قتلت قوات الاحتلال الاسرائيلي خلال الحرب الأخيرة التي استمرت منذ 8-7-2014 وحتى 26-8-2014 خمسة عشر صحافياً، ومن هؤلاء الصحافيين من استشهد أثناء أداء عملهم، في حين استشهد بقية الصحافيين إما وهم بجانب منزلهم أو في داخله بعد قصف اسرائيلي.
وتعتبر اتفاقيات جنيڤ الأربع جريمة القتل أو سوء المعاملة للصحفيين في أوقات الحرب أو الاضطرابات المدنية على أنها جرائم حرب، كما تعطي الاتفاقيات الصحفيين قدرا من الحماية ضد الأخطار التي ينطوي عليها النزاع. وتنص على تحذير الصحفيين حتى يبتعدوا عن المناطق الخطر، وتقديم معلومات عنهم في حالة الوفاة أو الاختفاء أو السجن. موضحة أن الصحافيين عند اشتراكهم في النزاع أو حملهم للسلاح أو اسهامهم بشكل مباشر أو غير مباشر في العمليات العدائية، لا يعتبرون صحفيين.
وتابع المركز الفلسطينيّ لحقوق الإنسان ملف 11 صحافيّاً في شكل قانونيّ، وقالت مديرة الوحدة القانونيّة في المركز المحاميّة أحلام ميمة: "تابعنا قضيّة 11 صحافيّاً من الّذين قتلوا خلال الحرب، بعد تقديم عائلاتهم شكاوى رسميّة إلى المركز".
وتوضح المحامية أن المركز الفلسطيني لم يتابع بقية قضايا الصحافيين لأن عائلاتهم لم يقوموا بتوكيلهم أو يقدموا لهم شكوى رسمية على الرغم من تواصل المركز معهم، وهناك من توجه إلى مراكز حقوقية أخرى كعالئة الصحافية نجلاء الحج التي أوكلت مركز الميزان لحقوق الإنسان بذلك.
وأشارت لـ"المونيتور" إلى أنّه تمّ إعداد الملفّات قانونيّاً، بعد التحدّث مع الشهود وجمع الأدلّة وتحديد الأماكن الّتي قصفتهم فيها قوّات الاحتلال، وقالت: "كانت الخطوة الأولى، أنّنا قدّمنا شكوى إلى كلّ صحافيّ على حدة إلى النيابة العسكريّة الإسرائيليّة، وأخرى إلى وزارة الدفاع الإسرائيليّة، وجاء ردّ منهما على أنّهما قد استلما كلّ الشكاوى".
ولفتت المحامية إلى أنّ بعد مرور 60 يوماً لا يجوز تقديم الشكوى. كما أنّ أمام المركز عامين لرفع قضيّة أمام أقرب محكمة إسرائيليّة لقطاع غزّة، وهي محكمة بئر السبع، مشيرة إلى أنّ التوجّه إلى المحاكمات الدوليّة يتمّ بعد استنفاذ كلّ الطرق القانونيّة داخل الأراضي المحتلّة.
وكان شكّك تقرير للقناة السابعة الإسرائيليّة في هؤلاء الصحافيّين، مدّعياً أنّهم ينتمون إلى قنوات ووسائل إعلام تابعة لحركات مقاومة فلسطينيّة، وهذا التّشكيك لمتتبّعه سلطات الاحتلال، حين استجابت إلى طلب المركز الفلسطينيّ لحقوق الإنسان بالتّحقيق في شكوى استهداف فضائيّة القدس في برج الشوا الحصريّ مباشرة من طائرات الاحتلال خلال حرب 2012، وهي القناة القريبة من حركة "حماس"، وشكّلت لجنة تحقيق في الملفّ برئاسة الجنرال دورون ألموغ، فاستمعت إلى الصحافيّين من القناة كشهود عيان في 11-2-2014.
وفي الاطار ذاته، قال نائب نقيب الصحافيّين الدّكتورتحسين الأسطل: "إنّ الحال الفلسطينيّة مختلفة، فهناك العديد من الصحافيّين الّذين ينتمون إلى أحزاب سياسيّة، وهذا لا ينفي عنهم صفة كونهم صحافيّين".
