار برعاية الأمم المتحدة في الصحراء الغربية بين المغرب وجبهة البوليساريو التي هي حركة استقلال الصحراء.
كان من المفترض أن تُتبع هذه الخطوة باستفتاء يختار فيه الصحراويون نظام الحكم الذي يريدون أن يعيشوا في ظلّه من بين ثلاثة خيارات: دمج الصحراء مع المغرب أو حكم ذاتي أو استقلال. ولكن تمّ إلغاء التصويت المرتقب بعد أن رفض المغرب السماح بأيّة عملية سلام تضمّ الاستقلال في قائمة خياراتها. ولا يزال النزاع قائماً وكذلك التوترات.
ضمّ الوفد الصحراوي الذي وقّع على اتفاق وقف إطلاق النار وزير الخارجية السابق لجبهة البوليساريو بشير مصطفى السيد الذي هو المستشار الحالي للأمين العام لحركة تحرير الصحراء إبراهيم الغالي.
خلال جلسة نقاش في 7 أيلول/سبتمبر في مخيّم الرابوني في تندوف، راجع الحاضرون وضع الصحراويين بعد 25 عاماً من السلام. وتشارك السيد أفكاره في وقت توقيع الاتفاق. ووصف الوضع آنذاك كما لو كانت جبهة البوليساريو خلال النزاع المسلح على متن زورق، غير مدركة متى سيتغيّر الطقس أو أين سيأخذها التيار. وكانت الأمم المتحدة تمثل سفينة كبيرة في البحر تمدّ لهم يَد المساعدة.
قال السيد للتجمع الذي حضره المونيتور: "أخبرتهم أنّه يمكنهم الاستناد إلى الأمم المتحدة ولكن أيضاً توخي الحذر وتوقع أن يُقطع الحبل في أية لحظة." والمعضلة الحالية عطّلت عمل الحركة.
على مدى 25 عاماً، كانت جهود الأمم المتحدة غير مثمرة للصحراويين الذين ينتظرون الاستفتاء الموعود. ولكن لعبت عوامل أخرى دوراً بارزاً. مثلاً، في شهر آذار/ماس، طرد المغرب بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية من المنطقة. وأدّت الحادثة إلى توتر مؤقت ضبطه تصويت مجلس الأمن الأممي على إعادة البعثة.
بدأت موجة جديدة من التصعيد مؤخراً عند قرّر المغرب اختراق الجدار العسكري الذي يفصل الصحراء الغربية لبناء طريق في المنطقة المتنازع عليها على الحدود مع موريتانيا. وقد أفادت وثيقة سرية للأمم المتحدة حصلت عليها وكالة "ذو أسوشييتد بريس" في 24 آب/أغسطس أنّ الخطوة كانت خرقاً لاتفاق وقف إطلاق النار. ومن ناحية أخرى، نشرت جبهة البوليساريو حوالي 32 شخصاً في المنطقة. وقال السيد إنّ هذا القرار "إستراتيجي للغاية وأظهر أنّ الجبهة تعتمد على نفسها وتتحلّى بإرادة صلبة."
تحدّث وزير الدفاع السابق للجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية وهي الدولة التي أعلنها الصحراويون في عام 1976محمد لمين البوهلي خلال ندوة النقاش.
وقال البوهلي إنّ جبهة البوليساريو أخطأت في توقيع معاهدة السلام.
قال: "لنكُن موضوعيين بما فيه الكفاية كي نرى ما قدّمه إلينا وقف إطلاق النار. كان حرياً بنا أن نستمرّ في النزاع المسلّح حتى تحرير كلّ جزء من الصحراء الغربية."
وأشار البوهلي إلى أنّ الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية حصلت على عضوية في منظمة الوحدة الأفريقية التي أصبحت الآن تُعرف بالاتحاد الأفريقي خلال الثمانينيات "عندما كان الجنود الصحراويون يحاربون في ساحة القتال."
من الواضح أنّ القائد العسكري السابق لا يؤمن بعملية السلام المتواصلة. حتى أنه تحدّى زملاءه في القيادة أن يحاولوا إثبات عدم صحة أقواله.
