مدينة غزّة - تأسّست حركة "حماس" بجهود من الشباب خلال فترة ثمانينيّات القرن الماضي، لكن من كانوا شباباً في الأمس هم قادة تقدّموا في العمر اليوم، ممّا يترك تساؤلاً عن دور الشباب في حركة "حماس"، الّتي تقود قطاع غزّة منذ فوزها في إنتخابات عام 2006.
فهل يقتصر دور الشباب في الحركة على الجانبين الإعلامي والعسكري؟، ماذا عن القيادة السياسية؟، ولماذا لا يوجد قياديا في حركة حماس أقل من أربعين عاماً؟، وهو عُمر أصغر قادتها؛ عضو المجلس التشريعي الفلسطيني عن كتلة التغيير والإصلاح مشير المصري.
وتبيّن دراسة أجراها معهد دراسات التنمية بعنوان "خارطة المشاركة السياسيّة للشباب في فلسطين" في عام 2014، أنّ متوسّط نسبة مشاركة الشباب بين سنّ 18-35 في حركة "حماس" بالضفّة الغربيّة والقطاع وفي الخارج، داخل المناصب القياديّة العليا تبلغ 0 في المئة. أمّا في الهيئات القياديّة الدنيا فتبلغ 7 في المئة، بينما النسّبة في الهيئات المنتخبة في "حماس" تبلغ 4 في المئة. ويأتي انخفاض هذه النّسب، تزامناً مع ارتفاع وتيرة النّقد عند بعض شباب الحركة، الّذين طالما احتضنتهم الحركة الإسلاميّة.
وفي هذا السياق، أشار أحد شباب حركة "حماس"، الّذي طلب عدم ذكر اسمه، إلى أنّ القيادات في الحركة مشغولة بمصالح سياسيّة ودرجات إجتماعيّة لم تنشغل بها يوماً، وقال: "قيادة الحركة بعيدة عن الشباب الّذين أعطوا أعمارهم لهذه القضيّة، والآن يجدون أنفسهم قد وصلوا إلى الثلاثينيّات من دون أن يحقّقوا شيئاً".
أضاف: "حين كان التّنظيم أهمّ من أيّ مصالح، كنّا نشعر بأهميّة الإنتماء. لقد كان التّنظيم في قلب المواطنين الفقراء قبل أيّ أحد، لكنّ طفرة إجتماعيّة حدثت داخل الحركة بعد أن تولّت شؤون القطاع، ممّا جعل هناك فروقاً طبقيّة في داخلها".
وتابع: الكثير من شباب الحركة يتساءل عن العدالة الإجتماعيّة، ممّا جعله محبطاً، خصوصاً بعد توقّف رواتب الموظّفين منهم، واقتطاع المخصّصات الماليّة للآخرين.
وأشار إلى ألاّ أمل لديه بحدوث تغيّر قريب، ممّا جعله مع مجموعة من الشباب الإسلاميّ يفكّران في مبادرة وطنيّة غير حزبيّة، مبرّراً ذلك بقوله: "التربية الإيديولوجيّة الّتي كبرنا عليها جميعاً نحن جيلا الثمانينيّات والتسعينيّات، لم نجد فيها الخلاص من الأزمات الحاليّة".
ومن جهته، رأى الكاتب الشاب إبراهيم المدهون، وهو من المقرّبين من "حماس"، أنّ الطلب من الحركة الرجوع إلى ما كانت عليه في فترة الثمانينيّات أمر غير منطقيّ، وقال: "كانت الحركة تركّز على العمل الخيريّ وتبحث عن دور، بل كان أعضاؤها أقلاّء، لكنّها الآن في توسّع وانفتاح وتلعب دوراً مركزيّاً في القضيّة الفلسطينيّة" في إشارة إلى أن حماس في فترة الثمانينات كانت حزباً صغيراً وفقيراً.
أضاف: "لا يجوز أن نقارن بين حماس حاليّاً وحماس في الثمانينيّات، فلديها الآن خمسون ألف موظّف وقيادة سياسيّة ممتدّة. كما أنّها تلعب دوراً إقليميّاً، فطبيعة المرحلة تحتّم عليها المزج بين العملين الثوريّ المتمثّل بكتائب عز الدين القسّام والخدماتيّ المتمثّل بالحكومة".
إنّ الإنتقادات الّتي عبّر عنها الشاب لـ"المونيتور" في بداية التّقرير، أصبح من السهل رؤيتها على مواقع التّواصل الإجتماعيّ، ليس فقط من قبل عامّة الشعب، بل من شباب ينتمون أو مقرّبون إلى حركة "حماس".
يعتبر بلال أبو شنب، أحد الشباب الإسلاميّين الّذين تعلو أصواتهم في النّقد. وفي المقابل، هناك من يعيّب عليه هذا النّقد من أبناء الحركة ذاتها ضمن الردود على منشوراته.
