اشتعلت المعركة بين الرئاسة والجهاز المركزيّ للمحاسبات، وتحديداً بين الرئيس عبد الفتّاح السيسي ورئيس الجهاز المستشار هشام جنينة لتصل الأزمة إلى محطّة يراها الكثير أنّها نهاية معركة بدأت عقب مظاهرات 30 حزيران/يونيو من عام 2013، حيث يعدّ المستشار هشام جنينة آخر المسؤولين الّذين عيّنهم الرئيس الأسبق محمّد مرسي، إذ عيّن في أيلول/سبتمبر من عام 2012. وبعد مظاهرات 30 حزيران/يونيو من عام 2013 الّتي أقيمت ضدّ حكم محمّد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين، اتّجهت الأضواء إلى هشام جنينة باعتباره مسؤولاً في جهاز رقابيّ ينتمي إلى نظام مرسي، فوجّهت الإتّهامات إليه بانتمائه إلى جماعة الإخوان لينفي جنينة إنتمائه إلى أيّ فصيل سياسيّ.
واستمرّ جنينة في منصبه الّذي كان وقتها غير قابل للعزل، إذ لا يستطيع رئيس الجمهوريّة عزل رئيس الجهاز المركزيّ للمحاسبات، الّذي بدأ بالكشف عن وقائع فساد وسط حملات إنتقادات واتّهامات له بالإنتقام من النّظام الحاليّ لإنتمائه إلي الإخوان، ليعقد مؤتمراً صحافيّاً يعلن فيه عن فساد حدث في عهد مرسي، وصرّح وقتها بأنّ مرسي رفع ميزانيّة الرئاسة 100 مليون جنيه وزاد مصاريف الوجبات في عهده، لكنّ ذلك لم يشفع له، وإنّ الخلاف بين جنينة وعبد الفتّاح السيسي لم يمنع لقاءهما في قصر الإتحاديّة من قبل.
وبدأ الخلاف يطفو على السطح، عندما أصدر السيسي قانوناً يتيح له عزل رؤساء الهيئات الرقابيّة، لكنّ جنينة أكّد أنّ الرئيس لا يستطيع عزله وفقاً للمادّة 20 من قانون الجهاز المركزيّ للمحاسبات، لتستمرّ جولات الصراع في شكل أكثر وضوحاً. وبعد فترة، أصدر السيسي قراراً بتعيين نائبين لجنينة، هما: هشام بدوي ومنى صلاح.
وجاءت لحظة الصدام بتصريح جنينة أنّ 600 مليار جنيه بلغت تكلفة الفساد في عام 2015، واعتبر مؤيّدو السيسي هذا التّصريح اتّهاماً مباشراً للدولة وإساءة لسمعة الرئيس نفسه، لينفي الجهاز المركزيّ للمحاسبات على لسان متحدّثيه التّصريح – الأزمة، موضحاً أنّ المقصود من التّصريح أنّ 600 مليار جنيه تكلفة الفساد خلال 4 سنوات وليست في عام واحد، لكنّ الرئاسة لم تقبل بهذا النفي فأصدرت قراراً بتشكيل لجنة تقصّي حقائق للكشف عن تصريح جنينة، الّذي استند إلى دراسة أعدّها الجهاز، بناء على طلب وزارة التّخطيط. وبالفعل، تشكّلت اللّجنة من رئيس هيئة الرقابة الإداريّة ويساعده في ذلك المستشار هشام بدوي، إضافة إلى ممثّلين عن 3 وزارات، هي: الداخليّة، الماليّة، والتّخطيط. وعلّق جنينة على قرار تشكيل اللّجنة بأنّه قرار أثلج صدور المصريّين وأكّد حرص الرئيس على كشف الفساد.
