نابلس، الضفّة الغربيّة - على جبل جرزيم - جنوب مدينة نابلس في شمال الضفّة الغربيّة، تعيش أصغر طائفة في العالم، وهي الطائفة السامريّة، الّتي يبلغ عددها 780 فرداً، مقسّمين ما بين جرزيم (380 شخصاً) ومدينة حولون في أراضي 1948 (400 شخص). ويعتبر السامريّون أنفسهم، سلالة بني إسرائيل الّذين خرجوا برفقة النبيّ موسى من مصر إلى الأراضي المقدّسة قبل 3653 عاماً، هرباً من بطش الفرعون، كما أشار كاهن الطائفة السامريّة ومدير المتحف السامريّ حسني واصف السامريّ لـ"المونيتور"، وقال: "منذ ذلك التاريخ، لم نغادر الأراضي المقدّسة".
وتعني كلمة "سامريّ" بالعبريّة القديمة "محافظاً أيّ المحافظ على الديانة العبريّة القديمة"، كما لفت حسني واصف، الّذي قال أيضاً: "ترتكز الديانة السامريّة على خمسة أركان أساسيّة، هي: وحدانيّة الله الواحد الأحد، نبوّة موسى بن عمران، التوراة خمسة أسفار، قدسيّة جبل جرزيم لا القدس، واليوم الآخر وهو يوم الحساب والعقاب، في حين يحتفلون خلال العام بـ7 أعياد، هي: عيد الفصح الّذي يتم خلاله تقديم الأضحية لله الّذي فسح على بني اسرائيل وأنقذهم من بطش فرعون مصر وتناول الخبز من دون خميرة وأكل عشبة مرّة لاستطعام مرارة الحياة الّتي كانت في مصر على يدّ الفراعنة، يتبعه عيد الفطير (العجين غير المختمر) لستّة أيّام، عيد الحصاد، عيد رأس السنة العبريّة، عيد الغفران، عيد العرش، عيد فرحة نزول التوراة.
ويحتلّ جبل جرزيم مكانة مقدّسة لدى السامريّين، وهو مقسّم إلى 3 مناطق، حسبما تمّ الإتّفاق عليه بين السلطة الفلسطينيّة وإسرائيل بموجب إتّفاق أوسلو (A،B،C)، لكنّ السامريّين يعيشون في منطقة (B) على نحو 150 دونماً، ويحملون 3 جوازات سفر الفلسطينيّ، الإسرائيليّ والأردنيّ، في حين تحرمهم إسرائيل من أقدس بقعة لديهم، وهي قمّة جبل جرزيم الّذي يؤمنون بأنّ هيكل سيّدنا موسى بني هناك، وهي محاطة بأسلاك وسياج حديديّ، ولا يسمح لهم بالحجّ إليها سوى 3 مرّات سنويّاً أثناء أعياد الفصح والحصاد والعرش، كما قال واصف.
ويترأس الطائفة السامريّة الكاهن الأكبر، وهو يجب أن يكون الأكبر جيلاً من عائلة الكهنة (اللاويين)، أيّ من سلالة ألعازر بن هارون، وهو الكاهن عبد الله توفيق السامريّ الّذي يقرّر الشؤون الدينيّة للطائفة، لكنّ للشؤون الإجتماعيّة يتمّ إنتخاب لجنتين كلّ سنتين في كلّ من جبل جرزيم وحولون، وكلّ لجنة تتألّف من 5 أشخاص لإدارة أمور الطائفة الحياتيّة، كما أوضح أيضاً واصف.
ويفخر السامريّون بتاريخهم المحفوظ في المتحف السامريّ، الّذي بني في عام 1997 على 450 متراً مربّعاً، وأشار واصف إلى أنّه يضمّ سلسلة التاريخ السامريّ (163 سلالة) من آدم إلى الكاهن الأكبر الحاليّ وأقدم نسخة خطيّة موجودة للتوراة في العالم مكتوبة بالّلغة العبريّة القديمة (عمرها 3600 سنة)، ومجموعة من الوثائق والكتب العبريّة القديمة وأحجاراً وعملات معدنيّة وسراجات وفخاراً وزجاجاً أثريّاً قديماً ومجسّمات توضح الأماكن المقدّسة السامريّة.
