كعادة كلّ عام، واصلت الدّعوة السلفيّة تحريم مشاركة المسلمين للمسيحيّين الاحتفال بأعياد الميلاد (25 ديسمبر "الكريسماس" – 7 يناير) والفصح وتحريم تهنئتهم بها، واصفين المشاركة والتّهنئة بأنّها تعظيم لدين الكفر.
وبالتّزامن مع تلك التّصريحات، صرّح في شهر ديسمبر عدد من قيادات حزب النور، الذراع السياسيّ للدعوة السلفيّة، أنّ أزمة كوتة الأقباط على قوائم الحزب للانتخابات البرلمانيّة المقبلة انتهت، وأنّ الحزب نجح في ضمّ عدد من المسيحيّين إلى قوائمه.
ويذكر أنّ قانون الانتخابات البرلمانيّة المقبلة أقرّ أن يمثل الأقباط بنسبة 24 مرشّحاً على مستوى الجمهوريّة في قوائم الانتخابات لكلّ حزب أو تحالف.
لقد حاول "المونيتور" معرفة من هم الأقباط الّذين قرّروا خوض الانتخابات على قوائم النور، رغم تحريم الدّعوة السلفيّة الاحتفال بأعيادهم ورغم وصف بعض شيوخ الدعوة للمسيحيّين بالكفّار.
ورفض كلّ من أشرف ثابت وصلاح عبد المعبود، القياديّان في حزب النور وعضوا مجلسه الرئاسيّ، الكشف عن أسماء المسيحيّين الذين سيشاركون في الانتخابات البرلمانيّة على قوائم الحزب، معلّلين ذلك بأنّ القوائم المعدّة حاليّاً ليست نهائيّة، وقد تتغيّر إذا دخل الحزب في تحالفات مع أحزاب أخرى.
إنّ التوقّعات تتّجه نحو تحالف حزب النور مع بعض الحركات المسيحيّة الّتي يظنّ البعض أنّ بينها وبين الكنائس المصريّة خلافاً لمعارضة الكنيسة تعديل قوانين الأحوال الشخصيّة للمسيحيّين، بحيث تسمح لهم بالطلاق، ومن بين أشهر تلك الحركات حركة أقباط 38.
وأشار نادر الصيرفي، وهو منسّق أقباط 38، لـ"المونيتور" إلى أنّه أصدر قراراً يترك لكلّ فرد في الحركة حريّة المشاركة في الانتخابات البرلمانيّة المقبلة على قوائم أيّ حزب حتّى حزب النور، إلاّ أنّه لا تحالف بين الحركة والحزب، وقال: "بعض أعضاء الحركة في الإسكندريّة اتّفقوا مع النور على خوض الانتخابات البرلمانيّة على قوائمهم".
من جهته، قال منسّق حركة حماة الإيمان مينا جورج لـ"المونيتور": إنّ تحالف حزب النور مع بعض الحركات المسيحيّة مثل أقباط 38 وحماة الإيمان نوقش بالفعل داخل الحزب وحركة أقباط 38.
وفي ما يخصّ حماة الإيمان، قال جورج: "من النّاحية السياسيّة والقانونيّة فلا يوجد ما يمنع أيّ مسيحيّ من المشاركة في الانتخابات على قوائم حزب النور، ولا نمانع طالما كانت المشاركة في نطاق السياسة والقانون".
ويبدو أنّ انضمام المسيحيّين إلى قوائم حزب النور هو محور جدل داخل الحركات المسيحيّة نفسها، حيث كان رأي مينا أسعد كامل، وهو المتحدّث الرسميّ باسم حركة حماة الإيمان، أكثر حدّة تجاه حزب النور والمسيحيّين المنضمّين إلى قوائمه من رأي منسّق الحركة، وقال مينا أسعد لـ"المونيتور": "إنّ ظاهرة مسيحيّي حزب النور هي تجارة من الطرفين، فحزب النور مضطر إلى ضمّهم بموجب القانون، ويدّعي الإيمان بحقّ الأقباط، رغم أنّه لو صدر غداً قانون جديد يحلّ الأحزاب من ضرورة وجود الأقباط، سيقوم النور بطردهم أو على الأقلّ لن يرشّحهم في البرلمان".
ورغم تصريحات الصيرفي بتحالف النور مع عدد من أقباط 38 في الإسكندريّة، نفى رئيس اللّجنة الانتخابيّة لحزب النور صلاح عبد المعبود ذلك، مؤكّداً أنّ الأقباط على قوائم الحزب من غير المنتمين إلى أقباط 38 أو حماة الإيمان.