وأشار إلى أنّ ما حدث من استهداف للصحافييّن يعتبر جريمة حرب أمام العالم كلّه، فقد استشهد معظمهم مع زملائهم في الميدان، وقال الأسطل لـ"المونيتور": إنّ ما تقوم به إسرائيل في الّتشكيك بالصحافيّين محاولة فاشلة لتضليل الرأي العام العالميّ.
أضاف: "نقوم حاليّاً، بالتّعاون مع المؤسّسات الحقوقيّة والإتّحاد الدوليّ للصحافيّين بجمع القرائن والدلائل لتقديمها إلى محكمة الجنايات الدوليّة، ويتمّ العمل ضمن لجنة أقرّها الرّئيس محمود عبّاس".
من جهتها، لم تتلق عائلات هؤلاء الصحافيّين المحليّين أيّ تعويضات من أماكن عمل أبنائها، وبعض هذه العائلات كان ابناؤها المعيل الوحيد للأسرة، كما عائلة الصحافيّ رامي ريان، الّذي قال والده فتحي ريان (64 عاماً) خلال لقاء في منزله البسيط، وكان يحيط به أبناء رامي الأربعة ويبلغ أصغرهم العام من عمره: "رامي كان وحيدنا، وهو كان يسكن مع زوجته وأبنائه معنا، فلم يأت أحد من المؤسّسة حيث يعمل ليقدّم إلينا أيّ تعويض أو راتب أو حتّى دعم معنويّ، رغم أنّه دفع حياته ليحصل على صور يرضي بها مؤسّسته".
وردّاً على هذه القضيّة، قال الدّكتور الأسطل: "يفترض على كلّ المؤسّسات الّتي لديها صحافيّون شهداء، حفظ حقوقهم وتسليمها إلى عائلاتهم، فهذه مهمّة أخلاقيّة، ونحن نتابع الأمر مع العديد من هذه المؤسّسات".
وعن سبب وقوع هذا العدد الكبير من الصحافيّين قتلى خلال الحرب الأخيرة، أشار المدرّب في مجال السّلامة الصحافيّة الصحافيّ سامي أبو سالم إلى أنّ السبب الأبرز يعود إلى إجرام الاحتلال الاسرائيليّ، وتعمّد استهداف الصحافيّين في أكثر من حال.
وأشار أبو سالم لـ"المونيتور" إلى أنّ السبب الثاني يتعلّق بالقصف العشوائيّ لمناطق كثيرة في القطاع، ممّا تسبّب في مقتل صحافيّين داخل بيوتهم، وقال: "أمّا السبب الثالث فيعود إلى اندفاع الصحافيّين غير المحسوب، والّذي يمكن أن يكون تهوّراً. كما لا توجد لديهم ثقافة السلامة، ممّا يجعلهم يذهبون إلى أماكن خطرة من دون أن ينتبهوا إلى حماية أنفسهم، إذ يكون لديهم الاندفاع لكشف جرائم الاحتلال على حساب سلامتهم".
ولفت إلى أنّ الأسباب الأخرى تعود إلى غياب أدوات حماية الصحافيّين كالسيّارات المصفّحة. كما أنّ المؤسّسات الصحافيّة غير بريئة، فهي تطلب أحياناً من الصحافيّ النزول إلى الميدان من دون الالتفات إلى سلامته.
ويحتاج الصحافيون في قطاع غزة التي شهدت ثلاثة حروب في أقل من ثمانية أعوام إلى مزيد من التدريب في مجال السلامة المهنية، ومعرفة حقوقهم التي تنص عليها القوانين الدولية خلال النزاعات، كذلك إلى نقابة قوية تطالب بحقوقهم من مؤسساتهم التي لم توفر لهم أدوات الحماية أو تعوض عائلاتهم، فقطاع غزة يمتلأ بالصحافيين الشباب المتحمسين، الذين يسعون وراء السبق الصحافي المكتوب والصورة الصحافية المتميزة على حساب أرواحهم.