وعن الاختلافات بينهم وبين اليهود، قال واصف: "إنّ السامريّنن يملكون التوراة الحقيقيّة الّتي كتبها الرّابع من هارون، أبيشع بن فينحاس بن العازر بن هارون، شقيق سيّدنا موسى، بعد دخول الأرض المقدسة بـ13 سنة باللّغة العبريّة القديمة. ولذلك، يوجد بين التوراة السامريّة ومثيلتها اليهوديّة 7 آلاف اختلاف بين كلمة وآية وسورة، إضافة إلى قدسيّة جبل جرزيم لدينا، الّذي هو مكان هيكل موسى الحقيقيّ، وذكر في التوراة 13 مرّة، في حين لم تذكر القدس، ولأنّ النبيّ ابراهيم بنى مذبحه حين أراد أن يقدم ولده إسحق عليه كقربان الى الله".
ويعتبر أبناء الطائفة السامريّة، الّذين انتقلوا للعيش من الحيّ السامريّ الموجود وسط مدينة نابلس والذي كانوا يقطنونه قبل ان ينتقلوا إلى جبل جرزيم المدينة في عام 1987 بسبب ضيق الحيّ واكتظاظه واندلاع انتفاضة الحجارة الأولى وفق ما قال واصف، مؤكدً ان السامريين يعتبرون "جزءاً لا يتجزّأ من الشعب الفلسطينيّ، ومن نسيجه الإجتماعيّ، إذ نشارك بعضنا في الأفراح والأحزان. ورسالتنا أن نكون جسر سلام قائماً على الديموقراطيّة والحريّة وإقامة دولة فلسطينيّة حرّة ومستقلّة عاصمتها القدس الشرقيّة، إلى جانب إسرائيل على حدود 67".
وأوضح أنّ "الطائفة السامريّة، الّتي تعتبر أصغر طائفة في العالم، واجهت مطلع القرن الماضي خطر الاندثار، حين وصل عدد أبنائها في عام 1917 إلى 146 فرداً، لكنّ في الوقت الحاليّ تواجه مشكلة نقص الفتيات لديها"، وقال: "إنّ أصعب أمر نواجهه اليوم هو قلّة الفتيات. السامريّون لديهم نقص في البنات. ولذلك، يضطرّ الشبان إلى الزواج من الديانات الأخرى، وهذا ممنوع دينيّاً، إلاّ بشرط أن يصبحن سامريّات. وخلال الأربعين عاماً الأخيرة، استطاع الشبان أن يتزوّجوا 40 فتاة من الديانات الأخرى، وأصبحن سامريّات".
وتحدّث واصف عن "غضب الطائفة السامريّة وقلقها من عدم إزالة الأبراج الهوائيّة الخاصّة بشركات الإتّصالات وجيش الاحتلال، الموجودة في الجبل نظراً لتأثيراتها الصحيّة عليهم"، فقال: "هناك خطر كبير يتمثّل بوجود 6 أبراج هوائيّة لأجهزة شركتي الخلويّ جوّال وسلكوم وللجيش الإسرائيليّ، وهذا أدّى إلى ارتفاع نسبة الإصابة بالسرطان لدى أبناء الطائفة، ممّا يؤثّر على مستقبلنا ومصير الطائفة الّذي يهدّدها بالخطر. لقد تمّ تركيب هذه الأبراج من دون موافقتنا، وبتنا نتنفّس موجات كهرومغناطيسيّة، وأصبحنا مهدّدين بالخطر الحقيقيّ بفعلها، نتيجة ارتفاع نسبة الإصابة بالسرطان بين أبنائنا".
وحسب الكاهن واصف فأنّ "السامريّين كان عددهم قبل السبي الذي قام به الملك البابلي نبوخذ نصّر في العام 586 قبل الميلاد 3 مليون نسمة لكنه انحسر عددهم عبر القرون، إذ بات لا يتعدّى اليوم الـ800 فرد يعيشون هاجس الحفاظ على نسبهم ووجودهم من الاندثار لحماية تاريخ يعود إلى سيّدنا آدم، يحمونه ويحتفظون به".