تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

إلغاء خانة الديانة... مزيد من التطرّف أم قضاء على التمييز؟

حصل جدل حادّ بين النخب السياسيّة في مصر، بعد طرح النائب في مجلس النوّاب علاء عبد المنعم مشروع قانون موقّعاً من 60 نائباً لحذف خانة الديانة من الوثائق الرسميّة في إطار تحقيق المواطنة والإعتماد على الكفاءة في تولّي المناصب القياديّة من دون تعصّب للديانة.
RTX10INK.jpg

القاهرة - بعد أن جمع 60 توقيعاً من نوّاب مصريّين، تقدّم المتحدّث الرسميّ باسم "إئتلاف دعم مصر" النائب علاء عبد المنعم في 1 حزيران/يونيو الجاري إلى مجلس النوّاب بمشروع قانون "المواطنة"، الّذي يتضمّن 18 مادّة، منها المادّة 3، واّلتي تنصّ على أن "تلغى خانة الديانة في بطاقات الرقم القوميّ وكافّة الوثائق والمستندات الرسميّة، ولا يجوز إجبار أيّ مواطن على الإفصاح عن ديانته، إلاّ إذا كان الإفصاح ضروريّاً لترتيب مركز قانونيّ كالميراث أو الزواج".

لقد أثار مشروع القانون جدلاً حادّاً بين مؤيّد يرى أنّ القانون نواة لإذابة عنصريّ الوحدة الوطنيّة "مسلم - قبطيّ" في نسيج واحد على أساس المواطنة، وليس الديانة، فيما رأى معارضون أنّ في ذلك اعتداء على هويّة مصر الإسلاميّة، وأنّ الديانة لا ترتبط فقط بالميراث والزواج، بل تمتدّ إلى تنظيم الشعائر لكلا الطرفين مثل أن المسلم يحتاج إلي تقديم أوراق إلي وزارة الأوقاف كي يقوم بالاعتكاف في شهر رمضان بالمساجد.

وكذلك، تترتّب عليها أوضاع قانونيّة عدّة مثل الشهادة في المحاكم، والّتي لا تقبل بشهادة غير المسلم في المسائل الشرعيّة والأحوال الشخصيّة للمسلمين مثل إثبات جريمة الزنا أو الطلاق.

وعن هذا الشأن، تحدّث رئيس لجنة حقوق الإنسان في مجلس النوّاب النائب أنور السادات فقال: "لست ضدّ القانون ككلّ، ولكن يجب أن نطمئن إلى أنّه لا تنتج منه مشاكل أسريّة وضياع للحقوق أو أن يؤدّي إلى ارتباك بأيّ شكل من الأشكال للدولة، ولن يحدث هذا إلاّ من خلال توافق مجتمعيّ".

أضاف في حديث لـ"المونيتور": "إنّ حذف خانة الديانة من الوثائق الرسميّة الهدف الأساسيّ منه منع التمييز، ولكن التمييز لا يرتبط عادة بذلك، إنّما يكون من خلال المعاملات اليوميّة. ولذا، ناقشنا في لجنة حقوق الإنسان مشروع قانون للمساواة وعدم التمييز من دون أن نفكّر بحذف خانة الديانة، لأنّنا نعلم أنّه ستنتج من هذا الفعل مشاكل كبرى قد تؤدّي إلى مزيد من الطائفيّة".

وهاجم رئيس لجنة الفتوى في الأزهر الشريف الدكتور عبد الحميد الأطرش مشروع القانون قائلاً: "إنّ حذف خانة الديانة من الوثائق الرسميّة أمر لا جدوى من ورائه، فالأصل في الإسلام أنّ لكلّ فرد الحريّة في اعتناق ما يشاء، فلا يوجد إكراه في الدين. لذا، من حقّ كلّ شخص أن يعتقد ما يشاء، ولكن بطاقة الرقم القوميّ بما فيها خانة الديانة هي لتنظيم المعاملات بين الأشخاص وتحقيق الشفافيّة في أن تعرف الآخر، ويترتّب على ذلك تنظيم الشعائر الإسلاميّة والمسيحيّة ودخول الأماكن المقدّسة للمسلمين مثل المساجد وكذلك الكنائس للمسيحيّين. كما يؤدّي القانون إلى ارتباك في علاقة مصر ببعض الدول مثل السعوديّة الّتي توجد أماكن فيها مثل "مكّة المكرّمة" لا يدخلها غير المسلمين".

