مدينة غزة، قطاع غزة — "الديلفري" أو "التّوصيل السريع" أو "الطيّار" كلّها مصطلحات تستخدم لتطلق على الشخص الّذي يقود درّاجة ناريّة يوجد في مؤخّرتها صندوق يوضع فيه ما يطلبه الزبون ويوصل الطلبات إلى المؤسّسات أو المنازل في السرعة الممكنة. ولقد شهدت تلك الخدمة إقبالاً كبيراً من المواطنين في قطاع غزّة خلال السنوات القليلة الأخيرة.
يحتوي قطاع غزّة ذات البقعة الجغرافيّة الصغيرة (360 كلم2) على عدد لا بأس به من الشركات العاملة في مجال النّقل السريع "الديلفري". ولقد وصل عددها إلى 20 شركة تقريباً مع نهاية العام الماضي لينخفض خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة إلى أقلّ من النصف فقط، بعد أن أغلقت بسبب الخسارة.
وفي هذا الإطار، أشار نائب مدير شركة "يمامة" لتقديم الخدمات اللوجستية والبريد والمبيعات محمّد المدنيّ لـ"المونيتور" إلى أنّ شركته تضمّ 40 مندوباً و15 موظفاً، وإنّ الجزء الأكبر من أولئك المندوبين (الّذين يوصلون الطلبات) طلاّب أو خرّيجو جامعات دفعتهم الظروف الصعبة في قطاع غزّة وقلّة فرص العمل إلى الالتحاق بالشركة.
ولفت إلى أنّ الشركة بدأت العمل في بداية أيّار/مايو من عام 2010، بعدما تبلورت الفكرة لدى رئيس الشركة خليل الافرنجي أثناء دراسته في الأردن حيث كان طالباً، وقام بتنفيذها عقب عودته إلى قطاع غزّة، فبدأ مشروعه بـ 3 آلاف دولار، وباثنين من المندوبين الّذين يوصلون الطلبات، حيث تتنوع تلك الطلبات ما بين الصغيرة كـ"الأوراق أو الأطعمة أو الأدوية وغيرها" أو الكبيرة والتي تتمثل في "أثاث المنازل أو الأجهزة الكهربائية وغيرها".
وأوضح أنّ عدد زبائن الشركة في اليوم الواحد تراوح بين 15-20 فقط خلال العام الأوّل من العمل ليتواصل ارتفاع العدد، إلى أن وصل الآن إلى 500 طلب يومياً، إذ بلغ عدد الزبائن 15 ألفاً، مشيراً إلى أنّ مؤشّرات الشركة تبيّن أنّ العدد ما زال يرتفع لأسباب عدّة أهمّها، سرعتها في توصيل الطلبات إلى الزبائن، إغلاق بعض شركات الديلفري المنافسة بعد خسارتها، انخفاض سعر الطلب لديها، والّذي يتراوح بين دولار ونصف دولار ودولارين داخل مدينة غزّة و10 دولارات للمناطق البعيدة نسبيّاً عن مقرّ الشركة.
من جهته، أكّد مدير شركة "ع الطاير" لخدمات الدّعم اللوجستيّ والتّوصيل السريع محمّد أبو حليمة أنّ شركته الّتي تضمّ 18 شخصاً بين إداريّ ومندوب توصيل خدمات يعمل فيها عدد لا بأس به من خرّيجي الجامعات، الّذين لم يجدوا وظائف بعد تخرّجهم.
وأشار في حديث لـ"المونيتور" إلى أنّ شركته الّتي بدأت عملها في كانون الثاني/يناير من عام 2015 لاقت رواجاً كبيراً، رغم قصر مدّة عملها في السوق، رافضاً الكشف عن عدد زبائنها.
وشدّد على أنّ شركته تضع شروطاً لمن يريد العمل فيها، وهي تتمثّل في حصوله على شهادة الثانوية العامّة كحدّ أدنى، إضافة إلى امتلاكه دراجة ناريّة ورخصة لقيادتها.
وأوضح مازن عودة، 25 عاماً، وهو خرّيج محاسبة من جامعة الأقصى في غزّة ومندوب توصيل لدى شركة "يمامة" لـ"المونيتور" أنّ سبب اختياره للعمل في الشركة هو شحّ فرص العمل في قطاع غزّة. لقد تخرّج ومكث أشهراً طويلة دون أن يجد عملاً في مجال تخصصه الجامعي يمكن من خلال توفير مصروفه اليومي أو مصروف عائلته فاضطرّ إلى العمل في الشركة.
