القاهرة – بعد خمس سنوات مُنذ انطلاق ثورة 25 يناير، لا يزال شعار الثورة ( العيش والحرية والعدالة الاجتماعية) يغازل أحلام المصريين، فرغم تبنى الحُكومات المُتعاقبة والإدارة السياسية الآن مشروعات تنموية ضخمة تسعى من خلالها كسب ود الشعب، تبقى معدلات الفقر والبطالة والفساد الإداري وانتهاك الحريات مرتفعة.
الهجرة والسجن وعدم الإكتراث بالشأن العام كانت مصير ثلاثة شباب تحدث معهم "المونيتور" كانوا من النشطاء الفاعليين خلال ثورة 25 يناير وما تلاها من أحداث، مؤكدين جميعاً أن المشهد العام أصبح مُحبط لأغلب من شارك في الثورة بعد الدخول في دوامات وصراعات سياسية حالت دون تحقيق أهداف الثورة.
يقول ضياء عبد الرحمن، 29 سنة، المحتجز منذ عامين ونصف دون خضوعه لأي محاكمات حتى الآن في رسالة تلقاها "المونيتور" عبر شقيقه : " كل ما نحلم به هو المثول أمام القضاء حتى وإن لم نرتكب أي جرائم بدلاً من تركنا في السجون دون مُسائلة"، مضيفاً : " نحن مجرد رقم لا قيمة له لدى السلطات لا يدركون حتى ما اذا كنا جناه أو مجني عليهم".
ويضيف سامح الجبالي، 31 سنة، وهو طبيب شارك في المستشفيات الميدانية خلال أحداث الثورة، "هاجرت إلى إحدى الدول الأفريقية للعمل بعد يقيني بعدم تحقيق أي تغير في مصر، ولم أستطيع تحمل أي ذكرى لشهيد تلقيناه في المستشفى الميداني أو مصاب كان في حالة خطيرة وأري أنهم ذهبوا سُدى".
على جانب آخر، يقول سمير حسني، مهندس 27 سنة، " الخمس سنوات الآخيرة كشفت كل صراعات المجتمع وطوائفه السياسية .. والآن مستمتع بمشاهدة من يتصدرون المشهد من بعيد .. ودورنا لم يأتي بعد".
ومع الخطط والبرامج الحكومية الطموحة التي يُعلنها المسئوليين من أجل تحسين مستوى معيشة المواطن، لا تزال هناك اخفاقات كبيرة في ملفات الإصلاح الاقتصادي وتحقيق العدالة الإجتماعية وتشغيل الشباب، حيث ارتفع معدل التضخم إلى 11% وفقاً لتقديرات البنك المركزي، وارتفعت نسب البطالة بشكل كبير خاصة مع الأضرار التي لحقت بالقطاع السياحي، كما قدرت جهات رقابية ارتفاع حجم فاتورة الفساد لنحو 600 مليار جنية، وارتفاع حجم الدين العام لأكثر من 900 مليار جنية محلياً و32 مليار دولار دولياً بسبب التوسع في سياسات الاقتراض.
ورغم ما تَحّقق من مؤشرات ايجابية لعودة الأمن للشارع المصري خلال العاميين الآخيرين بعد سلسلة متعاقبة من التفجيرات والأنشطة الإرهابية في عدد من المحافظات المصرية منذ عام 2013 حتى 2015، إلا أن هذا التحسن كان على حساب مساحة الحريات وحقوق الإنسان، حيث رصدت المنظمات الحقوقية تصاعد ظاهرة الإختفاء القسري خلال عام 2015، وحالات التعذيب والإهمال الطبي وسوء المعاملة في أماكن الإحتجاز، كما اشتكى الصحفيين من ممارسات التضيق عليهم وعودة القبض على الصحفيين والتحقيق مع البعض من خلال النيابة العسكرية.
يقول خالد عبد الحميد، الناشط السياسي ومؤسس حملة الحرية للجدعان، في حديث مع "المونيتور": " الآن تمارس كل أدوات انتهاك الحريات بشكل غير مسبوق حتى خلال حكم مبارك، فالأمر لم يعد تنفيذ اعتقالات أو اختفاء قسري ولكن هناك تصفيات مباشرة دون أي محاكمات".
