ما برحت المملكة العربيّة السعوديّة تعلن في 15 كانون الأوّل/ديسمبر 2015 عن إنشاء التحالف الإسلاميّ العسكريّ لمحاربة الإرهاب والذي ضمّ لبنان إلى جانب 33 دولة أخرى، مستثنية إيران، سوريا والعراق، حتّى انهالت ردود الفعل من الأطراف اللبنانيّة، بما يشبه الولاء الكامل للسعوديّة أو العداء الأعمى لها. فمنها من بارك الخطوة، خصوصاً القوى السنّيّة المتحالفة مع المملكة مثل تيّار المستقبل، ومنها من سارع إلى رفضها، أمثال القوى الحليفة لإيران مثل حزب الله والتيّار الوطنيّ الحرّ. هكذا وفجأة، أضيفت مادّة خلافيّة جديدة على سجال مشتعل بين مناصري كلّ من إيران والسعوديّة في البلد الصغير. خطوة لم تعمّق الانقسام الداخليّ فحسب، إنّما زادت من غوغائيّة المشهد السياسيّ اللبنانيّ. وأضعف ذلك الحكومة اللبنانيّة، فكلّ وزير يغنّي على ليلاه ويدلي بموقف من المبادرة السعوديّة مختلف عن الآخر. لا يزال النقاش الديمقراطي الذي يركّز فقط على مصلحة لبنان الوطنية بدلاً من التركيز على رعاة الحروب بالوكالة مثل إيران والسعودية بعيد المنال.
فبينما أكّدت دول عربيّة ودوليّة مثل بريطانيا وتركيا ومصر في بيانات رسميّة تأييدها توجّه المملكة العربيّة السعوديّة– حتّى موسكو أعلنت أنّها سوف تدرس التحالف العسكريّ الإسلاميّ- انقسم لبنان الرسميّ حول هذه المسألة. وقالت وزارة الخارجيّة اللبنانيّة، في بيان رسميّ في 15 كانون الأول/ديسمبر إنّها "لم تكن على علم مسبق بالموضوع وإنّها لم تستشر لا من قريب ولا من بعيد"، معتبرة أنّ الأمر "يمسّ بموقع لبنان، وصلاحيّات وزارة خارجيّته". أمّا رئيس الوزراء اللبنانيّ تمّام سلام وغداة الإعلان عن إنشاء التحالف، فقد عبّر عن ترحيبه بهذه المبادرة في تصريح نشره مكتبه الصحفي انطلاقاً من "كون لبنان على خطّ المواجهة الأماميّ مع الإرهاب، حيث يخوض جيشه وكلّ قوّاته وأجهزته الأمنيّة معارك يوميّة مع المجموعات الإرهابيّة". من جهّته، اعتبر ممثّل حزب الكتائب وزير العمل سجعان قزّي في حديث تلفزيونيّ مع قناة MTV، أنّ لبنان، كدولة مدنيّة، لا يجوز له الانضمام إلى حلف إسلاميّ أو مسيحيّ. أمّا وزيرة المهجّرين والقريبة من الرئيس السابق والمدافع عن نظريّة تحييد لبنان عن الصراعات الإقليميّة العماد ميشال سليمان، أليس شبطيني، فقد اكتفت بالقول في مقابلة مع إذاعة صوت لبنان في 15 كانون الأول/ديسمبر إنّها لم تطّلع على "قرار انضمام لبنان إلى التحالف الإسلاميّ العسكريّ".
جاء الموقف الأوّل المؤيّد لقرار الرياض، وبعد ساعات قليلة على إعلانه، على لسان زعيم تيّار المستقبل ذي الأغلبيّة السنّيّة سعد الحريري، حيث وصف "الخطوة بالتاريخيّة" من أجل مواجهة "معضلة سياسيّة وأمنيّة وفكريّة تهدّد الوجود الإسلاميّ وتعايشه مع المجتمعات الدوليّة"، من دون أن يغفل "التحيّة إلى القيادة السعوديّة". وعلى طرف نقيض من هذا الموقف، أعلن حزب الله في تصريح صحفي في 17 كانون الأول/ديسمبر أنّ الأمر "دبّر على عجل وفي شكل مشبوه"، كما شكّك في "جدارة السعوديّة" في قيادة تحالف من هذا النوع، و"هي التي تتحمّل مسؤوليّة الفكر الإرهابيّ المتطرّف والمتشدّد". والملفت في موقف حزب الله، هو عودة النبرة المنتقدة للولايات المتّحدة الأميركيّة، حيث أنّه اعتبر الخطوة السعوديّة "استجابة لقرار أميركيّ".
