كانت لافتة في الأشهر الأخيرة المشاركات الإقليميّة والدوليّة للقياديّ الفتحاويّ عضو اللّجنة المركزيّة السابق لـ"فتح" محمّد دحلان 55 عاماً، بصورة ملحوظة، أكثر من أيّ قياديّ فلسطينيّ آخر، لا سيّما أنّ بعض هذه المشاركات ليست وثيقة الصلة بالموضوع الفلسطينيّ في صورة مباشرة، علماً بأنه أقيل من فتح منذ عام 2011.
نشاط مكوكي
لقد شارك محمّد دحلان في 13 آذار/مارس في مؤتمر تأسيس حزب "الغدّ السوريّ" المعارض برئاسة أحمد الجربا في القاهرة، وشكر متحدّث باسم الحزب، لم يكشف هويته، دحلان لجهوده البارزة في حلّ الأزمة السوريّة. وفي 19 كانون الثاني/يناير، تحدّثت مجلة "جارتشك حياة" التركيّة (Gerçek Hayat) عن مخطّط انقلابيّ متعدّد الجنسيّات ضدّ الرئيس التركيّ رجب طيّب أردوغان، تقوده الإمارات العربيّة المتّحدة بدعم روسيا وإيران، وبإشراف دحلان.
وقبلها، ظهر دحلان في 12 كانون الأوّل/ديسمبر من عام 2015 في اجتماع يترأسه الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين بمدينة سانت بطرسبرغ الروسيّة، خلال افتتاح منتدى الثقافة العالميّ التابع لليونيسكو. كما ألقى دحلان في 18 تشرين الثاني/نوفمبر محاضرة في مؤتمر أمنيّ ببروكسل برعاية حلف الناتو، هاجم خلالها الحركات الإسلاميّة، واتّهم تركيا بدعم تنظيم الدولة الإسلاميّة. وفي نيسان/أبريل من عام 2015، تحدّثت مجلّة "نيوزويك" عن دور كبير قام به دحلان في إتّفاق مشروع سدّ النّهضة بين مصر وإثيوبيا والسودان في آذار/مارس من عام 2015.
وفي هذا الإطار، قال عضو المجلس الثوريّ في "فتح" عبد الحميد المصريّ، وهو أحد المقرّبين من دحلان، لـ""المونيتور": "إنّ دحلان له نشاط مكوكيّ إقليميّ ودوليّ في حلّ بعض المشاكل الناشبة في بعض الدول، ويتمتّع بعلاقات واسعة في الإقليم والعالم، ويحوز على احترام كثير من قادة الدول العربيّة والعالميّة، باعتباره جزءاً من القيادة الإقليميّة، ويتمّ تكليفه بمهام من قادة في الشرق الأوسط، مثل تكليفه من الرئيس المصريّ عبد الفتّاح السيسي بملف مفاوضات سدّ النّهضة، ودوره بتجميع القوى الوطنيّة التونسيّة، وإسهامه في توحيد كلمة المعارضة الوطنيّة السوريّة".
ومن جهته، قال قياديّ كبير رفيع المستوى في "فتح"، رفض كشف هويّته، لـ"المونيتور": "إنّ النشاط السياسيّ لدحلان الإقليميّ والعالميّ ليس لكونه فلسطينيّاً، ولكن بحكم علاقته الوثيقة مع دولة الإمارات، الّتي تصدّره في الملفّات السياسيّة والأمنيّة، ومنحته علاقات ما كان له أن يحصل عليها بصفته قياديّاً فلسطينيّاً فقط، عقب وصوله إليها عام 2011، ويحظى بمعاملة كبار الشخصيات، لكن هذا ليس بالضرورة سيكون مدخلاً تلقائيّاً له كي يصعد إلى مواقع قياديّة فلسطينيّة، لأنّه مفصول رسميّاً من فتح منذ عام 2011".