وقال: "أريد من الأشخاص الذين وافقوا على وقف إطلاق النار أن يثبتوا أنّ ادعاءاتهم صحيحة. كنّا ضحايا خطوات غير مدروسة."
وبصدق صادم، قال البوهلي إنه لا يزال يتذكّر اجتماعاً في شهر آذار/مارس 2000 مع المبعوث الأممي للصحراء الغربية حينها جايمز أي. بايكر III ومع رئيس الجمهورية العربية الديمقراطية السابق محمد عبد العزيز. بحسب البحولي، قال بايكر حينها: "إذا كنتم قادرين على حمل السلاح من جديد، لا شيء سيفيدكم أكثر. ولكن إذا كنتم عاجزين عن ذلك، إرضوا بما نعرضه عليكم."
تابع البوهلي: "كان من الغباء قبول خطّة بايكر." وتجدر الإشارة إلى أنّ هذه الخطة وُضعت لتسمح للمغرب بحكم الصحراويين وهم سكّان الصحراء الغربية الأصليين لمدّة خمسة أعوام وتنظيم استفتاء يستند إلى قرار أممي حول حقّ الصحراويين في تقرير مصيرهم كشعب في إقليم غير خاضع للإدارة الذاتية.
وأضاف البوهلي، مبتسماً للحضور في مخيّم روباني: "إذا لم يكُن المغرب يريد الصحراويين أن يقرّروا مستقبلهم السياسي بالقتال والمقاومة الفتاكة، لمَ يقبل أن يُجرّد الصحراويون من أسلحتهم ويعيشوا تحت سيطرته؟"
لعلّ هذا المنطق هو ما دفع معظم الشباب الصحراويين في مخيمات اللاجئين إلى الاعتقاد بأنّ سعي شعبهم وراء الاستقلال لا يمكن أن يتحقّق إلّا بالقوة."
يعيش موسى سلامة وعمره 27 في مخيّم أوسرد في تندوف. وهو أيضاً يقيّم الحرب مقابل السلام.
قال للمونيتور: "إنجازنا الأكبر خلال الحرب كان حصولنا على اعتراف دولي بحقنا في تقرير مصيرنا كما أنّنا حققنا انتصارات مؤقتة مثل مخيم أكديم إزيك خلال 25 عاماً من السلام."
وأضاف سلامة: "سأحارب في صفوف القواعد الشعبية الصحراوية لمتابعة النزاع المسلّح ولتجسيد إرادتي للوصول إلى الحرية."
مع مرور الوقت، يظلّل وضع قضية الصحراء الغربية المجمّد اعتقاد الناس بأنّ التغيير قادم من طرف ثالث مثل الأمم المتحدة التي تشرف على هذه المسألة منذ زمن طويل.
محفوظ البشير هو من عمر اتفاق السلام: 25 عاماً. وهو يرى أنّ غياب أي حلّ يعود إلى سياسة اللاعنف التي اعتمدتها المقاومة الصحراوية.
وقال البشير للمونيتور: "لم تُحلّ معضلة الصحراء الغربية بعد لأنّها لا تُعتبر ملحّة. ولسوء الحظ، نعيش في عالم يستمع للعنف فقط ويغضّ الطرف عن النزاعات المسالمة."
ينمّ هذا التفكير عن الظروف الصعبة في المخيمات حيث يأخذ الشباب الأمور في أيديهم الخاصة ولا ينتظرون لقضاء بقية حياتهم في عدم اليقين.
تجدر الإشارة إلى أنّ المسؤولين المرموقين مثل السيد والبوهلي أقاموا نقاشاً مفتوحاً من دون أي قيود ودعوا علناً لاستكمال الحرب. وقال البوهلي بصدق في غرفة مليئة بالصحفيين: "أيها الصحراويون، يؤسفني أن أخبركم أنّ لا أحد سيعطيكم شيئاً. هذه قضيتكم وعليكم أن تحاربوا من أجلها."