رام الله، الضفّة الغربيّة — تعيش قرية أم الحيران في النّقب بجنوب فلسطين حال ترقّب لمواجهة الجرّافات الإسرائيليّة المتأهّبة للانقضاض على منازلها، تمهيداً لإقامة مستوطنة يهوديّة على أنقاضها. وباتت نحو 70 عائلة بدويّة (ألف فلسطينيّ) تواجه خطر الإخلاء القسريّ، بعد صدور قرار نهائيّ من المحكمة الإسرائيليّة العليا في 5 مايو/أيّار من عام 2015 صادقت فيه على قرار الحكومة الصادر في عام 2002 بهدم القرية وبناء بلدة حيران اليهوديّة على أنقاضها .
ويأتي استهداف أم الحيران كحلقة ضمن سلسلة مشاريع إسرائيليّة تهدف إلى الاستيلاء على أراضي النّقب كمخطّط برافر التهويديّ الذي قدمه وزير التخطيط الإسرائيلي السابق إيهود برافر، عام 2011، واستمرار إهمال القرى العربيّة غير المعترف بها لإقامة تجمّعات استيطانيّة.
وفي هذا الإطار، قال رئيس المجلس الإقليميّ للقرى غير المعترف بها في النّقب عطيّة الأعسم لـ"المونيتور": "إنّ السلطات الإسرائيليّة تستخدم كلّ الوسائل لإجبار سكّان النّقب على الرضوخ أمام المخطّطات الهادفة إلى هدم القرى والاستيلاء عليها بمساعدة القضاء لإقامة 21 مستوطنة يهوديّة".
وتعاني قرى النّقب من تمييز عنصريّ من قبل السلطات الإسرائيليّة بحرمان سكّانها من الخدمات الأساسيّة، إذ قال الأعسم: "إنّ سكّان قرى النّقب المعترف بها مثل رهط، يعانون من تمييز عنصريّ في رصد الموازنات المالية العامة لها حيث تكون متدنية جدا مقارنة مع البلدات الاسرائيلية. في حين تحرم 46 قرية غير معترف بها يقطنها أكثر من 90 ألف فلسطينيّ من الخدمات الأساسيّة كالكهرباء والمياه، ويتهدّدهم الطرد".
وشكّلت القرى غير المعترف بها في عام 1997 المجلس الإقليميّ للدّفاع عنها، ولكن إسرائيل رفضت الاعتراف به والتّعامل معه. وقال الأعسم: "جاء تشكيل المجلس، بعد ما شكّلت كلّ قرية من القرى الـ46 لجنة محليّة، ينتخب رؤوساء اللّجان رئيس المجلس الإقليميّ لـ5 سنوات، ولكن اسرئيل رفضت الاعتراف بنا والتّعامل معنا. لدينا مطلبان أساسيّان الأوّل الاعتراف بالقرى. أمّا الآخر فهو إعطاؤها الخدمات الّتي يجب أن تقدّمها الدولة إلى المواطنين كالتّعليم والصحّة والبنية التحتيّة".
وإذا ما أقدمت السلطات الإسرائيليّة على هدم قرية أم الحيران، واستمرّت في تجاهل قرى النّقب، فإنّ ذلك سيشعل غضبة شعبيّة مشابهة للهبّة ضدّ مشروع برافر في النّقب، الّذي بدأ الكنيست الإسرائيليّ خطوات إقراره في نهاية يونيو/حزيران من عام 2013، والهادف إلى سلب 800 ألف دونم، الّتي تبقّت من المساحة الإجماليّة للنّقب البالغة 13 مليون دونم.
ومن جهتها، قالت النائب العربي في الكنيست الاسرائيلي حنين زعبي لـ"المونيتور": "إنّ استمرار إسرائيل في هذا المخطّط يعيد الغضب الشعبيّ إلى الشارع. وإذا ما أصرّت الجرّافات الإسرائيليّة على هدم هذه القرى، فسنقف أمامها ونتصدّى لها بأجسادنا. إنّ إسرائيل تعلم أنّنا لن نتنازل، وأصحاب الأراضي هم حجر الصمود الأوّل في وجه المخطّط، وقد أكّدوا رفضهم التّنازل عن الأرض أو التّهجير منها. لذلك، فإنّ الغضب الشعبيّ سيكون بوصلة النضال للحفاظ على الأرض".
وبدوره، قال النائب في القائمة المشتركة عن منطقة النّقب طلب أبو عرار لـ"المونيتور": "إنّ سعي إسرائيل إلى الاستيلاء على الأراضي وابتلاع القرى العربيّة، يجب أن يقابله حراك سياسيّ وشعبيّ متصاعد وفق برنامج نضاليّ، مجابهة للسياسة العنصريّة. إنّ إسرائيل تمارس أبشع أنظمة الحكم والديكتاتوريّات، من خلال حرمان عشرات القرى من الحقوق الأساسيّة والسعي إلى ترحيل أهلها قسريّاً، الأمر الّذي سيؤدّي في النهاية إلى تفجّر الأوضاع. كما أنّ إسرائيل تنظر الى العرب كخطر ديموغرافيّ وأمنيّ. لذلك، تتعامل معهم بعدائيّة، وليس كمواطنين".
