مدينة غزّة، قطاع غزّة: أظهرت مراحل العمليّة الإنتخابيّة للهيئات المحليّة في الأراضي الفلسطينيّة، والتي بدأت في 27 تمّوز/يوليو الماضي مدى ترسّخ حال الانقسام الداخليّ في الكثير من مناحي الحياة، والّتي تجلّت مع بدء الدعاية المبكرة للإنتخابات وما تخلّلها من تجريح بين أنصار فتح وحماس، وصولاً إلى رفض الاعتراف (فتح) بشرعيّة المحاكم في غزة بعد إسقاط قوائم إنتخابيّة عبر لجنة الإنتخابات ومحاكم غزّة بزعم عدم استيفائها للشروط الانتخابية أو مخالفتها للقانون.
القوائم الّتي تمّ اسقاطها تعود غالبيّتها إلى حركة "فتح" وواحدة لمستقلين، فقد أسقطت لجنة الإنتخابات المركزيّة في 4 أيلول/سبتمبر الجاري 5 قوائم إنتخابيّة لـ"فتح" في الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة، بعد الاعتراضات التي قدّمت ضدّ تلك القوائم كونها لم تستوف الشروط القانونيّة، فيما رفضت لجنة الإنتخابات 154 طلباً بالاعتراض على قوائم إنتخابيّة أخرى مدعومة من حركة حماس ولمستقلين في غزة والضفة، ليواصل بعض القوائم مشواره في الطعون عبر المحاكم في الضفّة وغزّة، كما ينصّ القانون، لتسقط 5 قوائم أخرى لـ"فتح" في 8 أيلول/سبتمبر الجاري وتعاد قائمة إلى السباق الإنتخابيّ في الضفّة.
وينصّ قانون الإنتخابات الفلسطينيّ رقم 10 لعام 2005، في مادّته رقم 22 على أنّه يجوز لأيّ شخص خلال 3 أيّام من تاريخ نشر قوائم المرشّحين أن يقدّم اعتراضاً كتابيّاً إلى اللّجنة الإنتخابيّة مبيّناً فيها أسباب اعتراضه، فيما تنصّ المادّة 23 على أنّ اللّجنة ملزمة بأن تصدر قراراتها بالاعتراضات المقدّمة خلال 3 أيّام من تاريخ انتهاء مدّة تقديمها وتكون قراراتها قابلة للاستئناف أمام المحكمة المختصّة خلال أيّام من تاريخ صدورها، وتنصّ المادّة 24 على أن تصدر المحكمة قراراتها في الاستئناف المرفوع إليها خلال 3 أيّام وتكون قراراتها في هذا الشأن نهائيّة.
وجاء ميثاق الشرف، الّذي وقّعت عليه الفصائل الفلسطينيّة كافّة، ليؤكّد ما أورده القانون، وينصّ (الميثاق) في بنديه الـ21 و22 على "الإلتزام باتّباع الأساليب السلميّة والقانونيّة في ما يتعلّق بالاعتراضات والطعون ونتائجها في كلّ مراحل العمليّة الإنتخابيّة، والتّعاون مع الجهات المختصّة بشأن التحقيقات في هذه الاعتراضات والطعون والشكاوى، والالتزام بقرارات المحاكم الفلسطينيّة في ما يخصّ العمليّة الإنتخابيّة".
حركة "فتح" رفضت اللجوء إلى المحاكم المختصّة في غزّة للاستئناف على الأحكام القضائيّة، التي أدّت إلى إسقاط قوائمها الإنتخابيّة، ووصف أمين سرّ المجلس الثوريّ في الحركة أمين مقبول لـ"المونيتور" المحاكم والقضاة في غزّة بأنّهم غير شرعيّين وفق قانون السلطة القضائيّة رقم 15 لسنة 2005، والّذي ينصّ في مادّتيه رقم 16 و18، على أن يعيّن ويرقّى القضاة من قبل رئيس السلطة الفلسطينيّة، وقال: "هذا لم يحدث في غزّة، فمن نصّب أولئك القضاة هي حركة حماس بعد الانقسام في عام 2007".
واتّهم أمين مقبول في حديثه مع "المونيتور" حركة "حماس" بأنّها أرادت من إسقاط القوائم الإنتخابيّة عبر لجنة الإنتخابات المركزيّة أو عبر المحاكم في غزّة إفشال العمليّة الإنتخابيّة، مشيراً إلى أنّهم طالبوا "حماس" بسحب الطعون المقدّمة على قوائم "فتح"، مقابل سحب حركته الطعون المرفوعة على قوائم مدعومة من "حماس"، إلاّ أنّ الأخيرة رفضت.
وبين أن المحكمة العليا في رام الله أصدرت حكماً قضائياً في 8 أيلول/سبتمبر الجاري بوقف مؤقت للانتخابات المحلية إلى حين النظر في الدعوى المرفوعة من قبل نقابة المحامين والتي جاءت بعد دعوة الحكومة إجراء الانتخابات، وتقول فيها (نقابة المحامين) إن القضاء والمحاكم في غزة غير شرعية بسبب سيطرة حماس عليها وتعينها للقضاة، ناهيك عن عدم شمول تلك الإنتخابات مدينة القدس.