ويمكن الإشارة إلى أنّ أهمّ العواصم الّتي منحت دحلان هذه الشبكة من الإتّصالات الإقليميّة والدوليّة، هي القاهرة وأبو ظبي، حيث يتمتّع بنفوذ لا يخفى على أحد، باعتباره المستشار الأمنيّ لوليّ عهد الإمارات الشيخ محمّد بن زايد آل نهيان، ممّا منحه نفوذاً قد لا يتوافر لكثير من المسؤولين الإماراتيّين في الدولة. كما يمتلك دحلان موطئ قدم كبير في مصر، عبر علاقته المباشرة بالرئيس عبد الفتّاح السيسي، ممّا جعله يحظى بتأثير كبير في الإعلام المصريّ، فضلاً عن جهوده بشراء بعض المواقع الإخباريّة في الأردن.
وبدوره، قال أحمد يوسف، وهو المستشار السياسيّ السابق لإسماعيل هنيّة رئيس حكومة "حماس" المستقيلة، لـ"المونيتور": "دحلان مرحب به إقليميّا ودوليّا، وطالما أنّ الإنتخابات ليست المعيار الوحيد في الساحة الفلسطينيّة، في ظل الضغوط الإقليمية والدولية في تصدير هذا الزعيم واستبعاد غيره، رغم تأكيد الفلسطينيين على هذا المعيار، فقد تكون حظوظه في الوصول لمواقع قيادية فلسطينية كبيرة متقدّمة على غيره، نظرا لرضى إسرائيل عنه، وعلاقاته المميّزة مع الإمارات ومصر والسعوديّة والأردن والمعارضة السوريّة، فالعلاقات الدوليّة لأيّ زعيم فلسطينيّ قد تكون مؤهّلاً لصعوده في هرم القيادة، فضلاً عن وجود قبول لدحلان في أوساط شباب فتح، خصوصاً في غزّة، وامتلاكه علاقات قويّة مع رموز فلسطينيّة مثل مروان البرغوثي عضو اللجنة المركزية لفتح، المعتقل في إسرائيل منذ 14 عاما، وسلام فيّاض رئيس الحكومة الفلسطينية السابق، وأعضاء في اللّجنة المركزيّة لفتح".
وكان نائب وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق "يوسي بيلين"، قد توقع يوم 16 يناير 2016 أن يصبح دحلان الرئيس الفلسطيني القادم، لأنه براغماتي ذكي، ويجد نفسه مهيأ لخلافة عباس.
ولا تبدو علاقة دحلان مع السعودية بأحسن ظروفها، عقب حملة انتقادات قاسية وجهها أكاديميون ومحللون سعوديون ضده، لاتهامه بتهديد أمن السعودية، والتهجم على علمائها الدينيين.
ربّما يعلم دحلان جيّداً أنّ أحد أهمّ معايير نجاح أيّ قياديّ فلسطينيّ هو امتلاكه لشبكة علاقات إقليميّة ودوليّة تساعده على التوصّل إلى تحقيق طموحه المتمثل برئاسة السلطة الفلسطينيّة أو "فتح"، بجانب ما ينفقه من أموال على مريديه ومناصريه المنتشرين في مختلف الأقطار العربيّة، لاسيما داخل الأراضي الفلسطينية وبين اللاجئين الفلسطينيين في الأردن ولبنان، من خلال المشاريع الخيرية بملايين الدولارات، ومعظمها بأموال إماراتية، بهدف كسب نفوذ له بين الفلسطينيين.
موقف "حماس"
وفي هذا السياق، قال رئيس تحرير صحيفة "المستقبل" الصادرة في الأردن شاكر الجوهري، المطّلع على تحرّكات دحلان، لـ"المونيتور" في اتّصال من عمّان: "إنّ دحلان يحظى بدعم أطراف إقليميّة فاعلة كالإمارات العربيّة والسعوديّة ومصر والأردن. كما وصل تأثيره إلى الفلسطينيّين في لبنان والقارّة الأوروبيّة، بفعل الأموال الّتي يوزّعها على أنصاره فيها، ممّا يجعله منافساً قويّاً حقيقيّاً لأبو مازن، كون دحلان موجود خارج الأراضي الفلسطينيّة، ويبقى بعيداً عن ضربات أبو مازن الّتي قد يوجّهها إلى كلّ من يعارضه داخل فتح، وهذه الجهات الإقليميّة الداعمة لدحلان تستفيد منه على الصعيد الأمنيّ لمواجهة الإخوان المسلمين".
