مدينة غزة، قطاع غزّة – "يكتفون بالمشاهدة والسؤال عن الأسعار ومن ثمّ ينصرفون"، بهذه الكلمات عبّر مربّي المواشي ابراهيم الصوري عن حال الفلسطينيّين الذي يأمّون مزرعته التي تحتوي على مئات رؤوس الماشية بين عجول وأبقار وخراف وماعز، والتي كانت تشهد إقبالاً كبيراً قبل أيّام من عيد الأضحى المبارك كلّ عام، حيث يعتبر هذا الموسم الأهمّ للتجّار والباعة لبيع مواشيهم.
ارتفاع على الرغم من الوفرة
ويعزو الصوري في حديث إلى "المونيتور" عزوف المواطنين عن شراء المواشي إلى ارتفاع أسعارها على الرغم من وفرتها في السوق، وهو ما سيكبّده خسائر فادحة، نتيجة كميّة المواشي التي اشتراها من التجّار، والتي لم يبع منها إلا القليل، مشيراً إلى أنّ نسبة ارتفاع الأسعار مقارنة بالعام الماضي بلغت 20%، حيث بلغت قيمة الاشتراك الواحد في العجل 2400 شيقل (615 دولار) أي بارتفاع 500 شيقل (128 دولار) عن العام الماضي، مستبعداً أن تشهد انخفاضاً قبل عيد الأضحى القادم.
ويقول الصوري إنّه سيضطرّ إلى بيع المواشي بأسعار أقلّ ممّا اشتراها من السوق، وذلك قبل انتهاء موسم شراء الأضاحي، لأنّ بقاء تلك المواشي لديه يكلّفه مبالغ ماليّة كبيرة من طعام ورعاية، ناهيك عن رواتب العمّال الذين اضطرّ إلى زيادة عددهم بسبب موسم بيع الأضاحي.
وتعدّ الثروة الحيوانيّة من الموارد الاقتصاديّة المهمّة لسكّان القطاع، لا سيّما وأنّها تستوعب آلاف الأشخاص بين تاجر ومربّي وعامل.
أوضح المواطن ياسر شراب وهو صاحب محلّ بيع ملابس وسط مدينة غزّة، أنّه لن يتمكّن من شراء أضحية لعيد الأضحى نتيجة ارتفاع أسعارها وقلّة الأموال التي كسبها هذا الموسم، بسبب الركود الاقتصاديّ الذي يعاني منه قطاع غزّة. فاتّفق مع بعض التجّار في السوق على عدم شراء الأضحية طالما بقيت الأسعار مرتفعة هكذا، مبدياً قناعته في الوقت ذاته بأنّ جزءاً من ارتفاع تلك الأسعار هو بسبب جشع التجّار الكبار.
أمّا المواطن فارس اسليم من حيّ الشجاعيّة شرق مدينة غزّة، والذي يعمل سائقاً على شاحنة، فيقول "للمونيتور" : "كنت أشترك كلّ عام تقريباً مع إخوتي السبعة في شراء أضحية، إلّا أنّني هذا العام لن أقدر على الاشتراك معهم بسبب الوضع الماديّ الصعب لديّ وارتفاع أسعار تلك الأضاحي".
ويحتاج قطاع غزّة في موسم عيد الأضحى كلّ عام إلى ما بين 10 و12 ألف رأس عجل، إضافة إلى ما بين 30 و35 ألف رأس من الخراف والماعز، وهي كميّات تتوافر حاليّاً في السوق المحلّيّة، وذلك وفقاً لما أعلنته وزارة الزراعة.
أوضح مدير عام التسويق في وزارة الزراعة في غزّة تحسين السقا أنّ في هذا الوقت من كلّ عام، تشهد أسعار المواشي ارتفاعاً ملحوظاً عن باقي أيّام العام بسبب إقبال المواطنين على شراء الأضاحي لذبحها في عيد الأضحى المبارك.
وأشار في حديث إلى "المونيتور" إلى أنّ قلّة عدد رؤوس الماشية في إسرائيل التي تعتبر المصدر الوحيد لإدخال المواشي إلى قطاع غزّة بعدما أغلقت الأنفاق مع مصر مطلع يوليو 2013، والتي تشهد ارتفاعاً في الأسعار، دفع وزارة الزارعة الإسرائيليّة إلى الاجتماع مع التجّار الإسرائيليين الكبار لتخبرهم برفع الضرائب عن استيراد المواشي لتشجّعهم على استيراد كميّات كبيرة منها، حيث أن الكثير من التجار في إسرائيل يرفضون استيراد المواشي في الوقت الحالي لارتفاع أسعارها عالمياً بسبب الطلب الكبير عليها قبل عيد الأضحى لدى المسلمين ويرون أنهم غير مجبرين على استيراد كميات كبيرة الآن.
