رام الله، الضفّة الغربيّة - شهدت معبر جسر الملك حسين (اللنبي) البريّ الحدوديّ بين الضفة الغربية وإسرائيل والأردن، خلال شهر تمّوز/يوليو الماضي أزمة سفر خانقة قياسيّة لم تسجّل من قبل، إذ بلغ عدد المسافرين على المعبر (القادمين والمسافرين من الضفة الغربية) 247 ألف مسافر، بحسب احصاءات الإدارة العامّة للمعابر والحدود الفلسطينيّة التابعة للسلطة الفلسطينية.
وقد دفعت أزمة المسافرين على المعابر، المواطن محمّد الحسن (44 عاماً)، القادم من الإمارات العربيّة المتّحدة، إلى الضفّة الغربيّة لقضاء إجازته السنويّة برفقة زوجته وأطفاله الثلاثة في 24 تمّوز/يوليو، إلى استخدام خدمة VIP المستحدثة على المعابر، على الرغم من تكلفتها الباهظة التي تتراوح بين 120 – 150 دولاراً لكلّ شخص.
وقال الحسن الذي يعمل محاسباً في إمارة دبي لـ"المونيتور": "اضطررت إلى استخدام خدمة VIP ، التي تسمح بانتقالنا مباشرة من جسر الملك حسين في الجهة الأردنيّة حتّى معبر الكرامة لدى الجانب الفلسطينيّ، على الرغم من تكلفتها العالية، نظراً إلى الازدحام الكبير على المعابر، والإرهاق الشديد الذي عانينا منه، في ظلّ ارتفاع درجات الحرارة، وتكدّس المواطنين".
خدمة VIP رأت النور في 15 أيّار/مايو، لكن اجراءات التشغيل اخرت انطلاقتها بشكل واسع لترفع وتيرتها من العمل قبل شهر، لكنها اليوم تعمل بفاعلية كبيرة، وهي ناجمة عن اتّفاق بين شركة نقل فلسطينيّة " مكتب تكسي النجمة" من مدينة القدس، وشركة نقل إسرائيليّة (تاكسي)، وشركة سهم ألاردنيّة (تاكسي)، بالتنسيق المباشر مع سلطة مطارات وموانئ إسرائيل، من دون أن تكون للسلطة الفلسطينيّة أيّ علاقة بها، إذ لا يتمّ التعامل بها على الجانب الفلسطيني من المعبر (معبر الكرامة)، بسبب عدم وجود قرار سياسيّ بذلك، حسب ما كشفه مصدر في الإدارة العامّة للمعابر والحدود الفلسطينيّة، رفض الكشف عن هويّته لـ"المونيتور".
وأضاف المصدر أنّ الخدمة تعمل بشكل أكبر للقادمين إلى الضفّة الغربيّة من الأردن، إذ يتمّ نقل من يرغب من جسر الملك حسين في الجانب الأردنيّ إلى معبر الكرامة في الجانب الفلسطينيّ، مروراً بالجانب الإسرائيليّ، في حين أنّ المغادرين لا يستطيعون استخدام هذه الخدمة من معبر الكرامة في الجانب الفلسطينيّ، وإنّما من جسر اللنبي في الجانب الإسرائيليّ وصولاً إلى جسر الملك حسين الأردن.
وأكّد المصدر أنّ شهر تمّوز/يوليو شهد إقبالاً كبيراً من قبل المسافرين القادمين إلى الضفّة الغربيّة على استخدام الخدمة، تجاوز عددهم الـ15 ألف مسافر، ولو اعتمدنا هذا الرقم فأن ذلك يعني أنّ الخدمة جنت ما يقارب المليون والـ800 ألف دولار، إذا اعتبرنا أنّ الرسوم هو 120 دولاراً لكلّ فرد، وهو ما دفع المواطنين والسياسيين وبعض الفعاليات الشعبية إلى اتّهام إسرائيل بالتسبّب بتلك الأزمة، لدفع المسافرين إلى استخدام الخدمة.
وحمّل رئيس الوزراء رامي الحمد الله خلال زيارة تفقّدية إلى معبر الكرامة في 21 تمّوز/يوليو إسرائيل المسؤوليّة الكاملة عن أزمة المعابر التي تمتد على معبر الكرامة وجسر اللنبي والملك حسين، لعدم موافقتها على فتحها 24 ساعة، على الرغم من موافقة الجانب الأردني على ذلك، مشدّداً على رفض الحكومة خدمة VIP للمواطنين بسبب تكلفتها العالية وعدم التنسيق معها، كما أكّدت الحملة الوطنيّة لحريّة حركة الفلسطينيّين (بكرامة) خلال مؤتمر صحفي عقد في معبر الكرامة في 21 تموز/يوليو أنّ الازدحام على معبر الكرامة وجسري اللنبي والملك حسين متعمّد من إسرائيل لدفع الناس إلى اللجوء إلى استخدام خدمة VIP.
