رام الله، الضفّة الغربيّة - تبدو العلاقة الثنائية بين السلطة الفلسطينية واسرائيل في افضل احوالها، اذ لا يزال التنسيق والتعاون يجري بين الطرفين في قنواته الرسمية دون انقطاع، رغم مخالفة ذلك رغبة الفلسطينيين الذين لطالما طالبوا بتحديد العلاقة مع اسرائيل.
وفي اطار هذه العلاقة، شاركت السلطة الفلسطينية ممثلة بعضو اللّجنة التنفيذيّة لمنظّمة التحرير أحمد المجدلاني في مؤتمر"هرتسيليا" الأمنيّ الإسرائيليّ في دورته الـ16، الّذي نظّم بين 14-16 حزيران/يونيو، ما اثار ردود فعل فلسطينيّة غاضبة عبّرت عنها الفصائل الفلسطينيّة ولجان المقاطعة، وصلت إلى حدّ المطالبة بمحاسبته.
اعتبرت الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين في بيان بـ16 حزيران/يونيو مشاركته "طعنة لشعبنا تتطلّب وقفة ومحاسبة جادّة"، فيما اعتبرتها الجبهة الديمقراطيّة في بيانها بـ16 حزيران/يونيو "خطوة مسيئة لنضالات شعبنا وتضحياته، وتحدّ لحملة مقاطعة الإحتلال الإسرائيليّ، إقتصاديّاً وأمنيّاً وثقافيّاً، ممّا يتطلّب إتّخاذ الإجراءات الضروريّة لمنع تكرار ممارسات كهذه"، في حين اعتبرتها حركة "حماس" في بيان بـ18 حزيران/يونيو "سقوطاً وطنيّاً وشرعنة لجرائم الإحتلال واستخفافاً بعذابات شعبنا الفلسطينيّ".
وجاءت الإنتقادات الفلسطينيّة، لما يمثّله مؤتمر هرتسيليا من أهميّة لإسرائيل، باعتباره أحد أهمّ مراكز التفكير الاستراتيجيّ لمستقبل إسرائيل، والّذي انطلق في عام 2000، وخصّص لمناقشة أبرز القضايا المصيريّة الّتي تواجه إسرائيل، وتحديد القضايا والإتّجاهات الناشئة، وتقويم المخاطر المحدقة بإسرائيل في الشرق الأوسط.
ويكتسب مؤتمر هرتسيليا (نسبة الى مدينة هرتسيليا الذي يقام به المؤتمر) الذي تأسس بمبادرة من عوزي آراد الضابط السابق في الموساد الإسرائيلي، والمستشار السياسي لسابق لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قبل 16 عامًا، اهميته من نقطتين هما، الاولى ان المشاركين هم قادة سياسيين وعسكريين، وأكاديميين ودبلوماسيين وخبراء إستراتيجيين من إسرائيل وخارجها، والنقطة الاخرى مناقشة الملفات الاقليمية والدولية ذات التأثير الاكبر على اسرائيل، وكذلك المخاطر الأمنية والتحديات المحدقة بإسرائيل.
واعتبر المجدلاني أنّ الإنتقادات الموجّهة ضدّه مبالغ فيها، وقال لـ"المونيتور": "هذه مشاركة رسميّة مكلّف بها، وهي ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة، لأنّها تعّبر عن نهج منظّمة التحرير السياسيّ وموقفها ورؤيتها بطرح الموقف الفلسطينيّ في كلّ المحافل".
ودأبت السلطة الفلسطينيّة على المشاركة في مؤتمر هرتسيليا في السنوات السابقة، اذ انها بحكم توقيع اتفاقية سلام مع اسرائيل فأنها تتلقى دعوة للمشاركة في المؤتمر، على غرار الاردن ومصر الذي شارك سفيرهما في اسرائيل بالمؤتمر، وذلك طرح موقفها (السلطة) السياسي، والتطورات التي تجري في المنطقة، ورؤيتها للمستقبل.