الجدير بالذكر أن العديد ممن وجهوا انتقادات لعباس ممن يقيمون داخل الأراضي الفلسطينية تعرضوا لعقوبات منه، مثل الإقصاء عن المواقع القيادية، أو وقف صرف مستحقات مالية، والتهديد بفصلهم من فتح، وكان آخرها في فبراير الماضي الخلاف الناشب بين الرئيس محمود عباس، وعضو اللجنة المركزية لفتح عباس زكي، وقبلها خلاف عباس مع عضوين في مركزية فتح أواخر 2014 هما محمد غنيم وتوفيق الطيراوي، ولذلك فإن بقاء دحلان بعيدا عن عباس، جعله بمنأى عن أي عقوبات يوجهها عباس ضده.
يمكن الإشارة أن دحلان يحرص في تقربه من الدول العربية، على رفع شعاره بمحاربة الإخوان المسلمين، كون ذلك يشكل هاجساً للدول التي تخشى نفوذ الإسلاميين، وقد أكد في سبتمبر الماضي أن عداءه مع الإخوان المسلمين يمتد إلى 1981، حين كان طالباً في الجامعة الإسلامية بغزة، وبذلك يقدم نفسه رافع لواء محاربة الإخوان المسلمين، مما قد يقربه من عواصم التأثير السياسي في المنطقة.
وفي غمرة الحراك الخارجيّ لدحلان وسعيه إلى تحقيق نفوذ إقليميّ ودوليّ، يبدو أنّ الدور الداخليّ ليس أقلّ أهميّة، لا سيّما عند النّظر إلى موقف "حماس"، الّتي لديها تاريخ طويل من العداء بينها وبين دحلان، منذ أن كان رئيساً لجهاز الأمن الوقائيّ في غزّة، واعتقل المئات من كوادرها بين عامي 1995-2000، بسبب ضلوعهم في عمليات مسلحة ضد إسرائيل.
وقال عبد الحميد المصري لـ"المونيتور": "إنّ حماس تعتمد مبدأ البراغماتيّة في علاقاتها مع دحلان، رغم ما بينهما من خصومة سابقة، وإن كانت تخشاه أكثر لأنّها تعلم أنّه يشكّل لها منافساً قويّاً، ولا أرى أنّ لدى حماس فيتو نهائيّاً عليه، ويمكن أن تتوصّل معه إلى صيغة ما للحفاظ على مصالحها".
وأوضح شاكر الجوهري لـ"المونيتور" أنّ "علاقة دحلان مع حماس ليست سيّئة، نظراً لوجود خصم مشترك لهما يتمثّل في الرئيس الفلسطينيّ محمودعبّاس"، في حين قال أحمد يوسف لـ"المونيتور": "إنّ حماس تعتبر السياسة مفتوحة على كلّ الخيارات، وقد يسعى دحلان إلى نيل رضى حماس أو عدم وجودها في موقف معارض لصعوده، لأنّه يعلم أنّ من تعارضه حماس ستكون فرصه ضعيفة بالفوز في أيّ إنتخابات مقبلة".
في كل الأحوال، ربما تطوي حماس صفحة عدائها التاريخي لدحلان، إن توصلت معه لتفاهمات معينة، وهو أمر وارد في السياسة الفلسطينية، فليس هناك صداقات دائمة، ولا عداوات دائمة، هناك مصالح قد تدفع الخصوم لأن يلتقيان في منتصف الطريق.
وأخيراً، تتزايد فرص دحلان بالصعود في المواقع القيادية الفلسطينية، وصولاً إلى الرئاسة، بنيل رضى الإقليم والعالم رويداً رويداً، ممّا قد يرفع من أسهمه بالصعود التدريجيّ ليكون الخليفة المرتقب للرئيس الفلسطيني، رغم ما قد تعترضه من ألغام داخليّة سواء من خلال عدم وجود توافق عليه داخل "فتح"، أو العقبة الكأداء المتمثّلة بعداء "حماس" التاريخيّ له.