مدينة غزّة، قطاع غزّة - بعد سنوات قليلة من سيطرة "حماس" على قطاع غزّة في 2007، انتشرت ظاهرة جديدة بوضع لافتات كبيرة بين الحين والآخر في الشوارع والمفارق، تشكر إحدى الدول أو الشخصيّات الّتي قدّمت دعماً ماليّاً وسياسيّاً إلى الحركة وتمويلاً لمشاريع في القطاع الساحليّ.
وإن آخر اللاّفتات "billboards" وضعتها جمعيّة أهليّة محليّة في الشهر الجاري تدعى "فتا" وتديرها جليلة دحلان، وهي زوجة القياديّ الفتحاويّ المفصول محمّد دحلان المقيم في الإمارات العربيّة المتّحدة، وضمّت صوراً للأمراء الإماراتيّين لتمويلهم حفل زفاف لـ400 شاب وفتاة من غزّة في 4 إبريل/نيسان المقبل.
وتظهر في اللاّفتات صور رئيس دولة الإمارات الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمّد بن زايد آل نهيان، ورئيس الهلال الأحمر الإماراتيّ ونائب القائد الأعلى للقوّات المسلّحة حمدان بن زايد آل نهيان، وكتب عليها "شكراً الإمارات... غزّة على موعد مع الفرح".
وقبلها بشهر تقريباً، انتشرت لافتات في الذكرى السنويّة الـ36 للثورة الإسلاميّة الإيرانيّة وضعت عليها أعلام فلسطين وإيران و"حزب الله" وصورة للمسجد الأقصى، وكتب عليها "مبروك لمحور طهران – القدس... 36 عاماً من العزّة والاستقلال"، من دون توقيع من أيّ جهة.
ومع انتهاء كلّ حرب من الحروب الثلاثة الّتي شهدها القطاع عام 2008-09، و2012، وكذلك عام 2014، ظهرت لافتات شكرت الجمهوريّة الإيرانيّة، وقالت إحداها: "الشكر والامتنان لإيران" بأربع لغات العربيّة، العبريّة، الفارسيّة، وكذلك الإنكليزيّة.
وتقدّم إيران دعماً ماليّاً وعسكريّاً سخيّاً إلى حركة الجهاد الإسلاميّ والجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين، فضلاً عن تقديمها دعماً إلى "حماس"، قبيل الأزمة الّتي نشبت بين الطرفين، نتيجة الخلافات حول الملف السوريّ وانسحاب قيادة "حماس" من دمشق.
وإنّ أكبر اللاّفتات وأشهرها، والتّي انتشرت بكثافة في شوارع القطاع، كانت عندما زار أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني قطاع غزّة في تشرين الأوّل/أكتوبر من عام 2012، وكانت تحت عنوان "شكراً قطر"، وحملت صوراً للأمير بجوار رئيس وزراء حكومة "حماس"، في حينه اسماعيل هنيّة.
وتعتبر قطر أكبر داعم ماليّ لقطاع غزّة في ظلّ حكم حركة "حماس"، إذ تبرّعت بما يقارب النّصف مليار دولار خلال زيارة الأمير للقطاع لتمويل مشاريع بنى تحتيّة ومساكن ومستشفيات متخصّصة.
وقال مصدر مسؤول في وزارة الداخليّة في قطاع غزّة لـ"المونيتور"، رفض الكشف عن هويّته: "هناك جهات، وعادة تنظيمات فلسطينيّة تضع تلك اللاّفتات في شوارع غزّة، تعبيراً عن موقف سياسيّ تجاه دول أو شخصيّات بموافقة الأجهزة الأمنيّة الّتي تراقب المحتوى الموجود".
أضاف: "نحن لا نتدخّل في المحتوى المكتوب على اللّوحات الإعلانيّة الكبيرة، ولكن لا نمانع وضعها كون تلك الجهات تقدم الدّعم إلى قطاع غزّة المحاصر. وقد تتقاطع لافتات يتمّ وضعها من قبل أكثر من جهة"، في إشارة إلى اللاّفتات المتعلّقة بإيران.
ليس هناك من عملية رسمية لوضع لوحة إعلانية. عادة الفصائل التي تريد القيام بذلك تستخدم علاقاتها الشخصية في وزارة الداخلية أو حماس.
وفي فترة حكم الرّئيس المصريّ المعزول محمّد مرسي انتشرت في القطاع لافتات تظهر فيها صورة الرّئيس مرسي مع زعيم "حماس" في غزّة اسماعيل هنيّة، في إشارة إلى الدّعم السياسيّ الّذي كانت تقدّمه مصر إلى حكومة "حماس".
وأثارت لافتة كبيرة وضعتها حركة "حماس" في ساحة السرايا في مدينة غزّة في إبريل/نيسان من العام الماضي، جدلاً واسعاً في الشارع الفلسطينيّ، إذ ضمّت صوراً لرئيس المكتب السياسيّ في "حماس" خالد مشعل ونائبه اسماعيل هنيّة، بجانب أمير قطر الشيخ تميم ووالده حمد والرّئيس التركيّ رجب طيّب أردوغان، وكتب عليها "القدس تنتظر الرّجال".
وانقسم الغزيّون بين مؤيّد ومعارض للصور ولافتات الشكر الّتي تضعها الفصائل، فبعضهم وصفها بأنّها "أقلّ تقدير يمكن أن تقدّمه غزّة إلى تلك الدول والشخصيّات"، ومنهم من قال إنّها "تمتهن الكرامة الفلسطينيّة".
وقال محمود عودة، موظف في شركة محلية، لـ"المونيتور": "هناك دول تدعم قطاع غزّة بالمال، وهذا المال يعود بالنفع على السكّان هنا، فلماذا لا يتمّ شكرها ومدحها، في مقابل جهات لا تقدّم شيئاً إلى القطاع، بل تحاربه وتمنع عنه التّمويل".
من جهته، قال صديقه إبراهيم الزميلي، 28، محاسب في إحدى المنظمات غير الحكومية المحلية, لـ"المونيتور": "هذه اللاّفتات تظهر ضعفاً ووهناً. كما تظهر الفلسطينيّين على أنّهم يسألون المال فقط، كأنّنا متسوّلون، فنحن شعب حرّ، لا يقبل المهانة".
وينعكس الانقسام السياسيّ الداخليّ الفلسطينيّ على آراء الفلسطينيّين تجاه الدول العربيّة المختلفة، ففي حال كانت تلك الدول داعمة لـ"حماس" يظهر غزيّون مناصرون لها تأييداً لتلك اللاّفتات، في حين أظهر فتحاويّون موالون لدحلان تأييدهم للاّفتات الّتي تقدّم شكراً إلى الإمارات.
ورغم كلّ الدّعم الّذي تقدّمه تلك الدول ولافتات الشكر الّتي تمّ تثبيتها في الشوارع والميادين العامّة، إلاّ أنّ قطاع غزّة ما زال يعاني حصاراً مشدّداً وارتفاعاً في معدّلات البطالة، وقال الزميلي: "نحن نريد الحريّة لا المال".