ولقد بدأت مشاركة السلطة في مؤتمر هرتسيليا عام 2004 ممثلة بأمين سرّ اللّجنة التنفيذيّة في ذلك الوقت ياسر عبد ربّه، في حين شارك رئيس الوزراء السابق سلام فيّاض في مؤتمري عامي 2007 و2010، بينما شارك وزير الأسرى السابق أشرف العجرمي، وعضو مركزيّة "فتح" نبيل شعث سوية في مؤتمر عام 2014.
أضاف: "نحن نريد مواجهة المجتمع الإسرائيليّ ونخبه السياسيّة والأمنيّة برؤيتنا السياسيّة لنثبت أنّنا مع السلام القائم على حلّ الدولتين، وفق قرارات الشرعيّة الدولية".
وأشار إلى أنّ "مؤتمر هرتسيليا هو ساحة اشتباك سياسيّ لطرح الموقف الفلسطينيّ. ولذلك، يجب أن يكون النقاش الفلسطينيّ حول مضمون الكلمة الّتي ألقيتها في المؤتمر، وليس مكانها".
ولم تحمل كلمة المجدلاني اي جديد، اذ انها جاءت وفق مضمون الخطاب السياسي الفلسطيني، المؤكد على تمسكه باتفاقيات السلام، وعلى حل الدولتين، داعيا المؤتمر الى تبنى إستراتيجية السلام انطلاقاً من مبادرة السلام العربية والقائمة على حل الدولتين وإقامة علاقات متكافئة بين كافة دول المنطقة بمن فيهم إسرائيل.
من جهته، قال عضو اللّجنة التنفيذيّة في منظّمة التحرير واصل أبو يوسف لـ"المونيتور": "المشاركة الفلسطينيّة في مؤتمر هرتسيليا عمل خاطئ ومرفوض، لأنّ هذا المؤتمر يؤسّس لمستقبل الإحتلال سياسيّاً وعسكريّاً وإقتصاديّاً، فكيف لنا أن نشارك فيه".
أضاف: "هذه المشاركة في ظلّ حكومة نتنياهو اليمينيّة وانغلاق الأفق السياسيّ واتّساع حملات المقاطعة وعزل إسرائيل، تشكّل طوق نجاة لحكومة نتنياهو لتخفيف عزلتها، وإعطاء مبرّرات لدول عربيّة وإقليميّة لتطبيع العلاقات مع إسرائيل".
وتابع: "اللّجنة التنفيذيّة لم تكلّف أحداً بالمشاركة، وإنّما الرئيس عبّاس فعل ذلك، لكنّ مبدأ مشاركة عضو في اللّجنة التنفيذيّة في مؤتمر كهذا مرفوض تماماً ومدان شعبيّاً وفصائليّاً، كما كلّ المشاركات الماضية".
وتجاهلت المشاركة الفلسطينيّة في المؤتمر، اتّساع حجم حملة المقاطعة الدوليّة لإسرائيل وما تحقّقه من مكاسب، إذ طالبت اللّجنة الوطنيّة الفلسطينيّة للمقاطعة في بيان بـ16 حزيران/يونيو، بمحاسبة أحمد المجدلاني وحلّ لجنة "التّواصل" مع المجتمع الإسرائيليّ (التي تم تشكيلها من قبل القيادة الفلسطينية في عام 2012 للتواصل مع شرائح مختلفة في المجتمع الاسرائيلي) ووقف "التنسيق الأمنيّ" والتطبيع بكلّ أشكاله مع إسرائيل.
وقال المنسّق العام لحركة المقاطعة الـ(BDS) محمود نواجعة لـ"المونيتور": "إنّ المشاركات الفلسطينيّة والعربيّة هي أحد أشكال التطبيع الّذي تستخدمه إسرائيل من أجل فكّ العزلة الّتي باتت تفرض عليها ولو جزئيّاً، ومحارية حركة المقاطعة، وهي بمثابة ورقة توت لإسرائيل لتغطية جرائمها أمام العالم والادعاء أنّ هناك جسوراً للسلام لا تزال قائمة مع الفلسطينيّين".
