القاهرة - فتحت انتخابات المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانيّة المصريّة والتي جرت في 18 و19 تشرين الأوّل/أكتوبر الباب على مصراعيه لعودة ظاهرة الفتاوى الدينيّة السياسيّة. ولكنّ العجيب في الأمر أن تتصدّر المؤسّسات الدينيّة الرسميّة المصريّة، إلى جانب كبار رجال الأزهر المشهد في إطلاق مثل تلك الفتاوى التي كانت وما تزال محلّ انتقاد لتيّار الإسلام السياسيّ، حيث قامت وزارة الأوقاف المصريّة بتخصيص خطبة الجمعة في 16 تشرين الأوّل/أكتوبر الجاري لدعوة المواطنين إلى المشاركة الإيجابيّة في الانتخابات. وأصدر مفتي الديار المصريّة الدكتور شوقي علام بياناً في 17 تشرين الأوّل/أكتوبر الجاري قال فيه إنّ "من يمتنع عن أداء صوته الانتخابيّ يكون آثماً شرعاً". فيما احتلّت فتوي عضو مجمع البحوث الإسلاميّة الدكتور عبدالله النجّار، والتي قال فيها إنّ "غير المشارك في العمليّة الانتخابيّة كتارك الصلاة"، موقع الصدارة على مواقع التواصل الاجتماعيّ.
وفي الإطار نفسه، أصدر ائتلاف مكوّن من 5 كيانات أزهريّة في مصر هي أبناء الأزهر الأحرار، والاتّحاد العالميّ لعلماء الأزهر، ونقابة الدعاة المصريّة، واتّحاد شباب الأئمّة والوعاظ في الخارج، وعلماء ضدّ الانقلاب في أوروبّا في 15 تشرين الأوّل/أكتوبر الجاري، فتوى شرعيّة تفيد بحرمة المشاركة في الانتخابات البرلمانيّة المقبلة.
عن هذا الشأن، تحدّث رئيس لجنة الفتوى السابق في الأزهر الدكتور عبد الحميد الأطرش قائلاً لـ"المونيتور" إنّ أيّ شخص قبل أن يصدر أيّ فتوى، يجب أن يكون دارساً لأقوال الأئمّة الأربعة وهم كبار العلماء عند أهل السنّة الذي يستمدّ من فقهم العلم، وهم أبو حنيفة وابن مالك والشافعي وابن حنبل، وأن يكون على تقوى وورع، ولا يحبّ الظهور".
وأضاف أنّ المشاركة في العمليّة الانتخابيّة واجب وطنيّ له مرجعيّة دينيّة، لأنّ الانتخابات البرلمانيّة لها دور كبير في استقرار الوطن، ولذلك، لا يجوز الإحجام عنها إلّا بعذر، وإن كان لا يوجد مرشّح يراه الناخب يستحقّ صوته، فليبطل الناخب صوته ويكفيه شرف المشاركة.
وأشار الأطرش إلى أنّ "فتوى ترك الانتخابات كترك الصلاة فيها تشديد على المسلمين واستخدام مفرط في الترهيب، والصلاة هي الركن الثاني في الإسلام ولا يمكن مقارنتها بالانتخابات، ولا يجوز تسييس الدين لغرض من الإغراض الدنيا إنّما الدين الإسلاميّ هو دين ينظّم كلّ مجالات الحياة بما فيها السياسة".
وأوضح الأطرش أنّ "القوى المدنيّة والعلمانيّة أخطأت عندما طالبت بفصل الدين عن الدولة، بما فيها السياسة في عهد الإخوان، في الوقت الذي تستخدم تلك الفتاوى حاليّاً ممّا يجعل الناخب يعاني من حالة التباس بين ما كان مرفوضاً في عهد الإخوان وأصبح مقبولاً حاليّاً".
وقال صاحب الفتوى المثيرة للجدل الدكتور النجّار لـ"المونيتور" إنّ "الشريعة الإسلاميّة تنظّم كلّ حركة للإنسان، وقد اجتهد ورأى أنّ البرلمان المقبل يحقّق الاستقرار للوطن وأنّ عدم نزول المواطنين لاختيار المرشّحين والمفاضلة بينهم سوف يؤدّي إلى عواقب وخيمة قد تؤدّي إلى عرقلة الدولة".
