لا تزال رحى الحروب تدور ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" في سوريا والعراق. ولا يزال الأكراد في البلدَين الشركاء الأكثر فعالية في الجهود التي يبذلها التحالف بقيادة الولايات المتحدة من أجل القضاء على الجهاديين. بيد أن الخصومات التقليدية بين الفصائل الكردية العراقية الأساسية والتشنّجات بين القوات الكردية العراقية والسورية على الأرض تعرقل هذا المجهود. ومن العوائق الأخرى تردُّد تركيا في فتح قاعدة إنجرليك الجوية أمام البعثات القتالية التي تحارب "داعش".
تحدّث موقع "المونيتور" مع مسرور بارزاني، الذي يتولى رئاسة جهاز الاستخبارات في حكومة إقليم كردستان، عن التحدّيات التي يواجهها التحالف الذي يحارب تنظيم "داعش". بارزاني، ولقبه الرسمي مستشار مجلس أمن إقليم كردستان، هو الابن البكر لمسعود بارزاني، رئيس حكومة إقليم كردستان وزعيم "الحزب الديمقراطي الكردستاني". يقول ديبلوماسيون غربيون إنه يشبه والده كثيراً - فهو لا يحب التباهي، كما أنه راسخ في اقتناعاته ومتحفظ. وقد تمت المقابلة في المجمع الرئاسي المشدّد الحراسة شمال إربيل، عاصمة حكومة إقليم كردستان.
في ما يأتي أبرز ما ورد في المقابلة:
المونيتور: كيف تسير الحرب على تنظيم "داعش"؟
بارزاني: عرفنا نجاحات وإخفاقات. مُنِع [تنظيم داعش] من التقدم وأُلحِقت به هزيمة على جبهات عدة. لقد حرّرنا مساحة شاسعة، لا سيما غرب نهر دجلة، بما في ذلك ربيعة وزمار. وكذلك جرى تحرير الأراضي الواقعة جنوب إربيل على مقربة من مخمور والكوير، وغرب كركوك وجنوب غربها بينها وبين إربيل. وسيطرنا أيضاً على جلولاء والسعدية وخانقين. إذاً يبلغ مجموع المساحة التي سيطرنا عليها نحو 20000 كيلومتر مربع [7722 ميلاً مربعاً]. لسوء الحظ، فقدنا نحو 1280 مقاتلاً من قوات البشمركة منذ آب الماضي [عندما هاجم تنظيم داعش إربيل]. وأصيب نحو 7000 من مقاتلي البشمركة بجروح. لكن [تنظيم داعش] تكبّد أيضاً خسائر كبيرة مع سقوط 11000 قتيل من عناصره في الهجمات البرية التي شنّتها قواتنا وضربات التحالف الجوية. شعرنا لبرهة بأن التنظيم يتراجع. لكن سقوط الرمادي [في العراق] وتدمر في سوريا منحه اندفاعة كبيرة على المستوى اللوجستي وكذلك على صعيد المعنويات. لقد وجّه ذلك رسالةً واضحة إلى سكّان المناطق الخاضعة لسيطرة التنظيم وكأنه يقول لهم: "نحن قادرون على إعادة تنظيم أنفسنا وشن هجمات". ليس هزمهم بالأمر السهل على الإطلاق.
المونيتور: ما الخطوات الإضافية التي يجب القيام بها؟
بارزاني: أنا على يقين من أن [تنظيم داعش] سيُهزَم. إنها مسألة وقت. بصراحة، لا أحد غير الأكراد يبذل مجهوداً كافياً.
المونيتور: لكن تبيّن أن الدعم من التحالف حيوي.
بارزاني: بالطبع، الجميع يساهمون بطريقة أو بأخرى، لكنهم لا يتحرّكون بالسرعة اللازمة. ما زلنا ننتظر أن يقوم التحالف بتدريب قوات جديدة [لمحاربة داعش] من أجل نشرها في العراق وسوريا. سيستغل [تنظيم داعش] هذا الوقت لتجنيد مزيد من الأشخاص، وسيسقط مزيد من الضحايا الأبرياء.
إذاً السؤال المطروح هو: ما مدى تصميم المجتمع الدولي على هزم [داعش] بأسرع وقت ممكن؟
المونيتور: غالباً ما تُنتقَد تركيا بأنها غير ملتزمة كفايةً بالتحالف، على الرغم من أنها عضو فيه. مثالٌ على ذلك عدم سماحها لطائرات التحالف باستخدام قاعدة إنجرليك الجوية. نعلم أن والدكم على وجه الخصوص خاب ظنّه كثيراً من امتناع تركيا عن التدخل عندما أصبح تنظيم "داعش" قريباً جداً من إربيل الصيف الماضي.
