النفط سلعة شديدة التقلبات، وما تشهده السوق خير دليل على ذلك، هذا ما قاله الياس قسيس أمام المشاركين في المنتدى الذي انعقد في بيروت في 26 آيار/مايو الماضي تحت عنوان "آفاق النفط والغاز في لبنان".
قسيس هو نائب رئيس قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في شركة "توتال" الفرنسية العملاقة المتخصصة في قطاع النفط والغاز. لقد طبع العام الفائت نهاية مرحلة استمرت نحو عقد من الزمن، وكان معدل سعر برميل النفط خلالها أكثر من 50 دولاراً. بدأت الأسعار تتراجع في حزيران/يونيو 2014، وعند طباعة هذا المقال، كانت لا تزال دون الخمسين دولاراً على الرغم من تجاوزها تلك العتبة لفترة وجيزة في 26 أيار/مايو. قبل بضع سنوات، كان المحللون يقولون إن سعر المئة دولار لبرميل النفط الواحد هو "المعيار الجديد".
بما أن التنقيب عن النفط والغاز ليس زهيد الكلفة، تتحوّل شركات النفط والغاز بدايةً نحو أقسام التنقيب والإنتاج لديها لخفض التكاليف خلال هبوط الأسعار. قال قسيس إن شركة "توتال" عمدت إلى خفض موازناتها المخصصة للتنقيب والإنتاج، وإرجاء الاستثمارات. بيد أن البحث عن مزيد من الإمدادات لا يتوقف أبداً في شكل كامل. مثالٌ على ذلك عودة شركة "توتال" عن قرار كانت قد اتّخذته في مطلع 2015 بالتخلي كلياً عن جهود التنقيب في قبرص، وذلك بعد اكتشاف حقل غاز عملاق في المياه الإقليمية المصرية المجاورة في أواخر عام 2015، على مقربة من المكان حيث تملك الشركة الفرنسية حقوقاً بالتنقيب.
تحدّث موقع "المونيتور" مع قسيس عن آفاق التنقيب في لبنان. في ما يأتي نص المقابلة التي جرى تنقيحها توخّياً للوضوح:
المونيتور: الجزء الأكبر من المنطقة الاقتصادية الخالصة في المياه اللبنانية، والتي تبلغ مساحتها 22000 كيلومتر مربع (8500 ميل مربع)، مغطّى بمسوحات زلزالية ثنائية وثلاثية الأبعاد. انطلاقاً من تجربتكم في التنقيب والإنتاج، هل يتوافر عادةً هذا الكمّ الكبير من البيانات قبل جولة التراخيص الأولى؟
قسيس: ليس بالضرورة، يتوقف ذلك على مجموعة عوامل.
المونيتور: نظراً إلى توافر هذا الكم الهائل من البيانات، هل يعني ذلك أن التنقيب يمكن أن يبدأ في وقت أقرب بالمقارنة مع عدم توافر أي بيانات على الإطلاق؟
قسيس: ليس الأمر مرتبطاً بوتيرة التنقيب. بل يعني أن هناك بيانات ومعلومات، وعندما تتمكّن من الاطلاع عليها، عليك معالجتها. يساعد توافُر البيانات على كسب الوقت، لكن ما زال عليك أن تنجز فروضك. وهذا لا يلغي أيضاً الحاجة إلى الحصول على بيانات إضافية – أو استنباط البيانات القائمة – لأن ذلك جزء من برنامج العمل الذي يجدر بك أخذه في الاعتبار عند دراسة فرصة ما، لكنه عنصر إيجابي بالتأكيد بالمقارنة مع منطقة لا تتوافر فيها أي بيانات.
المونيتور: على صعيد آفاق التنقيب، كيف يمكن النظر إلى لبنان بالمقارنة مع بعض المناطق الأخرى التي عملتهم فيها؟
قسيس: لست خبيراً في الجيولوجيا، [لكن في شكل عام، عند دراسة منطقة لم يتم التنقيب فيها من قبل]، نعتمد على تحليلنا للإمكانات، وندرس النظائر، والمنطقة في شكل عام. إذا تم اكتشاف نفط أو غاز على بعد بضع مئات الكيلومترات، هذا لا يعني بالضرورة أنك ستعثر على نفط أو غاز في المنطقة المعنية لأن التركيبة الكيميائية قد تكون مختلفة. يمكن أن تكون الطبيعة الجيولوجية مختلفة، لكن عندما يتم اكتشاف النفط أو الغاز في ثلاثة بلدان محيطة بالمنطقة المعنية، مثلاً، هناك احتمال بالعثور على اكتشافات مماثلة في تلك المنطقة. لكنك لن تعرف الجواب إلا بعد القيام بالتنقيب.
