تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

رفض العمل في متحف جنيف... أمهر نحّاتي غزّة يقلّد آثار الحضارات ليحافظ على الأصل

استطاع نافذ عابد، أمهر نحّات في قطاع غزّة بخبرته التي امتدّت على مدى 35 عاماً أن يقلّد كلّ أنواع الآثار مهما كانت دقّتها وصعوبتها ولأيّ عصر من العصور انتمت، وذلك في محاولة للحفاظ على الآثار الأصليّة.
Trace_1.jpg

غزة، قطاع غزّة - على سطح أحد منازل مخيّم الشاطئ غرب مدينة غزّة، تقع غرفة صغيرة سقفها من الصفيح ونوافذها من البلاستيك، هي عبارة عن ورشة النحّات الفلسطينيّ نافذ عابد، والتي ما إن تدخلها حتّى تنبهر بالأشكال والمنحوتات الأثريّة التي قام بصناعتها والتي يعود تاريخ صناعة بعضها إلى عشرات السنوات.

فالنحّات عابد والبالغ من العمر 55 عاماً بدأ موهبته تلك أثناء اعتقاله في سجون الاحتلال الإسرائيليّ خلال الانتفاضة الأولى في عام 1988، حيث بدأ بنحت بعض الأعمال الفنيّة داخل السجن. وما إن خرج في عام 1989 حتّى بدأ يشقّ طريقه إلى حرفته شيئاً فشيئاً إلى أن أصبح من أمهر النحّاتين في غزّة.

اتّقانه وحرفيّته في تقليد الآثار القديمة وترميمها دفعا بالسلطة الفلسطينيّة إلى توظيفه في وزارة السياحة والآثار في عام 1994، وتدرّج في مناصبها حتّى وصل إلى منصب نائب مدير قسم ترميم الآثار في الوزارة، وسافر بعد ذلك إلى العديد من البلدان كفرنسا والأردن ليستفيد من بعض الخبرات هناك.

حظيت ورشة النحّات نافذ المتواضعة بشرف زيارة العديد من الشخصيّات الدوليّة لها، منهم مدير متحف جنيف الذي وجّه إليه دعوة للإقامة في سويسرا والعمل في المتحف بعدما أعجب كثيراً بأعماله، وذلك أثناء زيارته غزّة في عام 2005، إلّا أنّ عابد رفض ذلك وآثر البقاء في غزّة يرمّم آثارها.

رمّم عابد الذي يعمل في حرفته منذ 35 عاماً الكثير من الآثار التي تنتمي إلى عصور مختلفة منها اليونانيّ والرومانيّ والبيزنطيّ والإسلاميّ وقلّدها، إضافة إلى مهارته في سكّ العملات القديمة وصناعة لوحات الفسيفساء والتي تتطلّب صناعة القطعة الواحدة منها ما يقارب الـ3 أسابيع من العمل المتواصل.

وبيّن أنّ كلّ ما يستخدمه في عمله من موادّ أوّليّة متوافر في غزّة، ولا يحتاج إلى استيراده من الخارج. وتتمثّل أهمّ تلك الموادّ في الفخّار والصلصال والرصاص وبعض السبغات التي يستخدمها في طلاء الآثار، ناهيك عن اقتنائه أكثر من 500 قطعة أثريّة قديمة تعود إلى العصر اليونانيّ وغيرها من العصور، والتي يقوم بتقليد الكثير منها.

وعلى الرغم من جمال ما يقوم عابد بصناعته، إلّا أنّ الإقبال على شراء ما يقوم بصناعته من قطع مقلّدة ضعيف للغاية بسبب عزوف السيّاح من شتّى أنحاء العالم عن زيارة قطاع غزّة بفعل الحصار الإسرائيليّ المفروض عليه منذ عام 2007، إضافة إلى الوضع الاقتصاديّ الصعب لأهالي سكّان القطاع الذين يفضّلون شراء مستلزمات الحياة الضروريّة، بدلاً من شراء تلك المقتنيات التي تعتبر بالنسبة إليهم أشياء ثانويّة.

وتمنّى عابد أن يجد من يرعى موهبته ويساعده في افتتاح متحف صغير لصناعة تلك الآثار في شكل أكبر ولنقل خبرته إلى الراغبين في تعلّم تلك الحرفة، والتي يحتاجها الفلسطينيّون للحفاظ على تراثهم وآثارهم القديمة.

وناشد النحّات عابد أثناء حديثه إلى "المونيتور" الرئيس الفلسطينيّ محمود عبّاس بإعادة راتبه الذي قطعته وزارة الماليّة في رام الله بعد الانقسام الفلسطينيّ في أواخر عام 2007 من دون معرفة أسباب قطع راتبه.

أكّد مدير عام الآثار في وزارة السياحة والآثار في غزّة جمال أبو ريدة استعداد وزارته لاستيعاب مثل تلك الكفاءات ورعايتها، مشيراً إلى أنّ كلّ من طرق باب الوزارة وجد كلّ ترحيب.