وكان المركز القانونيّ لحقوق الأقليّة العربيّة في إسرائيل "عدالة" قد أطلق في 15 مايو/أيّار من عام 2015 حملة للدفاع عن قرية أم الحيران، تحت شعار "لن تسقط أم الحيران"، لمنع تهجير أهلها.
وفي هذا السّياق، أشار النّاطق الرسميّ لمركز "عدالة" المحامي مجد كيّال لـ"المونيتور" إلى أنّ الهجمة الإسرائيليّة الأخيرة تعتمد على "مبدأ واحد هو حصر أكبر عدد ممكن من الفلسطينيّين على أصغر مساحة ممكنة من الأرض بهدف السيطرة على النّقب، وتحويلها إلى أغلبيّة يهوديّة"، وقال: إنّ الفلسطينيّين يشكّلون اليوم 30 في المئة من سكّان النّقب، ويعيشون ضمن 3 في المئة فقط من مساحتها، في حين تسعى المخطّطات الإسرائيليّة إلى حصر الفلسطينيّين في أقلّ من 1 في المئة من المساحة، وتحويل البقيّة إلى مناطق يهوديّة.
وعن استهداف قرية أم الحيران الّتي مثّلها مركز "عدالة" لمدّة 13 عاماً في المحاكم الإسرائيليّة، قال كيّال: "إنّ قضيّة أم الحيران تجسّد جوهر الهدف الإسرائيليّ من دون مسوغات أو ذرائع، والمتمثّل باقتلاع العرب وإقامة مستوطنة حيران على أنقاضها".
وعن تماهي القضاء الإسرائيليّ، قال كيّال: "لا يمكن للقضاء الإسرائيليّ أن يكون منصفاً مع الفلسطينيّين في قضايا تتعلّق بالأرض، الّتي تعتبر خطّاً أحمر وقضيّة حياة أو موت لدى إسرائيل. ولذلك، نجد أنّ القضاء دائماً يقف بجانب السلطات الإسرائيليّة ويتنكّر للحقوق العربيّة".
ومن جهته، أشار أستاذ الجغرافيا في جامعة "بئر السبع" في النّقب ثابت أبو راس لـ"المونيتور" إلى أنّ الحكومة الإسرائيليّة أمرت في عام 1956 بنقل أهالي قرية أم الحيران إلى هذه الأرض، بعد تهجيرهم من قريتهم الأصليّة "خربة زبالة" في عام 1948، وهي تسعى اليوم إلى طردهم لتنفيذ مخطّطها التهويديّ في النّقب، وقال: "إنّ إسرائيل ماضية بتنفيذ مخطّط برافر على الأرض لحصر العرب في أصغر مساحة من الأرض، وتشجيع الاستيطان والاستثمار اليهوديّ في المنطقة، وهو الأسلوب ذاته المتّبع في مناطق "ج" بالضفّة الغربيّة".
وتقوم اسرائيل في المناطق "ج" الخاضعة اداريا لسيطرة اسرائيلية وتبلغ مساحتها 60% من مساحة الضفة الغربية بتنفيذ سلسلة هدم للمساكن وخيام الفلسطينيين بحجة البناء غير المرخص، كما تقوم بطردهم لايام واسابيع بحجة اجراء تدريبات عسكرية للضغط عليهم للرحيل عن ارضهم.
وكانت منظّمة العفو الدوليّة قد أصدرت وثيقة في 24 مارس/آذار من عام 2014 بعنوان "المشاورات المليئة بالمثالب تعرّض بدو النّقب إلى خطر الإخلاء القسريّ" ، قالت فيها: "عقب المراسلات الّتي تبادلتها المنظّمة مع السلطات الإسرائيليّة في شأن الخطط المتعلّقة بإخلاء 30 ألف فلسطينيّ من أهالي النّقب، توصّلت المنظّمة إلى أنّ المشاورات مليئة بالمثالب الخطيرة ولا تفي بالمعايير الدوليّة. واذا لم يتمّ تصحيح ذلك، فإنّ أيّ عمليّة لإعادة توطين هؤلاء الأهالي ستصل إلى حدّ الإخلاء القسريّ". ودعت إسرائيل إلى "الاعتراف الرسميّ بكلّ القرى الّتي يطلق عليها اسم القرى غير المعترف بها ووقف عمليّات الهدم الجارية وتوفير مستويات كافية للخدمات الأساسيّة فيها".
وفي ظل قرارات القضاء الداعمة للسلطات الاسرائيلية، لم يبقى امام فلسطينيو النقب سوى الاستعداد لمواجهة ما هو قادم من تحديات اذا ما ارادوا البقاء فوق ارضهم، على غرار الهبة الشعبية التي عمت المدن الفلسطينية في العام 48 لمواجهة مخطط برافر.