وقال مدير عام الإدارة العامّة للمعابر والحدود في السلطة الفلسطينية نظمي مهنّا لـ"المونيتور"، إنّ "خدمة VIP تعمل بها شركات خاصّة بالتنسيق مع سلطة الموانئ الإسرائيليّة، ونحن كسلطة فلسطينيّة، لسنا طرفاً في هذه الخدمة، ولا يوجد هناك قرار سياسيّ بالتعامل معها".
وأضاف: "هناك أسباب كثيرة تحول دون عمل هذه الخدمة على معبر الكرامة الفلسطينيّ، أوّلها عدم وجود قرار سياسيّ من مجلس الوزراء، وثانيها التكلفة الماليّة العالية لهذه الخدمة، ولذلك نحن نستقبل المسافرين المغادرين والقادمين، ونتعامل معهم وفق الإجراءات المتّبعة بصورة اعتياديّة".
ويتيح استخدام خدمة VIP، السفر بسرعة اكبر، في ظروف اكثر راحة، اذ يبلغ متوسّط مدّة السفر من الضفّة الغربيّة إلى الأردن في الظروف الاعتياديّة نحو 4 ساعات، في حين يبلغ متوسّط تكلفة سفر الشخص الواحد نحو 60 دولاراً، إذ ينبغي على المسافر دفع 153 شيكلاً (40 دولاراً) على معبر الكرامة لدى الجانب الفلسطينيّ كضريبة مغادرة تتقاسمها السلطة الفلسطينيّة وإسرائيل، ودولار واحد عن كلّ حقيبة، و23 شيكلاً (6 دولارات) أجرة نقل الشخص الواحد، ومن ثمّ يتمّ ختم جواز السفر والانتقال في حافلة مخصّصة إلى الجانب الإسرائيليّ، بعدما تمرّ عبر بوّابات أمنيّة، لتصل بعد ذلك إلى الجانب الإسرائيليّ، إذ يتمّ فحص جوازات سفرهم والسماح لهم بالمرور، ومن ثمّ الصعود في حافلات من جديد مخصّصة لنقل المسافرين إلى الجانب الأردنيّ لختم جوازات السفر للسماح لهم بدخول الأردن، بعد دفع ما قيمته (14 دولاراً) ضريبة دخول المملكة عن كلّ شخص.
من جانبه، قال المتحدّث باسم الحكومة الفلسطينيّة يوسف المحمود لـ"المونيتور" إنّ "الحكومة ترفض ما فرضته إسرائيل من إجراءات على تنقّل المواطنين على المعابر، ومنها خدمة VIP، وطالبت اسرائيل بوقفها، أو التشاور معها والاتّفاق على تفاصيل الخدمة"، بما يضمن حريّة التنقّل للمواطنين بتكلفة مقبولة وراحة وأمان.
وتعارض السلطة الفلسطينية هذه الخدمة لانه لم يتم التشاور معها على تفعيلها، وبالتالي تحديد حصتها المالية منها، ولتكلفتها العالية على المسافرين
وأشار المحمود إلى أنّ الحكومة طلبت من الإسرائيليّين فتح المعابر 24 ساعة. وأضاف: "وما زلنا ننتظر الردّ النهائيّ من الاسرائيليين، وكذلك إعادة النظر من الاسرائيليين في خدمة VIP، من خلال التشاور مع الحكومة".
بدوره، أكّد مدير النقل العامّ على الطرق في وزارة النقل والمواصلات جمال شقير لـ"المونيتور"، عدم وجود ترخيص لأيّ شركة للعمل بخدمة VIP على الجانب الفلسطينيّ من معبر الكرامة، مشيراً إلى طلبات ترخيص قدّمت إلى وزارة النقل الفلسطينية من قبل بعض شركات التكاسي من اجل تفعيل الخدمة والعمل على معبر الكرامة الذي يخضع لسيطرة فلسطينية، تمّ رفعها إلى مجلس الوزراء من أجل دراستها والنظر فيها.
وأضاف شقير أنّ "الشركة التي تعمل على هذه الخدمة هي شركة تكاسي النجمة، مرخّصة من قبل السلطات الإسرائيليّة كون مقرّها في مدينة القدس، وليس للحكومة الفلسطينية سلطة عليها"، مضيفاً " أنّ تفعيل هذه الخدمة على معبر الكرامة، يحتاج أوّلاً إلى قرار من مجلس الوزراء، ومن ثمّ طرح عطاء في الصحف، لتلقّي الطلبات من شركات التكاسي، وهو الأمر الذي لم يتمّ حتّى اللحظة".
وخلقت أزمة السفر على المعابر الحدوديّة إحراجاً للحكومة الفلسطينيّة أمام الرأي العام، وضغطاً على السلطة الفلسطينية من أجل إيجاد الحلول المناسبةVIP، في ظلّ التوقّعات باستمرار الأزمة على المعابر إلى ما بعد إجازة عيد الأضحى المقبل المتوقّع حلوله في 11 أيلول/سبتمبر، مع انتهاء العطلة الصيفية، واجازات المغتربين، وعودتهم الى اماكن عملهم في الدول الخليجية، وسط مخاوف الفلسطينيين من عرقلة السلطات الاسرائيلية لاجراءات السفر الاعتيادية لدفعهم الى السفر عن طريق تلك الخدمة.