وبعد أيّام عدّة، أصدرت اللّجنة بياناً تفصيليّاً شديد اللّهجة للتّعليق على تصريح جنينة، أذيع على التلفزيون المصريّ، واتّهمت فيه اللّجنة جنينة بمحاولة التّضليل والتّضخيم والإغفال المتعمّد وإساءة استخدام لفظ الفساد، وقرّرت اللّجنة إرسال تقريرها إلى مجلس النّواب، وتكليف اللّجنة الوطنيّة لمكافحة الفساد برئاسة رئيس مجلس الوزراء، والّتي تضمّ كلّ الجهات المعنيّة، بمراجعة البنود الّتي شملتها الدراسة محلّ الفحص تفصيلاً والتأكّد من إتّخاذ الإجراءات القانونيّة في كلّ واقعة.
وتوعّد جنينة بالردّ الحاسم على تقرير لجنة تقصّي الحقائق وتأكيد دراسة الجهاز الّتي كشفت أنّ 600 مليار جنيه تكلفة فساد 4 سنوات، لكنّه أرجأ الردّ إلى ما بعد احتفالات 25 كانون الثاني/يناير المقبل، ليعلن القياديّ في "إئتلاف دعم مصر" النائب مصطفى بكري أنّه نجح في جمع توقيع 90 نائباً لإحالة جنينة على النيابة، وأنّ رئيس مجلس النوّاب الدكتور علي عبد العال وافق على عقد جلسة عامّة لمناقشة تقرير لجنة تقصّي الحقائق حول تقرير الجهاز المركزيّ للمحاسبات بوجود فساد يقدّر بـ600 مليار، ليواجه جنينة الدولة بكلّ مؤسّساتها من رئاسة وبرلمان.
وطالب النائب هيثم الحريري في تصريحات صحافيّة بتشكيل لجنة من داخل مجلس النوّاب، إضافة إلى لجنة تقصّي الحقائق للإطّلاع على الحقائق كاملة، وأنّ رئيس الجهاز المركزيّ للمحاسبات أصدر التقرير بناء على طلب للتّدقيق قدّمه بعض الوزارات، أيّ أنّه لم يسع إلى فضح الفساد، بل جمع الوقائع المقدّمة من الوزارات ودقّق فيها، وبناء عليه أصدر التقرير، مشيراً إلى أنّ هذا يؤكّد أنّ جنينة لا يسعى إلى التّشويه بل قام بواجبه، لافتاً إلى أنّه لا يدافع عن أشخاص بعينهم، بل عن مؤسّسة كاملة تؤدّي واجبها.
ومن جهته، قال الدكتور شوقي السيّد لـ"المونتيور": "إنّ المستشار هشام جنينة رئيس الجهاز المركزيّ للمحاسبات ينتظر سيناريوهات عدّة، أوّلها أن يتم استدعاؤه إلى جلسة عامّة لمناقشة دراسته وتقرير لجنة تقصّي الحقائق، وإذا لم يحضر فستتمّ مناقشة التّقرير في غيابه، وفي حال ثبوت الإتّهامات المذكورة في تقرير لجنة تقصّي الحقائق فيحقّ للبرلمان أن يحيل جنينة على جهة تحقيق، أو منحه إجازة مفتوحة إلى حين انتهاء التحقيقات أو إصدار توصية للرئيس لتعيين آخر باعتبار أنّ الدستور يقرّ أن يعيّن الرئيس رئيس الجهاز المركزيّ للمحاسبات بعد الرجوع إلى البرلمان".
أضاف: إنّ تقرير لجنة تقصّي الحقائق أحيل على رئيس الوزراء باعتباره رئيس اللّجنة الوطنيّة لمكافحة الفساد، ودوره مراجعة دراسة جنينة وتقرير اللّجنة للردّ عليهما.
وأكّد رئيس الوزراء شريف إسماعيل أنّه تمّ تكليف مجموعات عمل لمراجع تقارير الجهاز المركزيّ للمحاسبات، بعد أزمة جنينة.
وبدوره، أعلن وكيل مجلس النوّاب النائب سليمان وهدان في تصريحات صحافيّة أنّه إذا ثبت أنّ ما أعلنه جنينة غير صحيح، فذلك يعني أنّ نواياه غير صادقة وهادمة لشعب مصر. وبالتّالي، سيتقدّم النوّاب ببلاغ إلى النائب العام ضدّ ما فعله، لأنّ الرقم الّذي تحدّث عنه مبالغ فيه".