هكذا تدور في اختصار على الساحة اللبنانيّة معركة بين مؤيّد للسعوديّة ومعادٍ لها، موالٍ لإيران ومعادٍ لها، وذلك على خلفيّة الصراع الدائر بين هاتين القوّتين الإقليميّتين في اليمن وسوريا والعراق. ولكن، وبغضّ النظر عن صراع الكبار، هل للبنان مصلحة في قيام تحالف من هذا النوع؟ خصوصاً أنّ الإرهاب عاد ليدقّ أبوابه في الفترة الأخيرة، وليس تفجير الضاحية الجنوبيّة سوى الدليل الساطع على ذلك. فحزب الله، أكثر المنتقدين للمبادرة في مواجهة الإرهاب، هو الأكثر عرضة لنيران هذا الإرهاب أكان في معاركه في الداخل السوريّ أم في ما تتعرّض إليه معاقله الشعبيّة من تفجيرات دمويّة، وليس تفجير برج البراجنة الذي وقع في 12 تشرين الثاني/نوفمبر 2015 سوى أبلغ دليل على ذلك. وقد حصلت انفجارات أخرى في حارة حريك في 2 كانون الأول/ديسمبر 2014 وفي بير العبد في 9 تموز/يوليو 2013.
يقول الخبير العسكريّ الجنرال خليل الحلو، وهو ضابط متقاعد خدم في الجيش اللبنانيّ، لـ"المونيتور" إنّه ليس من الحكمة أبداً تجاهل المبادرة السعوديّة، فلبنان الذي هو في مواجهة، لا بل في حالة حرب مع الإرهاب، لديه "مصلحة أن يرى السعوديّة رأس حربة في هذه المواجهة، لا سيّما أنّ للسعوديّة ثقلاً في لبنان". وهو يشير إلى حلفائها في الطوائف السنّيّة والدرزيّة والمسيحيّة. ثمّ يضيف: أليس من مصلحة لبنان في ظلّ الغليان المذهبيّ الحاصل والتطرّف السنّيّ المتمثّل في المنظّمات التكفيريّة أن يرى "السعوديّة التي تمثّل سنّة الاعتدال تحمل راية مواجهة هؤلاء التكفيريّين؟" ويضيف أنّ السعوديّة ترمي في خطوتها الأخيرة إلى قطع الطريق أمام تمدّد "داعش" إلى قلوب السنّة بعدما استغلّت شعورهم بالكبت والتهميش. يجب التذكير بأنّ انتحاري جبل محسن كان لبنانياً سنياً جنّدته داعش. فـ"وحدها قوّة سنّيّة قادرة على مواجهة قوى سنّيّة تكفيريّة، كلّ ما عدا ذلك قد يؤجّج التوتّر المذهبيّ ويشكّل دافعاً للموجة التكفيريّة". ويخلص حلو إلى أنّ "استعداء السعوديّة والحملات ضدّها ليست في محلّها، خصوصاً أنّ السعوديّة التزمت مساعدة الجيش اللبنانيّ في خطوة فريدة في كانون الثاني/يناير 2014، حيث قدّمت على دفعتين مبلغ 3 مليارات دولار إلى الجيش اللبنانيّ، وقد صرف من هذا المبلغ وحتّى اليوم قرابة المليار دولار لشراء معدات عسكرية"، معتبراً أنّ "التنسيق مع السعوديّة حتميّ".
قد يكون حلو على حقّ. فلا بدّ للبنان من التنسيق مع المملكة العربيّة السعوديّة لما قدّمته من دعم إلى الجيش اللبنانيّ، وللجهد التي تبذله في مواجهة الخطر المشترك، وأيضاً لما تمثّل من اعتدال سنّيّ. قد يكون الانخراط الكامل في التحالف في ظلّ الصراع المتنامي بين إيران والسعوديّة بمثابة انحياز إلى جانب هذه الأخيرة. ومن هنا، هناك خيار ثالث يقضي بالتنسيق الكامل مع التحالف الإسلاميّ العسكريّ من دون الانخراط فيه، وذلك عملاً بمبدأ الحياد الضامن لاستقرار لبنان. هذا خيار لبنانيّ صرف، فهل من ينطق به؟