رام الله، الضفّة الغربيّة – يسعى الرئيس الأميركيّ الأسبق جيمي كارتر إلى تحريك المصالحة الفلسطينيّة المتعثّرة، عبر حثّ السعوديّة على استخدام نفوذها، حيث أبدت استعدادها للتوسّط مرّة أخرى بين حركتي فتح وحماس.
وأكّد كارتر الذي يترأّس مجموعة "الحكماء الدوليّين" خلال لقائه الرئيس محمود عبّاس في مقرّ المقاطعة في 2 أيّار/مايو الجاري، أنّ "مباحثاته ركّزت على إمكان إجراء انتخابات فلسطينيّة، وتطبيق اتّفاق الشاطئ بين حركتي فتح وحماس، مبدياً استعداد "مجلس الحكماء" لبذل مجهود كبير لتطبيق كلّ ما تمّ في هذا الاتّفاق".
وحالت أسباب أمنيّة دون تمكّن كارتر من زيارة قطاع غزّة ولقاء مسؤولين من حماس، إلّا أنّ التواصل بين الطرفين لم ينقطع.
وحول ما حمله كارتر في جعبته خلال زيارته الأخيرة، قال مصدر فلسطينيّ مسؤول رفض الكشف عن هويّته لـ"المونيتور"، إنّ الرئيس كارتر من الشخصيّات التي سعت سابقاً إلى إنجاز مصالحة بين حركتي فتح وحماس.
وأضاف المصدر: "وفق معلوماتنا، فإنّ كارتر طلب من السعوديّة تفعيل دورها في ملفّ المصالحة، وهي أبدت موافقتها من دون ممانعة، شرط وجود ضمانات جديّة من الطرفين"، خصوصاً في ضوء تجربتها في اتّفاق مكّة الذي وقّع في 8 شباط/فبراير 2007.
وكانت الرياض قد رعت إبرام اتّفاق مكّة بين الحركتين في 8 شباط/فبراير 2007 الذي أسفر عن تشكيل حكومة وحدة وطنيّة برئاسة اسماعيل هنيّة، والتي سرعان ما لفظت أنفاسها على وقع الاشتباكات المسلّحة بين الحركتين في 7 حزيران/يونيو 2007، التي أسفرت عن سيطرة حماس على قطاع غزّة، وإعلان الرئيس عبّاس حالة الطوارئ.
وكشف عضو المكتب السياسيّ لحركة حماس زياد الظاظا لـ"المونيتور"، قائلاً: "ان كارتر اجرى اتصالات مع السعودية وحثهم على التدخل من اجل تنفيذ اتفاق مكة الاول، وقام بايصال رسائل لنا وللرئيس عباس تفيد بموافقة السعودية على رعاية المصالحة، وان السعودية ارسلت لنا وللرئيس عباس رسائل تطلب بها موافقتنا لاعادة تفعيل الدور السعودي في المصالحة وابداء الجدية ازاء الملف، وهو الامر الذي ابدينا موافقتنا عليه ودعمنا له".
واضاف الظاظا ان حركته ترحب بدور السعودية لرعاية ملف المصالحة، رغم انها (المصالحة) متوقفة بسبب عدم تنفيذ الرئيس عباس اتفاق القاهرة الذي وقعت عليه كل الفصائل الفلسطينية.
وحول الدوافع التي شجعت كارتر على لعب هذا الدور قال الظاظا "ان الاطراف العربية والاقليمية ومن بينهم كارتر اكتشفوا انه لا جدوى من تجاوز حركة حماس في أي عملية سياسية واقتصادية، خاصة بعد العدوان الاخير على غزة، وان الانفتاح العربي والاقليمي على الحركة سببه اكتشاف هذه الاطراف عدم صحة ودقة ما يروج له الرئيس عباس ضد حركة حماس".
وكانت حركتا فتح وحماس قد وقّعتا في 23 نيسان/أبريل 2014 اتّفاق الشاطىء برعاية فصائل منظّمة التحرير، يقضي بتشكيل حكومة توافق تمهّد لإجراء انتخابات بعد ستّة أشهر.
وفشلت حكومة التوافق التي أدّت اليمين الدستوريّة في 2 حزيران/يونيو 2014، في القيام بمهمّتها في التحضير لانتخابات رئاسيّة وتشريعيّة، ومجلس وطنيّ وفق المطلوب منها. كما فشلت الحركتان في ترجمة تنفيذ بقيّة بنود اتّفاق المصالحة التي تشمل المصالحة المجتمعيّة، تطوير منظّمة التحرير، إجراء الانتخابات، واستئناف عمل المجلس التشريعيّ.