وقال لـ"المونيتور": "مواهب كتلك محلّ اهتمام لدينا كونها تساهم في التعريف بالآثار والثقافة الفلسطينيّة، ويفترض أن نقوم بعرض ما يقومون بتقليده على الجمهور بدل أن يتمّ عرض قطع أثريّة أصليّة. وهو ما تقوم به أغلب بلدان العالم، وذلك لتتمّ المحافظة على الأصل من التخريب أو التلف أو السرقة، ولنشجّع الأعمال الحرفيّة التي تختصّ في مجال النحت وترميم الآثار".

وأوضح أنّ أيّ معرض أو متحف سيقومون بافتتاحه لأولئك النحّاتين أو لأعمالهم يحتاج إلى مبالغ ماليّة كبيرة، وهو ما تعجز عن توفيره الوزارة في ظلّ عدم وجود ميزانيّات تشغيليّة، بسبب الخلاف السياسيّ بين حكومة التوافق وحركة حماس التي يسيّر موظّفوها شؤون قطاع غزّة، ناهيك عن أنّ الدور الأكبر في إقامة مثل تلك المعارض أو المتاحف هو من اختصاص وزارة الثقافة.

من جانبها، قالت وزارة الثقافة إنّها تعمل على رعاية تلك المواهب وتدعم أيّ مشروع فنّي، وهو ما قامت به خلال الفترة الماضية كدعم بعض المعارض الفنيّة ووضع بعض النصب التذكاريّة في شوارع مدينة غزّة.

وأرجع مدير عام الوزارة سامي أبو وطفة في حديث إلى "المونيتور" ركود تجارة بيع القطع الأثريّة والمقتنيات المقلّدة التي يقوم بها الحرفيّون والنحّاتون إلى صعوبة الوضع الاقتصاديّ، حيث أنّ المواطن في غزّة يفضّل شراء الموادّ الأساسيّة على شراء المنحوتات والمقتنيات، حتّى وإن كانت أسعار بعضها زهيدة.

ويعاني سكّان قطاع غزّة من أوضاع اقتصاديّة غاية في السوء بسبب الحصار الإسرائيليّ المفروض عليه منذ سنوات وشنّ 3 حروب عليه خلال أعوام قليلة، دمّر خلالها الاقتصاد الفلسطينيّ ووصل معدّل الفقر إلى مستويات غير مسبوقة.

وصف عميد كليّة الآداب ورئيس قسم التاريخ والآثار في جامعة الأزهر في غزّة رياض الأسطل عمل عابد بأنّه عملّ فنّي رائع، يجيد من خلاله ترميم الآثار القديمة وتقليدها في محاولة لحفظ الآثار الفلسطينيّة والمحافظة على الآثار الأصليّة.

ودعا الأسطل وزارة الثقافة إلى رعاية تلك المواهب والاستفادة منها في ترميم الآثار الحقيقيّة وصناعة آثار مقلّدة يكون الهدف منها التعريف بحضارة فلسطين وبيع تلك القطع إلى من يرغب في اقتنائها، وتصحيح التاريخ الفلسطينيّ الذي عملت إسرائيل على تزييفه طوال عشرات السنوات عبر التدمير خلال الحروب المتلاحقة على غزّة أو السرقة وغيرها.

وأرجع الأسطل في حديث إلى "المونيتور" إهمال استيعاب تلك الكفاءات إلى عدم وجود وزارة سياحة وآثار موحّدة تتولّى عمليّة إدارة الآثار الموجودة في غزّة بطريقة مركزيّة وتوفير ميزانيّة تشغيليّة للوزارة في غزّة لرعاية تلك الآثار والكفاءات، وتروّج للآثار المقلّدة وتعرّف الجمهور بالتاريخ والثقافة الفلسطينيّة الصحيحة.

وتعرّضت الكثير من المواقع الأثريّة الفلسطينيّة إلى التدمير خلال العدوان الإسرائيليّ الأخير في عام 20014، على الرغم من أنّ كلّ المواثيق الدوليّة الخاصّة بحماية الآثار تلزم إسرائيل كقوّة احتلال بحماية التراث الثقافيّ والطبيعيّ.

Join hundreds of Middle East professionals with Al-Monitor PRO.

Business and policy professionals use PRO to monitor the regional economy and improve their reports, memos and presentations. Try it for free and cancel anytime.

Already a Member? Sign in

Free

The Middle East's Best Newsletters

Join over 50,000 readers who access our journalists dedicated newsletters, covering the top political, security, business and tech issues across the region each week.
Delivered straight to your inbox.

Free

What's included:
Our Expertise

Free newsletters available:

  • The Takeaway & Week in Review
  • Middle East Minute (AM)
  • Daily Briefing (PM)
  • Business & Tech Briefing
  • Security Briefing
  • Gulf Briefing
  • Israel Briefing
  • Palestine Briefing
  • Turkey Briefing
  • Iraq Briefing
Expert

Premium Membership

Join the Middle East's most notable experts for premium memos, trend reports, live video Q&A, and intimate in-person events, each detailing exclusive insights on business and geopolitical trends shaping the region.

$25.00 / month
billed annually

Become Member Start with 1-week free trial
What's included:
Our Expertise

Memos - premium analytical writing: actionable insights on markets and geopolitics.

Live Video Q&A - Hear from our top journalists and regional experts.

Special Events - Intimate in-person events with business & political VIPs.

Trend Reports - Deep dive analysis on market updates.

We also offer team plans. Please send an email to pro.support@al-monitor.com and we'll onboard your team.

Already a Member? Sign in