أضاف الأطرش لـ"المونيتور": "إنّ أيّ قانون يجب أن يكون من ورائه نفع للمجتمع، وهو ما ينعدم في هذا القانون، فلا توجد وظائف يمنع منها المسيحيّون في مصر، فهم موجودون في كلّ مؤسّسات الدولة من دون تمييز. ولذا، فإنّ هذا القانون يغذّي الطائفيّة عن غير قصد بحذف خانة الديانة".

ومن جهته، قال أستاذ الفقه المقارن في جامعة الأزهر الدكتور أحمد كريمة لـ "المونيتور": "إنّ مصر سبق أن تولّى الأقباط فيها مناصب قياديّة مثل رئيس وزراء "بطرس غالي تولي رئاسة الوزارة عام 1908" و"يوسف وهبه تولي رئاسة الوزارة 1919" ورئيس مجلس النوّاب "ويصا واصف تولي مجلس النواب 1928" ووزير المال"مكرم عبيد تولي الوزارة في 1942" "يوسف بطرس غالي تولي الوزارة 2004"، ولا يوجد ما يمنع في الإسلام من وصول قبطيّ إلى كرسيّ الرئاسة حاليّاً لأنّ الوضع اختلف عن دولة الخلافة الإسلاميّة، الّتي كان يقوم فيها الخليفة بدور دعويّ مثل إمامة الرعيّة في الصلاة وخطبة الجمعة إلى آخره بجوار دوره السياسيّ، بينما تقوم الأنظمة الديموقراطيّة الحديثة المدنيّة على التصويت واختيار البرنامج الأصلح، وبالتالي، اختيار أهل الكفاءة حتّى لو كانوا من ديانات أخرى غير الإسلام".

وتجدر الإشارة إلى لا يوجد في الدستور أي نصوص تمنع من تولي القبطي رئاسة الجمهورية.

أضاف كريمة لـ"المونيتور": "إنّ التعصّب الحاليّ وعدم قبول تولّي الأقباط وظائف قياديّة ظهر في عصر السادات، بعدما قام باللعب بورقة الدين، وأدخل تيّارات الإسلام السياسيّ في الحياة السياسيّة، خصوصاً السلفيّين الّذين اشتدّ عودهم في عهد مبارك، منذ عام 1981 وما نخشاه الآن مزيداً من التوغّل السلفيّ في النظام السياسيّ الحاليّ القائم على المواءمات السياسيّة مع الخليج، لا سيّما السعوديّة الّتي تدعم السلفيّين أصحاب الفكر الوهابيّ في مصر".

وبدوره، قال عضو المجلس الملّي العام للكنيسة القبطيّة الأرثوذكسيّة القمص صليب متّى: "إنّ المواطنة هي الإنتماء إلى الوطن، لكنّ الديانة هي علاقة بين العبد وربّه. لذا، أرحب بهذا القانون، وأرى أنّ هناك ضرورة ملحّة لإلغاء خانة الديانة من بطاقة الرقم القوميّ لتعميق المواطنة".

وأشار متّى في حديث لـ "المونيتور" إلى "أنّ كلّ كنيسة تعرف أبناءها، ولا يخشى أن يندسّ غير المسيحيّين وسط الجموع داخل الكنيسة" ، مؤكّداً أنّ الأسرار السبعة مثل المعموديّة، الميرون، الإعتراف، التناول، والزواج لن يحصل عليها غير أقباط تعرفهم الكنيسة"، وقال: هذا القانون إذا تمّ وضعه في قالب جامد من دون تغيير في ثقافة المجتمع لن يجدي في تحقيق مواطنة حقيقيّة. وهنا، يبرز دور الأزهر والكنيسة في تعميق شعور المواطنة من خلال اختيار الخطب الّتي تعمّق هذا الشعور من فوق المنابر في المساجد، وكذلك تقديم محتوى يشجّع على المواطنة من خلال وسائل الإعلام ووزارة الثقافة والتعليم.