من جانبه، قال المستشار السياسيّ للرئيس محمود عبّاس نمر حماد لـ"المونيتور"، إنّ هناك جهوداً ومطالب عربيّة ودوليّة من ضمنها المملكة السعوديّة، لإنهاء الانقسام.
وحول إمكان الذهاب إلى اتّفاق مكّة 2، قال حماد: "إنّ الجواب الفلسطينيّ للرئيس كارتر كان أنّ المشكلة لا تحتاج إلى اتّفاق جديد بين حركتي فتح وحماس. فلو ذهبنا إلى مكّة 2، لن نجد قضايا جديدة نبحثها ونتّفق عليها".
وأضاف حماد أنّ "حقيقة الخلاف بينهم وبين حماس وجود برنامجين، ورفض حماس التخلّي عن سيطرتها على غزّة"، مضيفاً أنّ الرئيس عبّاس طلب من كارتر إقناع حركة حماس بإجراء الانتخابات الرئاسيّة والتشريعيّة تحت إشراف وضمانات دوليّة، وبأن يأتي بموافقة مكتوبة منها حول ذلك".
من جانبها، نفت حركة فتح أن يكون هناك تحرّك سعوديّ تجاه المصالحة الفلسطينيّة، إذ قال أمين سرّ المجلس الثوريّ لحركة فتح أمين مقبول لـ"المونيتور": "ليس ما يجري تحرّكاً سعوديّاً، بل تحرّكاً من قبل كارتر وحركة حماس نحو السعوديّة، لكنّ السعوديّة ليس لها تحرّك، ولم تتّصل بأحد لتفعيل دورها في المصالحة".
وأضاف مقبول: "لم تطرح السعوديّة عقد اتّفاق مكّة 2، ولا ترغب في الدخول بهذا الأمر، لكنّ حماس هي من تريد ذلك وترغب فيه، وتروّج للأمر في وسائل الإعلام".
وأضاف مقبول: "أبلغ الرئيس عبّاس كارتر، وأعلن خلال اجتماع المجلس المركزيّ الأخير، أنّه مستعدّ لإجراء الانتخابات الرئاسيّة والتشريعيّة في حال حصوله على كتاب خطّي من حماس"، مضيفاً أنّ المصالحة في حاجة فقط إلى البدء بتنفيذ اتّفاق الشاطئ الأخير، وتمكين الحكومة من توحيد مؤسّسات السلطة في الضفّة والقطاع.
وأبدى الظاظا استعداد حركته لخوض الانتخابات، قائلاً: "نحن مستعدّون إلى إجراء الانتخابات، لكن لماذا يحتاج الرئيس عبّاس إلى كتاب خطّي؟ فالمطلوب منه دعوة الإطار القياديّ لمنظمّة التحرير للاجتماع لوضع قانون انتخابات المجلس الوطنيّ، ودعوة المجلس التشريعيّ إلى الانعقاد لإقرار نظام الانتخابات، وأن تقوم الحكومة بتهيئة الأجواء للانتخابات من خلال إطلاق سراح المعتقلين وإطلاق الحريّات، وعبّاس يمنع ذلك من خلال الأجهزة الأمنيّة".
من جانبه، قال مدير المركز الفلسطينيّ لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجيّة "مسارات" والمطّلع على مباحثات المصالحة هاني المصري لـ"المونيتور" إنّ التطوّر في جهود الرئيس كارتر كان "لقاءه بالملك السعوديّ الذي وافق على عقد لقاء يضمّ الرئيس أبو مازن وخالد مشعل".
وأضاف المصريّ أنّ "مشعل وافق على لقاء عبّاس عبر رسالة بعثها إلى الملك السعوديّ مع كارتر، لكنّ أبو مازن طلب كتاب حماس الخطّي لإجراء الانتخابات"، مشيراً إلى أنّ المصالحة الفلسطينية ليست بحاجة الى اتفاقيات ومباحثات جديدة وانما تنفيذ ما تم الاتفاق عليه، وهو ما يعني بحسب المصري رفض لبق ودبلوماسي من الرئيس عباس جهود كارتر.
وقال المصري إنّ التركيز على كيفيّة إجراء الانتخابات يسخّف الأمور، ويثبت أنّ الانتخابات ليست المدخل الحقيقيّ إلى المصالحة من دون تجسيد الوحدة الوطنيّة على الأرض، والتوصّل إلى حلول للكثير من القضايا العالقة.
وفي ظلّ عدم نضج الأطراف الفلسطينيّة لتحقيق الوحدة، فإنّ الأسباب التي حالت دون نجاح كلّ الاتّفاقيّات السابقة بين حماس وفتح لا تزال قائمة، وتهدّد جهود الرئيس الأميركيّ كارتر، بإبقائها في متاهة المصالحة، التي ضاعت بها جهود فلسطينيّة وعربيّة وإقليميّة طيلة 8 سنوات.