وتعليقاً على انضمام بعض المسيحيّين إلى قوائم حزب النور، قال أحد قساوسة الكنيسة الأرثوذكسيّة القسّ عبد المسيح بسيط لـ"المونيتور": إنّ الكنيسة لن تدخل في السياسة ولن تتّخذ أيّ إجراء تجاه المسيحيّين المرشّحين إلى عضويّة البرلمان على قوائم النور، كما قال بعض الصحف.
أضاف: "إنّ حزب النور يكفّر المسيحيّين. وبناء عليه، أيّ مسيحيّ يشارك في حزبهم قد تنازل عن كرامته، ومن لديهم مشكلة في قوانين الأحوال الشخصيّة مع الكنيسة ويرون دعم النور حلاًّ لتعديل تلك القوانين من خلال البرلمان فمن الأفضل لهم أن يتركوا الديانة المسيحيّة".
من جهته، قال مؤسّس تيّار "أقباط علمانيّون" كمال زاخر لـ"المونيتور": إنّ المجتمع المصريّ يشهد حالاً سياسيّة مرتبكة في منطقة وسط بين مصر كدولة دينيّة ومصر كدولة مدنيّة.
أضاف: "رغم أنّ الدّستور أقرّ مدنيّة الدولة، إلاّ أنّه تضمّن بعض النّصوص التي قد تؤسّس لدولة دينيّة مثل السماح لأصحاب الشرائع السماويّة فقط ببناء دور العبادة وممارسة شعائرهم الدينيّة، ومثل جعل الشريعة الإسلاميّة مصدراً أساسيّاًff للتّشريع، وشرائع أصحاب الديانات الأخرى مصدراً للتّشريعات المتعلّقة بأحوالهم الشخصيّة".
وتابع: "رغم أنّ الدستور حظّر إنشاء الأحزاب على أساس دينيّ، لم يحلّ حزب النور، والكلّ على علم، بأنّه حزب دينيّ. وفي ظلّ هذه الحال من الارتباك، قد تتلاقى مصالح بعض المجموعات المتضرّرة من مظاهر الدولة الدينيّة، كصياغة الكنيسة لقوانين الأحوال الشخصيّة الخاصّة بالأقباط، مع مصالح قوى دينيّة أخرى تسعى إلى فرض قوانين مغايرة لقوانين الكنيسة مثل الدعوة السلفيّة وحزب النور".
ورغم الآراء المعارضة لانضمام المسيحيّين لقوائم حزب النور، قال نادر الصيرفي: "إنّ الغرض الأساسيّ من كوتة الأقباط هو تحالفهم مع الأحزاب الإسلاميّة كحزب النور، بحيث يعاد تشكيل مرجعيّتها، وليس الغرض منها إقصاء تلك الأحزاب كما يظنّ البعض، فالدولة لا تسعى إلى إقصاء النور، والدليل على ذلك أنّه كان شريكاً في خارطة الطريق مع الأزهر والكنيسة والقوّات المسلّحة".
أضاف: "كان لحزب النور دور بارز وأساسيّ في نجاح ثورة 30 يونيو، فلولا مشاركته في خريطة الطريق لازداد المشهد السياسيّ وقتها تعقيداً".
وعن ازدراء حزب النور والدعوة السلفيّة للمسيحيّة، قال الصيرفي: "إنّ التّكفير والازدراء هما نتاج ثقافة خاطئة في كلّ الطوائف، وليست في حزب النور والدعوة السلفيّة وحدهما، وسبق أن كفّر أحد قساوسة الكنيسة الأرثوذكسيّة، الكاثوليك والبروتستانت، رغم أنّهما مسيحيّون مثله".
وعن وصف البعض لحزب النور بأنّه حزب دينيّ، كما قال زاخر، قال الصيرفي: "إنّ التجارب الأخيرة لحزب النور تثبت أنّه ليس حزباً دينيّاً، وأنّه سياسيّ في الأساس، والدليل على ذلك مراعاة الحزب للمواءمة السياسيّة داخل لجنة الخمسين وعدم إصراره على التمسّك بالمادّة 219 الخاصّة بتفسير كلمة مبادئ الشريعة الإسلاميّة في المادّة الثانية من الدّستور".
وعلى هذا يمكن القول إنّ الأقباط المرشحين من الدرجة الأولى للانضمام إلى قوائم حزب النور في الانتخابات البرلمانيّة المقبلة هم ممّن لديهم أزمات حول قوانين الأحوال الشخصيّة الخاصّة بالمسيحيّين في مصر، وربّما من مسيحيّين أسلموا سرّاً على أيادي شيوخ الدّعوة السلفيّة، في حال مشابهة لما قاله البعض عن اعتناق رفيق صموئيل حبيب الإسلام سرّاً. وللإشارة، فإنّ رفيق حبيب هو مفكّر قبطيّ شغل منصب مستشار مرشد جماعة الإخوان ونائب رئيس حزب الحريّة والعدالة، الذراع السياسيّ للجماعة.