المونيتور: عند الحديث عن التنقيب في المياه، هناك فارق بين المياه "العميقة" – أي عمق 500 متر (1640 قدماً) أو أكثر – والمياه "العميقة جداً" – أي عمق 1500 متر (4921 قدماً) أو أكثر. الجزء الأكبر من الموارد النفطية في المياه اللبنانية موجود في المياه العميقة جداً. بالتالي سيكون التنقيب باهظ الكلفة (غالباً ما يُقدَّر متوسط الكلفة بمئة مليون دولار للبئر الواحدة)، وصعباً من الناحية التقنية – ما يعني أن الشركات لا تتمتع جميعها بالمهارات اللازمة للتنقيب في مثل هذه المنطقة. من هذا المنطلق، ما هي أصغر كمية يجب العثور عليها كي يكون الإنتاج مربحاً من الناحية التجارية؟
قسيس: ليس الأمر بهذه البساطة. في الواقع، ثمة عوامل كثيرة يجب أخذها في الاعتبار. يتوقف الأمر على المورد المكتشَف- هل هو الغاز الصرف، أم غاز مع بعض السوائل، أم نفط – ثم على حجم المورد الذي يتم اكتشافه، وعمقه وطبيعته. [إذا وجدت نفطاً أو غازاً في مكان ما بعد حفر بئر واحدة، لا تتوقف عن الحفر في ذلك المكان]. تحصل على فكرة، لكن عليك أن تواصل التقويم كي تحدّد في شكل أفضل حجم الموارد التي رأيتها من أجل الحصول على مزيد من المعلومات عن طبيعة المورد ووضع خطة العمل بالاستناد إلى ما تم اكتشافه. كيف نقوم بالأمر؟ كيف سنقسّمه إلى مراحل؟ أم أننا لن نقسّمه إلى مراحل؟ أي نوع من التكنولوجيا سنستخدم في حال اكتشاف غاز؟ هل نستخدم مثلاً منصّة عائمة؟ أتحدّث في شكل عام، وليس بالضرورة عما يمكن أن يحدث [في لبنان]. [في حال العثور على غاز، يجب السؤال] هل أنقله بواسطة خط أنابيب أم أقوم بتسييله على اليابسة؟ أين أبيعه؟ بعبارة أبسط، هناك كعكة، كيف نقطعها؟ ما مدى صلابة الأعمال [التي يمكن أن يولّدها اكتشاف غاز أو نفط]؟ هذا مهم لجميع الأفرقاء المعنيين، وليس فقط للمستثمر، لأنه في حال خسر طرف معيّن المال، [يتكبّد الجميع العواقب]. [عند الإجابة عن كل هذه الأسئلة]، يمكن اتخاذ قرار بالاستثمار. إذاً إنها عملية متكاملة، ولا تقتصر على بئر واحدة.
المونيتور: في أواخر العام 2015، وجدت شركة "إيني" الإيطالية [للنفط والغاز] حقل غاز عملاقاً في المنطقة الاقتصادية الخالصة في مصر. لكن في الأشهر الاثنَي عشر التي سبقت الاكتشاف، حفرت "إيني" بئرَين في المياه الإقليمية القبرصية وتبيّن أنهما جافان. هل من دروس تعلّمتموها من هذه التجارب؟
قسيس: هناك دائماً دروس. أحياناً نحفر بئراً ونقول "حسناً، حفرنا بئراً". لكن يجب [التذكّر] عند [النظر إلى البيانات الزلزالية أن المسافات تختلف عن المقياس المستخدَم في البيانات]. إذاً أحياناً يمكن أن تحفر بئراً ولا تعثر على شيء لأن التراكم [الذي كنت تسعى إلى اكتشافه بالاستناد إلى البيانات] موجود على بعد بضع مئات الأمتار.