بارزاني: ليس من شأني أن أحلّل تصرفات الحكومات وأملي على الأتراك ما عليهم فعله. لكن الوقائع واضحة حول طريقة تعامل كل بلد مع هذه المسألة تحديداً. لدينا توقعات أكبر من تركيا.
عليهم أن يفعلوا أكثر بكثير مما يقومون به الآن. إنهم أعضاء في الناتو، لذلك عليهم أن يستنبطوا منظومة مع باقي أعضاء التحالف حول السبل التي يمكن أن تقدّم تركيا من خلالها المساهمة الأفضل. نحن قلقون من تدهور الأوضاع في سوريا، إنما أيضاً من التدهور في عملية السلام الكردية في تركيا. نرغب في رؤية [تنظيم داعش] يُهزَم وفي أن يتم التعجيل في عملية السلام لنتمكّن نهائياً من تسوية هذه المشكلة بين الأتراك والأكراد في تركيا.
المونيتور: لكن التصريحات الأخيرة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان والحكومة التركية تشير إلى أن موقفهما يزداد تصلباً. فقد قال أردوغان إنه لن يسمح بإنشاء دولة كردية على الحدود التركية. ووصفت الصحف الموالية للحكومة "وحدات حماية الشعب" بأنها تشكّل تهديداً أكبر من "داعش".
بارزاني: أظن أنه على الأتراك أن يبدوا قلقاً أكبر بشأن وجود [داعش] عند الحدود التركية. في الواقع، يجب أن يشعر الأتراك بالارتياح لأن الأكراد الذين هم أصدقاء تركيا، يسيطرون على الحدود بدلاً من [تنظيم داعش] الذي هو عدو العالم بأسره.
عندما أقول أكراداً، لا أقصد بالتحديد "وحدات حماية الشعب". بل أقصد عدداً كبيراً من القوى الكردية الأخرى، أحزاباً سياسية أخرى [مثل الحزب الديمقراطي الكردستاني-سوريا]، والتي تُعتبَر قوى معتدلة. حتى لو كانت لدى تركيا مخاوف بشأن مجموعة محددة [وحدات حماية الشعب]، أعتقد أنه يجدر بها المساعدة على بناء تحالف من كل القوى المعتدلة. ويحاول الأميركيون تشجيع هذا الأمر [التعاون بين وحدات حماية الشعب والحزب الديمقراطي الكردستاني-سوريا] لأنه السبيل الوحيد للمضي قدماً. نعتبر أنه يجب أن يحظى جميع الأفرقاء بفرصة عادلة للمشاركة والعمل في [كردستان سوريا]. في مختلف الأحوال، محاربة "داعش" لا تعني أنه سيصبح هناك على الفور كردستان مستقل.
المونيتور: ألا تريدون أن يحصل كردستان العراق على الاستقلال؟
بارزاني: لا أعتقد أن المشروع العراقي ذو جدوى. حان الوقت ليدرك العالم أنه يجب إعادة النظر في المنظومة الفاشلة. من الحماقة تكرار الخطأ نفسه والاعتقاد بأنه سيقودك إلى نتيجة مختلفة. هذا ينطبق تماماً على العراق. كم مرة حاولنا دعم قيام حكومة مركزية موحّدة وقوية في بغداد؟ لم ينجح الأمر. تخضع كردستان لسيطرة الأكراد، والمناطق السنّية لسيطرة [داعش]، والمناطق الشيعية لسيطرة القوى الشيعية و"قوات التعبئة الشعبية". يبذل رئيس الوزراء [حيدر] العبادي جهوداً حثيثة لإصلاح الأمور. لكن يتعين على الحكومة العراقية القبول بهذا الواقع والبحث عن حلول أخرى. لسنا ندفع باتجاه انفصال قسري، بل نتحدث عن طلاق ودّي.
المونيتور: وماذا ستفعلون في موضوع كركوك؟
بارزاني: إذا كانت الحكومة العراقية واثقة إلى هذه الدرجة من أن كركوك جزء من العراق، لماذا لم يطبّقوا بعد المادة 140 من الدستور العراقي؟ تنص المادة صراحةً على وجوب تنظيم استفتاء حول وضع كركوك. لكن يجري باستمرار تأجيل الاستفتاء. لماذا؟
المونيتور: تقولون إن "داعش" يسيطر على المناطق السنّية العربية على حدود إقليم كردستان. كيف ستقنعون "داعش" بالقبول باستقلالكم؟
بارزاني: ليس [داعش] جزءاً من أي حوار. [داعش] يجب أن يُهزَم.