وأضاف أنّ "القوانين الوضعية تفرّق بين الحقّ العامّ والحقّ الخاصّ، وكذلك الأديان، فهناك حقّ لله وحقّ للعباد فمثلاً الصلاة عندما يتركها العبد فإنّه يكون قد أخطأ في حقّ الله، أمّا عدم المشاركة في الانتخابات، فسوف يكون له تأثير كبير على العباد، وبهذا يصبح الناخب آثم لأنّه كتم الشهادة بالحقّ بأنّ هناك مرشّحاً يعلم بأنّه أفضل للوطن ولم يختره، وبهذا تكون مقاطعة الانتخابات أكبر عند الله من ترك الصلاة".
وأشار إلى أنّ "فتواه تدعو إلى المشاركة الإيجابيّة وليس إلى اختيار مرشّحين بأعينهم داعمين للرئيس عبد الفتّاح السيسي، وأنّ جماعة الإخوان المسلمين قامت بتوظيف الفتوى للتشهير به والكذب والافتراء عليه".
وأوضح النجّار أنّ "هذه الانتخابات لو كانت في عهد الإخوان لأفتى أنّ من سيشارك فيها سوف يدخل النار، لأنّها جماعة تمثّل يدّ أميركا وإسرائيل في إشاعة الفوضى في منطقة الشرق الأوسط".
واستطرد النجّار في هجومه على جماعة الإخوان قائلاً: "إنّ أنصار الجماعة مارسوا إرهاباً فكريّاً ضدّي من خلال مواقع التواصل الاجتماعيّ في الوقت الذي يملأون العالم صراخاً بسبب منعهم من التظاهر. فكيف لهم أن يطلبوا الشيء ويأتون بعكسه فكلّ ما فعلته أنّني قلت رأياً لم يعجبهم".
وقال رئيس لجنة الفتوى السابق في الأزهر الشيخ علي أبو الحسن لـ"المونيتور" إنّ "الانتخابات إذا كانت تهدف إلى إقامة شورى تكون أصلاً في بناء الدولة، ولكن لكي تكون أصلاً في بناء الدولة يجب أن يرتبط ذلك ارتباطاً وثيقاً بالمرشّح لأنّه إذا كان المرشّح فاسداً، فلن يساهم في بناء الدولة، فمن ثمّ إذا كان المرشّحون فاسدين يمكن المقاطعة".
وأوضح أبو الحسن أنّ كلي الجانبين علماء المعارضة وعلماء الدولة قد اجتهدا، فهناك من رأى أنّ البرلمان المقبل نافع للوطن فأفتى بالمشاركة وهم علماء الدولة وهناك من رأى أنّ البرلمان المقبل ضارّ للوطن فأفتى بالمقاطعة وهم علماء المعارضة، ولكن لا يحقّ لأيّ من الطرفين أن يقول إنّ هذه الفتاوى تمثّل الدين الصحيح وإنّه فقط هو المحقّ.
وقال رئيس قسم الاقتصاد والعلوم السياسيّة في جامعة القاهرة الدكتور حسن نافعة لـ"المونيتور" إنّ توظيف الدين في السياسة لم يكن حكراً على تيّار الإسلام السياسيّ فقط، ولكنّ الدولة توظّف الدين في السياسة وفقاً لمتطلّبات المرحلة.
وأشار نافعة إلى أنّ رجال الدين ذوي العلاقات القويّة بالدولة يقومون بتبرير أيّ تصرّف للدولة من خلال استخدام النصوص القرآنيّة، وهو ما تلجأ إليه أيضاً الجماعات التكفيريّة، حيث تستخدم نصوص أخرى لتكفير الدولة، وبهذا، أصبح الدين مستباحاً من الجميع من دون وجود أيّ ضوابط، فعندما تضع الدولة ضوابط تكون هي أوّل من يخترقها وبالتالي لا يلتزم أحد بها، ويصبح كلّ طرف يهاجم الطرف الآخر بأنّه يوظّف الدين لمصلحته.
وأوضح نافعة أنّ من يعارضون النظام الحاكم ليسوا الإخوان المسلمين فقط وإنّما أضيف إليهم شباب من ثورة 25 يناير يرون أنّ النظام الحاليّ يتّجه نحو الحكم الفرديّ الاستبداديّ، وأنّ السيسي سوف ينفّذ ما يريد، لذا فإنّه لا حاجة إلى الذهاب إلى صناديق الاقتراع .