رام الله، الضفّة الغربيّة — أشعل مقتل أحمد أبو العزّ حلاوة، أحد قيادات حركة "فتح"، ضرباً على يدّ الأجهزة الأمنيّة في 23 آب/أغسطس في مدينة نابلس - شمال الضفّة الغربيّة، واتّهامه بأنّه الرأس المدبّرة لمقتل اثنين من عناصر الأمن الفلسطينيّ في نابلس بـ18 آب/أغسطس، غضباً شعبيّاً ضدّ الحكومة في المدينة، تجلّى بمشاركة آلاف المواطنين، من بينهم قيادات وعناصر من الحركة، في جنازة تشييعه بـ28 آب/أغسطس، والّذين هتفوا خلالها ضدّ رئيس الحكومة رامي الحمد الله ومحافظ نابلس أكرم الرجوب، وطالبوا بإقالتهما، وهو الموقف الّذي كانت عائلة حلاوة قد تبنّته، وطالب به عدد من قيادات الحركة.
وقالت النائبة عن حركة "فتح" نجاة أبو بكر، الّتي شاركت في تشييع أبو حلاوة لـ"المونيتور": "هناك تحفّظات كبيرة لدى حركة فتح على آداء الحكومة وممارساتها، والّتي كان آخرها مقتل أبو العزّ حلاوة".
أضافت: "إنّ زوجة حلاوة قالت لي شخصيّاً أنّ رامي الحمد الله هو المسؤول الأوّل عن قتل زوجها".
وتابعت: "كان الأجدر بالحمد الله أن يقّدم استقالته ويعترف بفشله في توفير الكرامة للمواطنين، ولو كنت مكانه وهتف الآلاف ضدّي، كما حدث في جنازة حلاوة، لقدّمت استقالتي فوراً".
وأردفت: "أهالي نابلس وقيادات فتح وكوادرها في المدينة طالبوا باستقالة الحكومة".
ورغم إعلان رامي الحمد الله تشكيل لجنة تحقيق حول أحداث نابلس في 23 آب/أغسطس، إلاّ أنّ ذلك لم يُرض بعض قيادات "فتح"، الّتي رأت أنّ لجنة التّحقيق كان يجب أن تكون لجنة رئاسيّة تضمّ نوّاباً من المجلس التشريعيّ وشخصيّات مجتمعيّة، ومن القضاء العسكريّ والمدنيّ، وليس فقط وزراء من الحكومة، لأنّها أحد أطراف الأزمة.
وقال النائب عن حركة "فتح" في مدينة نابلس وعضو المجلس الثوريّ للحركة جمال الطيراوي لـ"المونيتور": "طالبنا بأن يكون هناك دور لأعضاء المجلس التشريعيّ في لجنة التّحقيق، إلى جانب الجهات الرقابيّة المختلفة، لكنّ القرار صدر من رئيس الوزراء بصفته وزيراً للداخليّة، وهذا مخالف للقانون، لأنّه طرف في الحدث".
غضب بعض قيادات فتح من الحمد الله لم يكن وليد احداث نابلس فقط، وانما تعود الى معالجاته لعدد من الملفات، ابرزها استخدامه للاجهزة الامنية المسؤول عنها، ضد كوادر وعناصر الحركة، في مدينة طولكرم شمال الضفة الغربية بسبب احتجاجهم ضد الحكومة على استمرار انقطاع التيار الكهربائي عن المحافظة في شهري تموز/يوليو، وآب/اغسطس ، لتقوم الاجهزة الامنية باعتقالات واسعة في صفوف كوادر الحركة في الاول والثاني والثالث من آب/اغسطس، ما دفع عدد من كوادر الحركة الى تقديم استقالتهم من الحركة احتجاجا على الاعتقالات بصفوف زملاءهم، فيما جرى الاعتداء بالضرب على عضو المجلس الثوري للحركة ابراهيم خريشة في 5 آب/اغسطس على خلفية ذات الازمة من قبل قوات الامن الفلسطينية
ويحمل تاريخ العلاقة بين الحركة والحمد الله مواقف تصادميّة عديدة، أبرزها ملاسنة وقعت بينه وبين عضو اللّجنة المركزيّة لـ"فتح" عزّام الأحمد على الهواء مباشرة خلال برنامج تلفزيونيّ في 4 كانون الأوّل/ديسمبر من عام 2014 على فضائية الفلسطينية، حيث اتّهم الحمد الله، عزّام الأحمد بترشيح شقيقة زوجته إلى منصب وزيرة التربية والتعليم، إضافة إلى اعتقال الأجهزة الأمنيّة عضو المجلس الثوريّ لحركة "فتح" بسّام زكارنة الذي كان يشغل رئيس نقابة الموظفين العموميين في 6 تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2014 بتهمة التحريض على الحكومة، وإعلان ابراهيم خريشة عضو المجلس الثوريّ للحركة وامين عام المجلس التشريعي دعمه لزكارنة، والاضراب في 12 تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2014 داخل المجلس التشريعيّ، وتحميل الحمد الله المسؤوليّة الكاملةعن حياة اعضاء النقابة المعتقلين في اشارة مباشرة الى دور الحمد الله في استهداف اعضاء النقابة واعتقالهم.
كما خاضت نجاة أبو بكر اعتصاماً مفتوحاً داخل المجلس التشريعيّ في 25 شباط/فبراير من عام 2016 بسبب صدور مذكرة اعتقال بحقها، نتيجة اتّهامها أحد وزراء الحكومة بالفساد، رغم تمتّعها بالحصانة كونها نائبة في المجلس التشريعيّ.
وقال جمال الطيراوي: "ما يحدث على الأرض يثبت وجود شرخ كبير بين رئيس الحكومة وكوادر حركة فتح وبعض قياداتها. ولذلك، نحن نطالب بمنع تغوّل الأجهزة الأمنيّة الخاضعة لمسؤوليّة الحمد الله على الحركة".
أضاف: "إذا كانت نتائج لجنة التّحقيق الّتي شكّلها الحمد الله غير مقنعة، فإنّ حركة فتح لن تقبل بها وسيعلو صوتها عالياً حتّى يصل إلى الرئيس عبّاس".
من جهته، قال عضو المجلس الثوريّ لـ"فتح" بسام زكارنة لـ"المونيتور": "هناك غليان في الشارع الفلسطينيّ بسبب التعليمات المعطاة إلى الأجهزة الأمنيّة من قبل مسؤولها الأوّل وزير الداخليّة رامي الحمد الله، الّذي يجب أن يتحمّل مسؤوليّة كلّ ما يجري".
أضاف: "الأجهزة الأمنيّة جهة تنفّذ تعليمات وزير الداخليّة. وكما نؤيّد محاسبة من يقوم بالفلتان والفوضى، فيجب محاسبة تجاوزات الجهات الرسميّة عند أيّ انتهاك من أصغر جنديّ حتّى وزير الداخليّة".
وفي الجانب الآخر، تبدو العلاقة بين الحمد الله والرئيس محمود عبّاس هي الضامن لبقائه في منصبه، إذ قال الحمد الله في مقابلة تلفزيونيّة على فضائية معا في 27 آب/أغسطس عن علاقته مع حركة "فتح": "أنا مرجعيّتي الرئيس عبّاس، فهناك تنسيق كامل بيننا، وأنا أشاوره في كلّ القرارات الّتي يتمّ اتّخاذها".
بدوره، قال الكاتب والمحلّل السياسيّ طلال عوكل لـ"المونيتور": "هناك اتجاه لتقوية دور ومكانة الاجهزة الامنية في السلطة الفلسطينية على حساب حركة فتح باعتبارها الحزب الحاكم، ودفعها بعيدا عن للسلطة، بحيث يتم التعامل معها مثل اي حركة او حزب فلسطيني اخر."
أضاف: "فتح غير قادرة على الضغط لتغيير رئيس الوزراء رامي الحمد الله من منصبه، فهذا القرار بيدّ الرئيس فقط".
ومرّت حركة "فتح" بتجربة مماثلة في عهد رئيس الحكومة السابق سلام فيّاض فياض الذي شغل منصب رئيس الحكومة بين حزيران/يونيو2007 الى حزيران/يونيو 2013، حيث طالبت محمود عبّاس بإقالته في 3 اذار/مارس، لكنّه استمرّ في منصبه لمدّة 6 سنوات، إلى أن قرّر عبّاس ذلك بسبب تدهور العلاقة بين الرجلين، وهو ما يعني أنّ العلاقة الجيّدة بين عبّاس والحمد الله هي الّتي ستضمن له البقاء طويلاً في منصبه، حتّى وإن علت الأصوات داخل حركة "فتح" المطالبة بإقالته.