مدينة غزّة، قطاع غزّة - دائماً، وفي مطلع كلّ حرب أو مواجهة مع الاحتلال الإسرائيليّ، يقول الفلسطينيّون إنّ الدم يوحّدهم، غير أنّ الوقائع في الحروب السابقة على الأرض وفي ظلّ الانقسام الداخليّ تؤكّد عكس ذلك، فيكون التراشق الإعلاميّ بين حركتي فتح وحماس والذي يعزّز الانقسام هو سيّد الموقف. لكن، هل سيختلف الأمر في انتفاضة القدس الشعبيّة الحاليّة؟
قال المتحدّث باسم حركة فتح فايز أبو عيطة إنّ استعادة الوحدة في ظلّ الظروف الحاليّة ضرورة وطنيّة، والتخاذل عن تحقيقها يصبّ في مصلحة الاحتلال الإسرائيليّ، ولا يخدم الشعب الفلسطينيّ وقضيّته العادلة.
وأوضح لـ"المونيتور" أنّ الشعب الفلسطينيّ توحّد في الميدان مع انضمام قطاع غزّة إلى الضفّة الغربيّة والقدس في هذه المواجهة دفاعاً عن المسجد الأقصى. وتابع: "قطاع غزّة هو جزء من أراضي فلسطين، إضافة إلى الضفّة الغربيّة والقدس، هذه هي الرسالة التي وجّهها شعبنا الفلسطينيّ من خلال هذه الانتفاضة الجماهيريّة. لذلك على الفصائل أن ترتقي إلى مستوى الشعب الفلسطينيّ وأطفاله الذين يدافعون عن كرامتنا جميعاً، من خلال تحقيق الوحدة وتنفيذ اتّفاقات المصالحة".
وأشار أبو عيطة إلى أنّ الانتفاضة الحاليّة فرصة للوحدة، مبيّناً أنّ ما تتعرّض إليه المقدّسات من انتهاك للأطفال وقتل لهم في شوارع فلسطين سيكون أساساً لهذه الوحدة.
وقال: "فهذه فرصة كبيرة، وعلينا استغلالها. الرئيس محمود عبّاس قرّر في اجتماع اللجنة التنفيذيّة لمنظّمة التحرير الفلسطينيّة في الأول من سبتمبر تشكيل "وفد ولقاء حركة حماس والبحث في آليّات تطبيق اتّفاق المصالحة وتحقيق الوحدة الوطنيّة. نأمل من حماس أن تستجيب إلى هذه الجهود وأن تتعامل بإيجابيّة مع الوفد لنتمكّن من تنفيذ اتّفاق المصالحة وإنهاء الانقسام، لا سيّما في هذه الظروف".
من جانبها، كشفت حركة حماس، وعلى لسان القياديّ فيها الدكتور أحمد يوسف لـ"المونيتور" عن رسائل وصلت إليها من قبل السلطة الفلسطينيّة وبعض فصائل منظّمة التحرير الفلسطينيّة تطالبها بالجلوس وحلّ المشاكل القائمة وإنهاء الانقسام، مضيفاً: "هذه الرسائل جاءت كنتيجة لانتفاضة القدس الحاليّة التي حرّكت الكلّ الفلسطيني والإسلاميّ. وحتّى ننجح في هذه الانتفاضة ويكون لها أثر أكبر، يجب أن نجتمع وألّا نبقى منقسمين في ظلّ تحرّك الشباب الذين يجب ألّا نخذلهم. وبدورها، رحّبت حماس بكلّ تأكيد بهذه المطالب".
ويعتقد يوسف أنّ حركته قدّمت كلّ ما هو مطلوب منها لإنهاء حالة القطيعة والانقسام الفلسطينيّة، في إشارة إلى خروجها من الحكومة وموافقتها على تشكيل حكومة الوفاق الفلسطينية. فيما تترك الكرة في ملعب الرئيس عبّاس الذي يمتلك بين يديه كلّ الأوراق والصلاحيّات كونه الرئيس.
وأشار إلى جهوزيّة حماس للجلوس مع وفد منظّمة التحرير الذي تحدّث عن تشكيله الرئيس عبّاس وإرساله إلى قطاع غزّة للتفاهم على كلّ الملفّات الخلافيّة، من بينها تشكيل حكومة وحدة وطنيّة وإجراء الانتخابات الرئاسيّة والتشريعيّة وإجراء التغييرات في منظّمة التحرير، وذلك لقطع الطريق أمام استكمال عمليّات تهويد المسجد الأقصى والتفرّغ إلى مواجهتها.
كشفت انتفاضة القدس التي بدأت في الأول من أكتوبر الجاري حقيقة الانقسام الفلسطينيّ، حيث بيّن المحلّل السياسيّ حسن عبدو لـ"المونيتور" أنّ الشارع والمواجهة أدّيا إلى استعادة وحدة العمل المقاوم ضدّ الاحتلال، حتّى وإن بقي الانقسام السياسيّ بين حركتي فتح وحماس. وأوضح: "تأكّد من خلال المواجهات أنّ الانقسام الحاصل هو بين النخب السياسيّة فقط، لكنّ الشارع الفلسطينيّ موحّد بالفعل الثوريّ، والانتفاضة أكّدت أنّ الانقسام ليس عميقاً في الشعب الفلسطينيّ".
وقال عبدو إنّ ما يجري على أرض الواقع هو حدث بالغ الأهميّة وتجاوز في أهميّته حتّى الانتفاضات السابقة، بمعنى أنّه سيكون له مردوده وتداعياته على المستقبل الفلسطينيّ برمّته، إذ أنّ الانتفاضة أوجدت مساحة يمكن للكلّ الوطنيّ أن يعمل فيها، وقاربت المسافات بين كلّ الطيف الوطنيّ وتسمح بتجاوز الانقسام مستقبلاً، حسب قوله.
وأضاف: "اليوم، أصبحت توجد بيئة مواتية لإنهاء الانقسام، لكنّ الانقسام نفسه لم ينته، فملفّه مغلق الآن ولا يوجد أيّ جهد عمليّ لإعادة فتحه من جديد. لكنّ ما يحصل على الأرض إذا ما استمرّ، فإنّه سيعزّز هذه البيئة لإنهاء حالة الانقسام، لأنّ الانتفاضة ستتجاوز السلطة والفصائل معاً، وبالتالي هذه البيئة ستفرض على كلّ الأطراف أن يتّجهوا إلى إنهاء الانقسام، إلّا أنّها لم تنضج حتّى اللحظة الظروف الموضوعيّة في الكامل. لكنّنا في الطريق إلى إنضاجها لأنّ هذا الفعل الإنسانيّ والأخلاقيّ الذي يمارسه الشعب الفلسطينيّ، أي الانتفاضة الشعبيّة، لنزع الشرعيّة عن الاحتلال والاستيطان سيؤدّي في نهاية المطاف إلى إنهاء الانقسام في شكل كامل".
وتبقى البيئة والظروف التي صنعتها انتفاضة القدس الشعبيّة رهينة خطوات عمليّة من قبل قطبي الانقسام الفلسطينيّ، فتح وحماس، لتنتقل الوحدة الشعبيّة في الميدان إلى النظام السياسيّ الفلسطينيّ المنقسم على نفسه.