وفي السياق نفسه، أكّد محامي الكنيسة القبطيّة الأرثوذكسيّة المستشار رمسيس النجّار ل"المونيتور" "أنّ هذا القانون يجعل جميع المواطنين سواسيّة، وهو ما نصّ عليه في الدستور المصريّ 2014، ويهدف القانون إلى مواجهة الفكر السلفيّ المتشدّد، وجعل المواطنين يذوبون في الجنسيّة المصريّة من دون التعصّب لإنتمائهم الدينيّ"، وقال لـ"المونيتور": "هذا القانون سيتيح لأيّ مواطن قبطيّ - مصريّ تولّي الوزارات السياديّة مثل الدفاع والخارجيّة والداخليّة فمصر الحديثة تبنى بالكفاءات، وليس بالصوم والصلاة".

ومن جهته، قال الأمين العام المساعد لحزب النور السلفيّ الدكتور شعبان عبد العليم "أنّ مشروع القانون الحاليّ هو إفلاس سياسيّ من طارحيه، فبدلاً من أن ينشغل النوّاب بالقضايا الملحّة لنهضة الوطن مثل الإقتصاد والأمن والتعليم يتمّ طرح هذه القوانين لإلهاء المواطنين عن قضاياهم الأساسيّة ."

أضاف شعبان لـ"المونيتور": "إنّ لجان متخصّصة داخل الحزب تقوم بدراسة هذا الشأن وتصعيده للتصويت عليه من خلال مبدأ رئيسيّ أقرّه الدستور المصريّ في عام 2014 في مادّته الثانية، والّتي تنصّ على أنّ "الإسلام دين الدولة، والّلغة العربيّة لغتها الرسميّة، ومبادئ الشريعة الإسلاميّة المصدر الرئيسيّ للتشريع"، فإذا وجدت اللجان أنّ هذا القانون يتعارض مع الدستور سوف نرفضه".

لا يحتاج المصريين لإلغاء خانة الديانة في الوثائق الرسمية لأن التمييز إن وجد ليس تمييز نابع من الحكومة سواء في تولي الوظائف أو في التعامل داخل المؤسسات الحكومية ,إنما الفتن الطائفية في مصر ترتبط بثقافة مغلوطة يجب مواجهتها من خلال نشر الوعي بأهمية المواطنة من خلال التعليم والإعلام.

Join hundreds of Middle East professionals with Al-Monitor PRO.

Business and policy professionals use PRO to monitor the regional economy and improve their reports, memos and presentations. Try it for free and cancel anytime.

Already a Member? Sign in

Free

The Middle East's Best Newsletters

Join over 50,000 readers who access our journalists dedicated newsletters, covering the top political, security, business and tech issues across the region each week.
Delivered straight to your inbox.

Free

What's included:
Our Expertise

Free newsletters available:

  • The Takeaway & Week in Review
  • Middle East Minute (AM)
  • Daily Briefing (PM)
  • Business & Tech Briefing
  • Security Briefing
  • Gulf Briefing
  • Israel Briefing
  • Palestine Briefing
  • Turkey Briefing
  • Iraq Briefing
Expert

Premium Membership

Join the Middle East's most notable experts for premium memos, trend reports, live video Q&A, and intimate in-person events, each detailing exclusive insights on business and geopolitical trends shaping the region.

$25.00 / month
billed annually

Become Member Start with 1-week free trial
What's included:
Our Expertise AI-driven

Memos - premium analytical writing: actionable insights on markets and geopolitics.

Live Video Q&A - Hear from our top journalists and regional experts.

Special Events - Intimate in-person events with business & political VIPs.

Trend Reports - Deep dive analysis on market updates.

Text Alerts - Be the first to get breaking news, exclusives, and PRO content.

All premium Industry Newsletters - Monitor the Middle East's most important industries. Prioritize your target industries for weekly review:

  • Capital Markets & Private Equity
  • Venture Capital & Startups
  • Green Energy
  • Supply Chain
  • Sustainable Development
  • Leading Edge Technology
  • Oil & Gas
  • Real Estate & Construction
  • Banking

We also offer team plans. Please send an email to pro.support@al-monitor.com and we'll onboard your team.

Already a Member? Sign in

Start your PRO membership today.

Join the Middle East's top business and policy professionals to access exclusive PRO insights today.

Join Al-Monitor PRO Start with 1-week free trial