وأشار إلى أنّه يكسب يوميّاً مبلغاً يتراوح بين 30-50 شيكلاً أيّ ما يعادل الـ8-13.5 دولاراً، وأنّه مبلغ لا بأس به في ظلّ الأوضاع الصعبة بقطاع غزّة، لافتاً في الوقت ذاته إلى أنّ غياب التأمين الصحيّ لهم كعاملين في الشركة يقلقهم، وقال: "إن تعرّض أحدنا إلى حادث أثناء العمل، فالشركة لن تتكفّل بتكاليف علاجه أو تعويضه".
إلا أن المدني أكّد أنّ شركته حاولت مراراً وتكراراً مع شركات التأمين في قطاع غزّة من أجل تقديم تغطية صحيّة إلى كلّ موظّف ومندوب في الشركة، إلاّ أنّ تلك الشركات رفضت، واعتبرت أنّ العمل على الدرّاجة الناريّة يحمل مخاطرة كبيرة ويكلّف تعويضات أكثر من السيّارات هذا بالإضافة إلى أن المبالغ التي تعرضها شركات "الديلفري" عن كل عامل لديها لعمل لتأمين له قليل مقارنةً مع حجم الخطر الذي يمكن أن ينتج عن ذلك العمل وهو ما يزيد من رفض شركات التأمين. وشدّد على أنّ شركته بعد أيّام عدّة من الآن ستقوم بوضع جهاز (GPS) على دراجة كلّ مندوب لديها لتتعرّف على سرعته أثناء قيادة الدرّاجة النارية، وتحذيره إن تجاوز السرعة المسموح بها، إضافة إلى معرفة أماكن تواجده أثناء توصيل الخدمات.
ومن جهته، أشار حسن محمّد، 25 عاماً، وهو ما زال طالباً في الجامعة، إلى أنّه اضطرّ إلى الانقطاع عن الدراسة والذهاب للعمل في شركة للـ"ديلفري" بسبب عدم قدرته على دفع رسومه الدراسيّة في الجامعة، إضافة إلى اضطراره لمساعدة عائلته في مصاريف المنزل، وقال لـ"المونيتور": إنّ ساعات العمل في الشركة يوميّاً هي 8 ساعات فقط للمندوب، إلاّ أنّه يضطرّ للعمل ساعات إضافيّة قد تصل إلى 6 ساعات ليتمكّن من جني أكبر قدر من المال، متوافقاً مع زميله في العمل مازن في أنّ غياب التغطية الصحيّة في ظلّ المخاطرة الّتي يقومون بها أثناء توصيل الطلبات هو ما يقلقه.
ورأى المدير العام لتسجيل الشركات في وزارة الاقتصاد بغزّة عبد الله أبو رويضة في حديث لـ"المونيتور" أنّ هدف تلك الشركات الأبرز هو الجانب الربحيّ، فيما تحتلّ قضيّة استيعاب أعداد من الخرّيجين أو العاطلين عن العمل المرتبة الثانية.
وأشار إلى أنّه رغم ذلك، فإنّ تلك الشركات تقدّم خدمة جيّدة إلى المواطنين من خلال إيصال ما يحتاجون إليه بأسعار أقلّ من تكاليف التّوصيل بالسيّارات، لافتاً إلى أنّ القليل من تلك الشركات لديها ترخيص، وبعضها الآخر لا يمتلك ترخيصاً حتّى اللّحظة.
من جهته، أشار المحلّل الاقتصاديّ ومدير مؤسّسة "بال ثينك" للدراسات الاستراتيجيّة عمر شعبان إلى أنّ بعض شركات النّقل السريع "الديلفري" تأسّس منذ بضع سنوات في خطوة تصنّف على أنّها نوع جديد من التجارة الربحيّة، وقال: "إلاّ أنّ قدرتها على خلق فرص عمل يبقى محدوداً".
وأوضح في حديث لـ"المونيتور" أنّ تلك الشركات تمثّل جانباً جيّداً في مجال تقديم الخدمات إلى الجمهور وتلبية طلباته بالسرعة الممكنة، إلاّ أنّ سوق قطاع غزّة لا تستطيع أن تتحمّل المزيد من تلك الشركات بسبب صغر حجمها الجغرافيّ.
وشدّد على أنّ خدمات تلك الشركات أيضاً محدودة، فأغلب عملها مع المؤسّسات والموظّفين الّذين يضطرّون إلى طلب حاجات لتأخرهم في عملهم، والّتي قد تكون في الغالب مأكولات، ناهيك عن أنّها عملت كبديل عن البريد الرسميّ في المحافظات لتوصل الدعوات والرسائل وغيرها.