أضاف: "المستوى الرسميّ الفلسطينيّ (السلطة الفلسطينية) هو الّذي يطبّع مع إسرائيل. لقد شكّل لجنة للتّواصل كي تكون رائدة الّتطبيع مع إسرائيل".
وتابع: "خلال أسبوع إلى أسبوعين، سيكون هناك تحرّك شعبيّ في رام الله من خلال الفصائل الفلسطينيّة واللّجنة التنفيذيّة لمنظمة التحرير للضغط على القيادة السياسيّة من أجل إلغاء كلّ أشكال التطبيع مع الإحتلال".
أمّا المجدلاني فوصف اتّهام مشاركته في المؤتمر بالضربة لحملة المقاطعة بـ"الأوهام والأكاذيب غير الصحيحة"، وقال: "مشاركتي سياسيّة، ولم تتعد إلقاء كلمة في المؤتمر، فنحن لا ندير مفاوضات، ولا نعقد صفقات تجاريّة".
أضاف: "نحن ندعم حركة المقاطعة، ولكن لا يجب عليها أن تسوّق الادعاءات ضدّنا وأن تتحوّل من حركة لمقاطعة إسرائيل إلى حزب سياسيّ معارض للقيادة الفلسطينيّة ومنظّمة التحرير".
من جهته، قال الكاتب والمحلّل السياسيّ خليل شاهين لـ"المونيتور": "السلطة لم تدعم حركة المقاطعة وتتبناه كخيار للعمل به، بل ان موقفها هو استمرار العلاقة مع إسرائيل على كلّ المستويات، وتشجيع التطبيع معها".
أضاف: "العلاقة بين السلطة وإسرائيل، الّتي نشأت بموجب إتّفاق أوسلو، ترسّخ لعلاقة تطبيع وتبعيّة إقتصاديّة وأمنيّة، بالشكل الّذي جعل السلطة أقرب ما تكون إلى وكيل أمنيّ وإقتصاديّ وإداريّ لإسرائيل".
وتابع: "في الوقت الّذي تتعاظم فيه حركة مقاطعة إسرائيل، نجد أنّ السلطة الفلسطينيّة تشارك في مؤتمر هرتسيليا المخصّص لتقوية مناعة إسرائيل السياسيّة والأمنيّة والإقتصاديّة، وهو ما يستوجب على تنفيذيّة منظّمة التحرير التحرّك لتطبيق قرارات المجلس المركزيّ للمنظّمة الصادرة في آذار/مارس من عام 2015 حول تحديد العلاقة مع إسرائيل".
وتشكّل هذه المشاركة ضربة لمصداقيّة قرار اللّجنة التنفيذيّة لمنظّمة التحرير الصادر في 4 أيّار/مايو، والّذي أكّد "البدء الفوريّ بتنفيذ قرارات المجلس المركزيّ الصادرة في آذار/مارس من عام 2015 في خصوص تحديد العلاقات السياسيّة والإقتصاديّة والأمنيّة مع إسرائيل".
إنّ عدم إظهار السلطة الفلسطينيّة عملها ورغبتها في تحديد العلاقة مع إسرائيل، وفقاً لقرارات منظّمة التحرير، وإبقاءها في إطار التنسيق السياسيّ والإقتصاديّ والأمنيّ، سيتيح المجال للمزيد من اللقاءات الثنائيّة، والمشاركة في المؤتمرات على غرار مؤتمر هرتسيليا مستقبلاً، في ظلّ عدم قدرات الفصائل الفلسطينيّة والمنظّمات والفاعليّات الشعبيّة، على خلق ضغط على السلطة من أجل تغيير سياساتها الّتي تدور في فلك الإتفاقيّات الموقّعة بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية.