أصبحت الانتخابات التشريعية المقبلة في المغرب أكثر إشكالية من أي وقتٍ مضىى مع ظهور مؤشرات تنبئ بعودة الأوضاع السياسية والاجتماعية في البلد إلى ما كانت عليه في الفترة ما قبل عام 2011.
مع استمرار الموجة الإقليمية للإطاحة بالإسلاميين والنضال المحلي بين الإرادة الشعبية والولاء للاستبداد، نمت الدولة العميقة وقامت باستخدام استراتيجيات مختلفة لترويض طموحات حزب العدالة والتنمية الإسلامي الذي يقود الحكومة المغربية.
فالإضافة إلى دعم حزب الأصالة والمعاصرة الذي ولد في حضن السلطة، أدّت استراتيجيات الدولة العميقة إلى خلق العداوة بين حزب العدالة والتنمية ووزارة الداخلية.
ولكن [مع الانتخابات المقبلة] قد تتفاقم الأوضاع لدرجة تهدد ما تمّ تحقيقه من خلال احتجاجات عام 2011 ووعود الديمقراطية. قد تشهد الانتخابات نسبة إقبال كبيرة للناخبي عليها ولكن من دون حصول تحسنات سياسية جدّية إلا عبر تشكيل تكتل عابر للأحزاب ومناهض للاستبداد.
وبعد فشلها في تجذير الفتنة بين الحكومة والنظام الملكي، حاولت الدولة العميقة منع بروز حزب العدالة والتنمية على الساحة العامة في البلد من خلال طرقٍ مختلفةٍ. فقد حاولت أولًا منع استكمال مشاريع البنى التحتية في البلديات التي يديرها الحزب. وكانت الححج المتكررة لذلك عدم السماح بإطلاق الحملات الانتخابية المبكرة وذلك بغض النظر لاحتياجات الناس لمثل هذه المشاريع.
ثانيًا، تمّ أيضًا حظر توزيع المساعدات الاجتماعية. فعلى سبيل المثال في خلال شهر رمضان، قامت بعض العناصر في وزارة الداخلية بمنع الجمعيات من توزيع سلل الغذاء المجانية.
وفي تطورٍ أخيرٍ، حُرم الفقراء من الأضحية التي كان المجتمع المدني يقوم عادةً بتوزيعها في عيد الأضحى، وهو أكثر الأعياد قداسة في الإسلام.
وقالت الوزارة إنها تحاول منع المنظمات غير الحكومية المقربة من حزب العدالة والتنمية من استغلال الأعمال الخيرية في الانتخابات المقبلة ولكن السياسية الانتقائية هذه دفعت ببعض الأسر الفقيرة للاحتجاج.
هذا وقد هزّت فضيحة أخلاقية المجتمع الإسلامي وذلك عندما تمّ توقيف قائدين من حركة التوحيد والإصلاح، وهي جمعية دينية مقرّبة من حزب العدالة والتنمية، بتاريخ 20 أغسطس الماضي. وقد قيل أنّ الزوجان ضبطا يمارسان الجنس في سيارة موقوفة في منطقة شاطئية نائية.
مولاي عمر بن حامد وهو متزوج وفاطمة نجار وهي أرملة، اتهما بالكفر، مما شوّه صورتهما في المجتمع على نطاقٍ واسعٍ. ولقد تركا المجلس الوطني لحركة التوحيد والإصلاح. وكانت هذه ضربة موجهة للنشطاء والمناصرين الإسلاميين.
أما على مستوى حقوق الإنسان، فبالإضافة إلى خطاب الكراهية المتداولة، تكشف تفاصيل الحادثة عن انتهاكات للخصوصية وربما ليست هذه المرة الأولى التي تحدث فيها مثل الانتهاكات فمن الممكن أنها حدثت من قبل.
فثمة حادثان تلقيان ظلال الشك على الرواية الرسمية. نُشر الخبر للمرة الأولى على موقع "الأحداث المغربية" الموالي لحزب الأصالة والمعاصرة وذلك قبل بضع دقائق من تجميد حركة التوحيد والإصلاح عضوية بن حامد ونجار في كافة المجالس والهيئات. وعندما سُئل الموقع الإخبارية كيف حصل على السبق الصحفي، أجاب إن أحد مراسليه كان في الموقع وقت وقوع الحادثة.
ولكن من الصعب تصديق هذه الرواية حيث صودف أن تواجد الصحفي عند الساعة السابعة صباحًا في منطقة نائية إلا إذا كان يعلم مسبقًا بعملية التوقيف. وما يثير التعجب أكثر من ذلك لقد تمكّن الصحفي من تسجيل فيديو لحظة وقوع الحادثة، بحسب رئيس تحرير الموقع الذي لا يريد مشاركة الفيديو.
ولكن من غير الواضح ما إذا كان تسجيل الفيديو المذكور قبل أو بعد وصول الشرطة وما هي الأسباب التي تمنع نشره.
من الجدير ذكره أن الشرطة القضائية قامت باعتقال بن حامد ونجار وهما في ستيناتهما، علمًا أن المنطقة النائية تقع تحت مسؤولية الدرك، بينما الشرطة القضائية مسؤولة عن قضايا الإرهاب والاتجار بالمخدرات وغيرها من القضايا الخطيرة.
وعندما تعالت الأصوات في الميدان العام متساءلةً عن أسباب هذا التدخل الاستثنائي، صرّحت إدارة الشرطة في بيانٍ صحفيٍّ أن الشرطة كانت في المنطقة تلاحق تاجر مخدرات وهو السيناريو الذي أدّى إلى مزيدٍ من الشك والجدل.
ثمة العديد من الثغرات في هذه القصة: لما لم يتمّ تحويل القضية إلى الدرك، ولما تم نقل المتهمين إلى الدار البيضاء على بعد 40 كيلومترًا للاستجواب الأولي وما كانت نتيجة مطاردة تاجر المخدرات؟ وما يزيد الطين بلة أنه تمّ تسريب تسجيلات الاستجواب الأولية إلى الصحافة. ولكن الشرطة لم تنكر صحة التسريبات، وكلّها أدلة تشير إلى الجهود الهادفة إلى تشويه سمعة الخصوم السياسيين قبل الانتخابات.
ولكن الاسلاميين المتهمين حصلا على دعمًا كبيرًا من المدافعين عن الدمقراطية الذين أثاروا تساؤلات حول علاقة مراقبة الاتصالات السلكية واللاسكية والافتراءات المزعومة، ذاكرين بعض الحوادث الشبيهة لما حصل. في الواقع، لقد أطرى الملك محمد السادس ورئيس الحكومة عبد الإله بنكيران عمل قوات الأمن خاصةً أنها قد ساعدت بالتصدي للعديد من الهجمات الإرهابية.
وقد قام المغرب بإرسال قوات أمن مغربية إلى الخارج عندما طلب الملك فيليب في بلجيكا رسميًا مساعدة المغرب. هذا بالإضافة إلى طلب فرنسا أيضًا مساعدة الاستخبارات المغربية.
لذلك، بطريقة أو باخرى، يطرح المغرب نفسه كطرف ثالث لإيجاد حلول واستكشاف الأخطاء وإصلاحها في تحديات الاندماج الاجتماعي والتطرف والهجرة إلى أوروبا.
ولكن لا يزال تمثيل المجتمع المدني غائبًا عن الساحة. فالوكالة الوطنية لتقنين المواصلات في المغرب تفتقر لثقافة تعدد اللاعبين. لذا الحدود بين الأمن والخصوصية ليست واضحة المعالم خاصةً أن الدولة تدير مزود خدمة الإنترنت الرئيسي في المغرب والرائد في مجال خدمات الهاتف وهي "شركة اتصالات المغرب".
في الوقت نفسه، يتصدر المغرب لائحة أفضل زبائن شركات المراقبة الإلكترونية. فالسياسيون والنشطاء ومعارضو الدولة ومناصرو حقوق الإنسان كلهم يخضعون للمراقبة ولكنهم ليسوا متطلعين على تفاصيل المراقبة السلكية واللاسلكية ومدى توسعها. لذلك عندما قام هشام منصوري الذي كان ناشطًا في جمعية الصحافة الاستقصائية، بتقرير استقصائي على مراقبة الاتصالات السلكية واللاسكلية أُدخل السجن في عام 2015 بتهمة الزنا والكفر على الرغم من تأكيداته أن عناصر الشرطة قامت بتلفيق القصة كلّها.
وضع النشطاء في صراع مباشر مع قيم المجتمع نفسها التي يدافعون عنها لا يؤثر على سمعتهم وحسب إنما ينسف كل نضالهم.
علاوةً على ذلك، وبموجب قانون صدر مؤخرًا لا يمكن الاطلاع إلا على الوثائق التي تملكها إدارات الخدمات العامة. ومع ذلك تبقى بعض المعلومات ممنوعة إذا اعتبرت أنها تهدد الأمن العام أو إذا كانت ملك لبعض الإدارات التي لا تُعتبر أنها على متصلة مباشرة بالخدمات العامة.
فعلى سبيل المثال، في المغرب، لا تعتبر الشرطة من الموظفين العموميين على عكس المحاكم والبرلمان الحكومات البرلمانية. وفي الوقت نفسه، لا ينص القانون بأي شكلٍ من الأشكال أنّ على الدولة الكشف عن كمية أو نوع المعلومات التي تجمعها وكيفية جمعها.
وتقلق هذه التطورات المراقبون قبل الانتخابات ليس من ناحية شرعية الانتخابات المقبلة وحسب بل حول عملية التحول الديمقراطي بشكلٍ عامٍ.
ولعلّ تشكيل كتلة ديمقراطية عابرة للأحزاب قد يساعد على تذكير كافة اللاعبين على الساحة المغربية أن دور الإدارات ومؤسسات الدولة هو خدمة المصلحة العامة في الداخل قبل أي شيء وأن الديمقراطية هي الشرط الأول لبروز المغرب كمثال استثنائي يميزه عن باقي دول المنطقة.