المونيتور: هل تقصدون أنه عليكم هزم [داعش] قبل إعلان الاستقلال؟
بارزاني: لا، لا نقول ذلك لأننا لا نعرف إلى متى سيستمر [داعش]. أولويتنا هي محاربة [داعش]، لكن القضاء على [داعش] لا يعني أن الإرهاب سينتهي. سوف يظهر بأشكال أخرى كثيرة.
المونيتور: هل ستحققون فعالية أكبر في محاربتهم إذا كنتم مستقلين؟
بارزاني: نعم.
المونيتور: هلاّ تشرحون أكثر.
بارزاني: سنتمكّن من عقد اتفاقات بأنفسنا لشراء الأسلحة بالكميات التي نحتاج إليها، وبالجودة اللازمة وفي الوقت المحدّد. أما الآن فنحن ما زلنا نواجه للأسف صعوبات في الحصول على الأسلحة التي نحتاج إليها وبالكميات اللازمة، وفي التوقيت المطلوب.
المونيتور: هل يفيدكم وجود قاعدة أميركية لحمايتكم؟
بارزاني: عندما يصبح كردستان مستقلاً، يمكنني أن أجيبك عن هذا السؤال.
المونيتور: هل تتخيّلون سيناريوهاً تصبح فيه المناطق الكردية في سوريا جزءاً من كردستان مستقل تكون عاصمته إربيل؟
بارزاني: لا أعلم. لا أريد الخوض في التكهنات. هدفنا في كردستان العراق هو التركيز على كردستان العراق الذي يملك إدارة وأراضي مشروعة ومعترفاً بها. ونرغب في إقامة علاقات ودّية مستندة إلى الاحترام المتبادل مع جميع جيراننا.
المونيتور: عرضت تركيا تأدية دور الوسيط بين "الحزب الديمقراطي الكردستاني" و"وحدات حماية الشعب"/"حزب العمال الكردستاني" حول سنجار. من المعلوم تماماً أن هناك تشنّجات بين قواتكم و"وحدات حماية الشعب"-"حزب العمال الكردستاني" التي أدّت دوراً مهماً في تحرير سنجار. تريدون من "وحدات حماية الشعب" مغادرة سنجار، لكنها تمانع؟
بارزاني: أراد الأتراك تأدية دور، لكنه جاء متأخّراً بعض الشيء، لأنه عندما تعرّض الأكراد للهجوم من [داعش]، توقّعنا من تركيا تأدية دور أكبر بكثير عبر المشاركة بفعالية ومدّ الأكراد بالدعم الذي يحتاجون إليه. سنجار قصة مختلفة تماماً. إنها تقع في عمق أراضينا. لقد تمت تسوية المشكلة هناك [احتلال داعش لها] بمساعدة الضربات الجوية من التحالف، إنما في شكل أساسي بفضل قوات البشمركة. سنجار أرض كردية داخل العراق، و"حزب الاتحاد الديمقراطي" [الذراع السياسي لـ"وحدات حماية الشعب"] ضيفٌ هناك تماماً كما أن قوات البشمركة كانت ضيفة على كوباني عندما دخلتها لمؤازرة "وحدات حماية الشعب"، لكنها انسحبت بعد ذلك. يتوقع أبناء كردستان العراق من المقاتلين الأجانب أن ينسحبوا في نهاية المطاف ويعودوا من حيث أتوا.
المونيتور: أليس أكثر ما يتمنّاه الأكراد في كل مكان أن تتعالوا فوق خلافاتكم وتتّحدوا؟ سمعت كثراً يقولون إنه يجب تشكيل جيش يُوحِّد في صفوفه مختلف المجموعات الكردية؟
بارزاني: نحن متّحدون ضد [داعش]. هناك أكراد من العراق وإيران وسوريا وتركيا يشاركون في القتال. أما في ما يتعلق بإنشاء جيش كردي موحّد يضم كل هذه المجموعات المختلفة، فلا بد من فهم الوقائع على الأرض. ربما من السابق لأوانه التفكير بحدوث مثل هذا الأمر، لا سيما نظراً إلى الوضع الفريد لكردستان العراق. من الأفضل للأكراد في المناطق الأخرى أن يساعدوا إقليم كردستان العراق.
المونيتور: كيف سيُترجَم ذلك في سنجار؟
بارزاني: كما قلت، ليس لدى "حزب العمال الكردستاني" أي دور يؤدّيه في سنجار. يجب أن ينسحبوا من هناك لأن أبناء سنجار سيُحدّدون مستقبلهم بأنفسهم، وهذا شأنٌ خاص بكردستان العراق. هل يرضى "حزب العمال الكردستاني" أن يتدخّل حزب سياسي كردي داخل العراق بشؤون ديار بكر أو مردين؟ لكن هناك أفرقاء داخل المجتمع الكردي في تركيا يجب أن يُسمَح لهم بالتأكيد بتأدية دور. نحن نؤمن بمنظومة متعددة الأحزاب. يجب أن ينسحب عناصر "وحدات حماية الشعب"-"حزب العمال الكردستاني" عندما تعود الأوضاع إلى طبيعتها.