وبيّن أنّ كلّ دول العالم العربيّ والإسلاميّ تقبل على شراء الماشية بسبب عيد الأضحى، ممّا يعني قلّة في العرض وارتفاع في السعر، وتقدّر نسبة ارتفاع الأسعار بنحو 20% مقارنة بالعام الماضي في غزة والمنطقة العربية بشكل عام، حيث شهد كيلو اللحم ارتفاعاً بلغ 7 شواقل (1.80 دولاراً) فأصبح يباع بـ60 شيقلاً (15.5 دولارات) بعدما كان يباع بـ53 شيقلاً (13.60 دولاراً).
ولفت إلى أنّ إسرائيل ومنذ بداية أيّار/مايو 2015 وحتّى نهاية حزيران/يونيو الماضي، أوقفت استيراد المواشي من رومانيا والمجر اللتين تعتبران من أكبر الدول في تصدير الماشية بسبب ظهور الحمى القلاعيّة في هذين البلدين، ممّا أثّر على الواردات في إسرائيل وبالتالي قطاع غزّة الذي يشكل سوق الماشية الإسرائيلي المصدر الوحيد للغزيين في استيراد المواشي، والتي تصف من المواد الاستهلاكية غير المحظورة من قبل السلطات الإسرائيلية التي تفرض حصاراً على قطاع غزة وترفض السماح بإدخال عشرات أصناف المواد الاستهلاكية إلى غزة، ناهيك عن رفض أستراليا تصدير المواشي إلى قطاع غزّة بسبب اعتراض مؤسّسات الرفق بالحيوان لديها على طريقة الذبح التي يقوم بها بعض الجزّارين في غزّة، والتي ترى فيها المؤسسات الأسترالية أنه ذبح غير مشروع للمواشي.
وأوضح أحد أكبر تجّار الماشية الفلسطينيّين ومستورديها من إسرائيل، فضّل عدم الكشف عن هويّته، لـ"المونيتور" أنّ ارتفاع الأسعار سيبقى إلى ما بعد عيد الأضحى بسبب الإقبال الكبير على المواشي قبل العيد عالميّاً.
ورفض التاجر الاتّهامات التي يوجّهها إليهم بعض تجّار الأغنام ومربّيها والمواطنين في قطاع غزّة بأنّهم يتحكّمون بالأسعار، مؤكّداً أنّ تلك الاتّهامات ليس لديها أيّ دليل يدعمها كون وزارة الزراعة تشرف على إدخال المواشي ولديها معرفة بأسعارها قبل أن يقوم التجّار باستيرادها.
ونبّه إلى أنّ غزّة تعاني من نقص في الثروة الحيوانيّة في شكل عامّ، لا سيّما بعد الحرب الإسرائيليّة الأخيرة، وفي حاجة إلى بعض الوقت كي تتعافي من الخسائر التي تكبّدتها، ممّا دفعهم هذا العام إلى استيراد كميّات كبيرة من إسرائيل لتعويض النقص.
وبلغت خسائر الثروة الحيوانيّة جرّاء العدوان الإسرائيليّ في تمّوز/يوليو 2014 أكثر من 350 مليون دولار، حيث دمّر الكثير من مزارع تربية الماشية، فقد كان في قطاع غزّة بين 80 و90 ألف رأس ماشية، والآن فيه 50 ألف رأس فقط.
العرض والطلب
من جانبه، رأى أستاذ الاقتصاد في جامعة الأزهر معين رجب أنّ النظام الاقتصاديّ الحرّ الذي يعيشه العالم اليوم، والذي تحدّد فيه الأسعار في السوق وفقاً لأحوال العرض والطلب، تجعلهم يفهمون ما يحدث، فهذا الموسم يزداد فيه الطلب على شراء الأضاحي، وذلك مرّة واحدة في العام، ويحرص المسلون القادرون على أن يشاركوا في شراء الأضحية لذبحها في عيد الأضحى.
وبيّن أنّ عدم قدرة قطاع غزّة على إنتاج الكميّة التي يحتاجها السوق بسبب ضعف الانتاج وخصوصاً بعد العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، يضطرّ التجّار إلى استيراد كميّات من الخارج، حيث يقومون في كثير من الأحيان باستغلال هذا الموسم لتحقيق المزيد من الأرباح.
وربط رجب في تصريحات لـ"المونيتور" الأوضاع الاقتصاديّة الصعبة التي يعيشها قطاع غزّة بارتفاع تلك الأسعار، لا سيّما في ظلّ استمرار الحصار وإغلاق الأنفاق مع مصر وقلّة السيولة الماليّة بين أيدي المواطنين، متوقّعاً أن يحدث انخفاض طفيف في أسعار الماشية حال تمّ إدخال بعض الكميّات منها إلى قطاع غزّة خلال الأيّام القليلة المقبلة من السوق الإسرائيلية عبر المعابر مع قطاع غزة.