في 11 شباط/فبراير الماضي، انتقد الشاب رامي ريّان، الّذي يعمل في وزارة الداخليّة بغزّة، الّتي تقودها "حماس"، قرار شراء 36 سيّارة جديدة للمديرين العامّين، في ظلّ توقّف رواتب الموظّفين، فاعتقلته شرطة غزّة.
وانتق بلال أبو شنب وقتها هذا الإعتقال في منشور له بـ23 شباط/فبراير الماضي، إذ كتب "أوّل شي الأجهزة الأمنيّة بتكون مهمّتها حماية التنظيم من الاختراق، بعدين بتصير مهمّتها حماية المجتمع من الفلتان، بعدين بتصير مهمّتها حماية سيّارات الفورد من العبث الماديّ أو اللفظيّ وملاحقة اللّي مش عاجباهم السيّارات#الحرية_لرامي_ريان، #والله_اللي_فينا_مكفينا".
ورأى إبراهيم المدهون أنّ تصاعد النّقد عند الجيل الشاب في الحركة هو دليل تطوّر، وقال: "وصلت الحركة إلى مرحلة تجعلها قادرة على تحمّل نقد علنيّ من صوت في داخلها".
أضاف: "الأصوات الّتي تنتقد بعض السلوكيّات، إنّما تدلّ على قوّة، فالحركة لم تعد فقط حركة مقاومة، بل هي حركة تمسك بزمام الحكم".
وأكّد أنّ هناك رضى من الشباب نحو ثوريّة "حماس" والتزامها الدينيّ، فالانتقاد يتركّز على آدائها الحكوميّ الّذي يمسّ حياتهم.
أمّا الكاتب أحمد أبو رتيمة، وهو أحد شباب حركة "حماس"، فلا يتّفق مع المدهون، لقد كتب في أحد منشوراته بـ25 شباط/فبراير الماضي على "فيسبوك": "يتغنّى الجميع بمناخ حريّة التعبير الّذي أتاح لأبناء الحركة أن ينتقدوا أفعال حركتهم.. حسناً، ولكن هل تغيّر شيء بعد كلّ هذه الإنتقادات.. ما قيمة حريّة التعبير إن لم تقد إلى تعديل سلوكيّ؟!".
وقال أحمد أبو رتيمة في لقاء مع "المونيتور": "النّقد علامة حيويّة ومؤشّر مطمئن إلى أنّنا غير منقادين في شكل أعمى، بل لدينا غيرة على الحركة لدفعها باتّجاه مبادئ العدالة، الّتي تربّينا عليها، وأرى أنّ مستقبل الحركة يعتمد على وجود هذا النّقد".
وأشار إلى أنّ الحركة احتضنته خلال طفولته وفتوّته في المساجد، لافتاً إلى أنّ "الصدق يملي على الإنسان المصارحة، فالمجاملة والمهادنة تدلاّن على غشّ في الإنتماء." ولفت إلى أنّ "حماس" تعاني من أزمات حكم، في ظلّ ظروف غير طبيعيّة من حصار وتوقّف رواتب، وتلجأ إلى تصرّفات تنتهك العدالة، وقال: "لذلك، يجب نقدها، خصوصاً أنّ مبرّر وجودنا كحركة أنّنا أفضل ممّن سبقنا".
ومن جهته، رأى المتحدّث باسم حركة "حماس" سامي أبو زهري أنّ حركته تولي موضوع الشباب اهتماماً كبيراً عبر الأطر الشبابيّة والمخيّمات الصيفيّة الّتي يشارك فيها الآلاف، وقال: "قيادة حماس عموماَ هي قيادات شابّة، كذلك معظم قيادات المناطق".
وعن المنتقدين، قال لـ"المونيتور": "بعض الشباب غير مطّلع على حقيقة المعلومات بحكم وجوده عند أطراف الحركة، وأحياناً ينتقد الحركة الّتي لا تتحمّل مسؤوليّة هذا النّقد، بل الحقيقة أن هناك من يريد أن يجد لنفسه موقعاً في العالم الافتراضيّ".
أضاف: "نمط العمل داخل حماس يتطوّر بحكم اتّساع حجم الحركة. ولذلك، فهي حريصة على تنمية الروح الوطنيّة والإسلاميّة من دون تكريس الحزبيّة".
يزداد المنتقدون من داخل الحركة للحركة، فبعضهم يغالي في الترك، وبعضهم الآخر يتشدّد دينيّاً، والقليل منهم يبقى على توازن بين الإنتماء والنّقد. ورغم كلّ هؤلاء، إلاّ أنّ هناك دوماً أجيالاً جديدة تحمل توق ورغبة الإنتماء إلى الحركات الإسلاميّة، ولو كان هذا الإنتماء مرحلة موقّتة لا بدّ منها.