المونيتور: ماذا عن وجود "حزب العمال الكردستاني" في جبال قنديل؟
بارزاني: هذه أراضٍ عراقية وعليهم مغادرتها. هذا أحد الأسباب وراء رغبتنا الشديدة في نجاح عملية السلام الكردية داخل تركيا. نأمل بأن تُسوّى هذه المشكلة بطريقة سلمية.
المونيتور: ما مدى قلقكم من تعاظم النفوذ الإيراني وتنامي دور "قوات التعبئة الشعبية"؟
بارزاني: نحترم إنجازات "قوات التعبئة الشعبية"، لكن يجب توضيح وضعها. يجب أن تخضع للإشراف القانوني، وأن تكون خاضعة للمساءلة الكاملة أمام السلطات العراقية، وبدلاً من أن تكون هناك حالة من التنافس، يجب أن يكون هناك تكامل. في مختلف الأحوال، أرضنا هي، بموجب الدستور، تحت حماية قواتنا وسيطرتها، لذلك لا حاجة إلى دخول أطراف أخرى إليها. وكما قلت، نودّ إقامة علاقات ودّية مع جميع جيراننا بما في ذلك إيران، وأن تكون هذه العلاقات مستندة إلى الاحترام المتبادل.
لا يمكنهم أن يتعاملوا معنا باستعلاء معتبرين أننا مجرد أتباع أو أشخاص دونيين.
المونيتور: هل يفعلون ذلك؟
بارزاني: في بعض المناطق، نعم، إنما بالتأكيد ليس في كردستان. كردستان مختلف.
المونيتور: لكن إيران تدخّلت في الشؤون الداخلية لكردستان العراق من قبل، كما فعلت في التسعينيات عندما ساعدت "الاتحاد الوطني الكردستاني" على استعادة السيطرة على السليمانية من "الحزب الديمقراطي الكردستاني".
بارزاني: لا شك في أن هناك خلافات بين الأحزاب. وهناك اعتمادٌ على أطراف ثالثة. هدفنا وهدف رئيسنا هو إنشاء إقليم كردستاني مزدهر وديمقراطي يحترم جيرانه. ندرك أن إقليم كردستان يتعرض للضغوط من جيرانه، لكن في نهاية المطاف، على الأكراد أن يدركوا أن الوحدة هي الضمانة الحقيقية لنجاحهم.
المونيتور: تنتهي ولاية الرئيس في آب/أغسطس المقبل، وثمة خلافات بين "الحزب الديمقراطي الكردستاني" والمعارضة حول تمديد رئاسته لولاية ثالثة. فضلاً عن ذلك، تصرّ المعارضة على ضرورة كبح صلاحيات الرئيس [مسعود بارزاني]. إنه بالتأكيد اختبارٌ لوحدتكم.
بارزاني: أعتقد أن الرئيس أصبح رمزاً للحركة القومية الكردية، سواء قبِل البعض بذلك أم لم يقبلوا. إذا كانت الظروف طبيعية، سنجري انتخابات في 20 آب/أغسطس المقبل، وقد طلب الرئيس من البرلمان واللجنة الانتخابية الاستعداد للانتخابات. يقع الآن على عاتق اللجنة التحضير للانتخابات لإجرائها في الوقت المحدّد، وفي حال تعذّر ذلك، يجب تفادي الفراغ القانوني. قبل أن تُطرَح هذه المسألة، كان هناك إجماع بين مختلف الأفرقاء السياسيين حول وجوب تسوية كل المسائل المتعلقة بالمصلحة الوطنية عن طريق التوافق. إذا كان هؤلاء الأفرقاء يعون جيداً التهديد الذي يشكّله [تنظيم داعش] والمشكلات الاقتصادية التي نعاني منها بسبب تقاسم العائدات مع بغداد، سوف يدركون أن آخر ما يريده كردستان هو أزمة جديدة. التوافق هو السبيل الأفضل للمضي قدماً.
عندما كان "الحزب الديمقراطي الكردستاني" يملك أكثرية المقاعد وسلطة اتخاذ القرارات، كان يشجّع دائماً التوافق والوحدة الوطنية. للأسف، عندما يشعر خصوم "الحزب الديمقراطي الكردستاني" بأن هناك فرصة سانحة لإسقاطه، ينسون المصلحة الوطنية ويسعون على الفور إلى استغلال الوضع لتحقيق مكاسب سياسية. إنها لعبة رخيصة.