وقال المدير التنفيذيّ للجنة الإنتخابات المركزيّة هشام كحيل لـ"المونيتور": "توافقنا مع كلّ الأطراف، وبنصوص مكتوبة، على الإلتزام بقرارات المحاكم الفلسطينيّة في ما يخصّ العمليّة الإنتخابيّة، هذا إضافة إلى أنّ الفصائل توافقت على أنّ المؤسّسات الحكوميّة في غزّة هي الّتي ستشرف على العمليّة الإنتخابيّة".
وأوضح هشام كحيل أنّهم كلجنة إنتخابات، وبناء على التّوافق الذي حدث مع الفصائل، فإنّهم في لجنة الانتخابات ملتزمون بما صدر عن محاكم غزّة في شأن الطعون المقدّمة ضدّ بعض القوائم الإنتخابيّة، مشيراً إلى أنّ تقديم الطعون ضدّ القوائم الإنتخابية بعد نشرها هو حقّ لكلّ مواطن يكفله القانون الفلسطينيّ وتحديداً المادة 11 من قانون الانتخابات رقم 10 لسنة 2005.
من جهته، رأى المختصّ القانونيّ ومدير المركز الفلسطينيّ لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجيّة - مسارات صلاح عبد العاطي أنّ الإنتخابات في ظلّ الانقسام الداخليّ وأزمة الثقة المتأصّلة بين "فتح" و"حماس" لا يمكن لها أن تجري بكلّ سهولة.
وأشار لـ"المونيتور" إلى أنّه بعد موافقة كلّ الفصائل على قانون الإنتخابات المحلية رقم 10 لسنة 2005، وتوقيعها على ميثاق الشرف للتعامل مع العمليّة الإنتخابيّة، وفي ضوء الايضاحات والضمانات التي قدّمتها لجنة الإنتخابات إلى حركتي "فتح" و"حماس" فإنّ أيّ تراجع بالتأكيد سينسف العمليّة الإنتخابيّة، وقال: "اتّفق الجميع على أنّ المحاكم هي المرجعيّة في تقديم الطعون في ما يتعلّق بالعمليّة الإنتخابيّة".
أضاف: "ولكن للأسف المحاكم في كلّ من غزّة التي بها قضاة قريبون من حركة حماس والضفّة الغربية التي بها قضاة قريبون من حركة فتح تعاملت باستغلال القضاء ضدّ الخصم لكل منهما من خلال إصدار أحكام بإسقاط قوائم انتخابية لكل طرف، وهو ما أوصلنا في النهاية إلى تجميد العمليّة الإنتخابيّة".
ولفت إلى أنّ أساس المشكلة قانونيّ قبل أن يكون سياسيّاً، فقانون الإنتخابات المحليّة، وتحديداً في جزئيّة نصّ الاعتراضات والطعون على الأفراد والقوائم الإنتخابية غير واضح والذي ينص في مادته رقم 14 أن الترشح يتم ضمن قوائم انتخابية على أساس التمثيل النسبي وتعتبر قائمة المرشحين مغلقة، ممّا أوصلنا إلى المشكلة التي تظهر حاليّاً، مطالباً لجنة الإنتخابات بتعديل وتوضيح القانون في ما يتعلّق بشروط سقوط القائمة الإنتخابيّة، معتبراً أنّ سقوطها (القائمة الكاملة) بسقوط الفرد فيه إجحاف كبير.
أمّا المحلّل السياسيّ سمير حمتو فاستغرب تراجع حركة "فتح" عمّا تمّ التّوافق عليه من أن تكون محاكم غزّة هي الحكم في الطعون المقدّمة خلال العمليّة الإنتخابيّة، وشرطة غزّة هي من ستؤمّن العمليّة الإنتخابيّة، وسيشرفون ويراقبون تلك العمليّة، وقال لـ"المونيتور": "يبدو أنّ حجم الطعون التي قدّمتها قوائم مدعومة من حركة حماس ضدّ قوائم فتح في المحاكم صدمها. ولذلك، رفضت فتح الإذعان للقانون، وتذرّعت بأنّ المحاكم في غزّة غير شرعيّة، ولجأت إلى المحكمة العليا في رام الله لنفي الشرعيّة عن مؤسّسات غزّة".
وتوقّع حمتو أن تجمّد العمليّة الإنتخابيّة، بعد الحكم النهائيّ للمحكمة العليا في رام الله باعتبار مؤسّسات غزّة غير شرعيّة، وبالتّالي نعود إلى نقطة الصفر في العلاقة بين طرفي الانقسام "فتح" و"حماس" كما قال.
نظر الفلسطينيّين يتّجه أكثر إلى 21 أيلول/سبتمبر المقبل، والذي سيشهد إصدار محكمة العدل العليا للحكم النهائيّ في الطعون المقدّمة أمامها بشأن وقف الإنتخابات المحليّة بسبب الوضع القانونيّ لقطاع غزّة، بعد سيطرة "حماس" عليه عام 2007 وعدم شمول مدينة القدس في تلك الإنتخابات، وسط ترجيحات بوقف نهائي للعملية الانتخابية.