ويضيف عبد الحميد: "لا ننتظر أن تتحقق شعارات الثورة بهذه السهولة، نحن أمام عملية تغيير طويلة ومعقدة .. لكن لا شك أن ما يحدث الآن هو هزيمة للثورة".
ويرى عبد الحميد: "لا اعتقد ان يحدث اختراق كبير أو أن يتكرر مشهد يناير 2011 مرة آخرى مع حلول الذكرى الخامسة للثورة، إلا اذا عادت القوى الثورية الحقيقية واجتمعت على عودة المسار الثوري دون خلافات".
ويبقى المشهد السياسي في مصر بحلول الذكرى الخامسة للثورة يشوبه حالة من الهدوء الحذر، فمع استبعاد المراقبون لامكانيات الحشد الشعبي في الميادين مرة آخرى، وتخوف البعض من التظاهرات التي قد تجلب مزيداً من العنف والفوضى الأمنية، استبقت الحكومة والأجهزة الأمنية الأحداث بنشر قوات أمنية مكثفة من الجيش والشرطة ليس فقط لتأمين المنشآت الحيوية في القاهرة والمحافظات ولكن انتشرت دبابات الجيش والشرطة العسكرية تحمل لافتات مكتوب عليها " قوات حماية المواطنين" في الشوارع الرئيسية والميادين بخاصة ميدان التحرير، وقال بيان لوزارة الدفاع أن " نشر هذه القوات لردع كل من تسول له نفسه المساس بأمن الوطن".
وكانت الأيام الأخيرة قبيل حلول الذكرى الخامسة للثورة منذ بداية شهر يناير قد شهدت العديد من المداهمات الأمنية وحملات التفتيش للعقارات والوحدات السكنية بمنطقة وسط القاهرة حول ميدان التحرير، كما داهم الأمن مراكز ثقافية منها دار ميريت للنشر، قبيل تنظيم حفل توقيع لكتاب عن الفساد، ومسرح روابط وجاليري تاون هاوس، وهي مراكز ثقافية تقدم عروض فنية لفرق شبابية، وبعض المقاهي التي يتردد عليها مجموعات من الناشطيين السياسين.
واتجهت الأجهزة الأمنية لاعتبار المشاركة في ثورة يناير جريمة، حيث ألقت القبض على طاهر مختار، عضو لجنة الحقوق والحريات بنقابة الأطباء، في 14 يناير، ونسبت له تهمة المشاركة في الثورة في محضر تحقيقات النيابة، وهو ما استنكره مجموعات من النشطاء السياسين وأطلقوا بيان وحملة للتدوين على مواقع التواصل الاجتماعي سميت ( أنا شاركت في ثورة يناير)، وطالبوا بالافراج الفوري عن الشباب المحبوسين واحترام الحق في التظاهر السلمي والذي يكفله الدستور.
في تطور آخر، أعلنت مجموعة من الشباب أطلقت على نفسها اسم (العقاب الثوري) مسئوليتها عن تنفيذ حادث تفجير شقة سكنية في حي الهرم بمحافظة الجيزة، والذي وقع يوم 21 يناير وراح ضحيته 9 قتلى بينهم 6 من الشرطة، حيث جاء هذا البيان مغايراً لبيانات الكيانات المنسوبة لتنظيم الدولة، حيث أبدى تمسكهم بمبادئ بثورة 25 يناير معتبريين أن هذه العملية مرحلة جديدة من العمل الثوري المقاوم والقصاص لشهداء الثورة.
ويبقى المشهد العام في مصر متأثراً بدرجة كبيرة بالحراك الثوري الذي بدأ في يناير 2011 وأسقط نظام مبارك، حتى وإن هدأ الشارع المصري إلا أن حالة عدم الارتياح تجاه الاخفاقات السياسية والاقتصادية قد تعيد مشهد الاحتجاجات مرة أخرى.