كان المشهد غير اعتياديّ وكان الهدف من ورائه أكثر غرابة حتّى، فقد طوّقت فرقة كبيرة من قوّة الشرطة الفلسطينيّة مكتب المجلس التّشريعي الفلسطيني الذي لم ينعقد منذ سنوات. حضرت الشّرطة الفلسطينيّة بعد ظهر يوم 2 كانون الأوّل/ديسمبر الجاري، وهي متمركزة من حينها أمام جميع المداخل والمخارج.
وقال للمونيتور جهاد حرب، باحث في المجلس التّشريعي الفلسطيني، إنّه عندما سأل رجال الشرطة عن سبب حضورهم، قالوا له إنّ الرّئيس محمود عباس أمرَهم بمنع أمين عام المجلس التّشريعي الفلسطيني ابراهيم خريشة من الوصول إلى مكتبه. وأفاد الإعلام الفلسطينيّ بأنّ عباس كان قد أقال خريشة من منصبه، ويُزعَم أنّه فعل ذلك بسبب دعم خريشة العلني لرئيس نقابة الموظفين العموميّين بسام زكارنة؛ وخريشة هو عضو في المجلس التّشريعي الفلسطيني الثوري التّابع لحركة فتح التي يرأسها عباس. جرى اعتقال زكارنة ونائبه، معين عنساوي، في 6 تشرين الثاني/نوفمبر لقيادتهما نقابة "غير شرعيّة"، وأُطلق سراحهما في 13 تشرين الثاني/نوفمبر، لكنّ تمّ إعلان عدم شرعيّة النّقابة، ولا بدّ الآن من البتّ بشرعيّتها أمام القضاء الفلسطيني.
أعرب العضو اليساري في اللّجنة التنفيذيّة لمنظّمة التّحرير الفلسطينيّة تيسير خالد عن حيرته لدى رؤية رجال الشرطة. ونُقِلَ قول خالد، وهو عضو بارز في الجبهة الديمقراطيّة لتحرير فلسطين، "في وقت تقوم فيه البرلمانات حول العالم بالاعتراف بفلسطين، من غير المقبول أن تقوم الشرطة الفلسطينيّة بتطويق برلماننا الخاصّ".
وقالت للمونيتور نجاة أبو بكر، عضو المجلس التشريعي عن حركة فتح من نابلس، إنّ حضور الشّرطة المسلّحة إلى مقرّ المجلس التّشريعي الفلسطيني هو انتهاك مباشر للمادّة 51 من القانون الأساسي الفلسطيني، الذي ينصّ على أنّ رئيس المجلس التّشريعي وحده يستطيع استدعاء الشرطة إلى مبنى المجلس التّشريعي الفلسطيني. وقالت أبو بكر إنّ هذه منطقة وسطى لأنّ المجلس التشريعي الفلسطيني لم ينعقد منذ سنوات، وإنّ "الأزمة الدّستوريّة ناتجة من غياب التوافق داخل الكتل البرلمانيّة عينها". ولم تكن أبو بكر هي عضو المجلس التّشريعي الوحيدة عن حركة فتح التي اشتكت من الأمر، فرئيس الكتلة البرلمانيّة عزام الأحمد عارض علنًا وجود الشّرطة قائلاً إنّ قرار تغيير الأمين العام للمجلس التّشريعي ليس من صلاحيّة أحد إلا المجلس التّشريعي نفسه.
وتجدر الإشارة إلى أنّ جهود السّلطة التّنفيذيّة الفلسطينيّة للسّيطرة على سلطات حكومية أخرى لا تقتصر على السّلطة التّشريعيّة، فقد تشكّى خبراء من تجاوز إلى السّلطة القضائيّة أيضًا.
ماجد العاروري، خبير في المسائل القضائيّة، قال للمونيتور إنّ الإشارات تزداد على أنّ فلسطين تسير نحو توحيد جميع السّلطات في سلطة واحدة خاضعة لشخص واحد. "إذا ألقينا نظرة إلى تعيين الرّئيسين الحالي والسّابق لمجلس القضاء الأعلى، نرى انتهاكًا واضحًا للقانون الأساسي". وقال العاروري إنّ كلي الرّئيسين أتيا من السّلطة التّنفيذيّة ولم تجرِ تسميتهما من قبل المجلس القضائي، كما يفرض القانون.
ويشير العاروري إلى أنّ هذا النوع من التّجاوز ظهر في مسألة إطلاق سراح زكارنة الذي جرى احتجازه للاستجواب بموجب أمر قضائي لمدّة 15 يومًا. وقال للمونيتور "أُطلِق سراح زكارنة بأوامر من السّلطة التّنفيذيّة من دون حتّى التّظاهر بالسّماح للقضاء باتّخاذ القرار".
إنّ محاولات حصر الحكم في فلسطين في أيدي السّلطة التّنفيذيّة لا يقتصر على السّلطات الثلاث، فيقال إنّ مدير قسم الأخبار في تلفزيون فلسطين، أحمد زكي، طُرِد هذا الأسبوع من دون إنذار بسبب معارضته لمقابلة مع الإعلامي المصري المشهور المثير للجدل توفيق عكاشة. وكان زكي قد وصف عكاشة بـ"الجاسوس الإسرائيلي" وقال إنه لن يكون له أيّ علاقة بالمقابلة.
السّلطة التّنفيذيّة الفلسطينيّة متّهمة أيضًا بشنّ حملة ضدّ جميع المنتقدين للرّئيس. وعلم المونيتور من الصّحفيّين في بيت لحم أنّ المنتقدين السياسيّين عبدالرحمن ظاهر ومحمود رزق غادرا إلى الأردن كي لا يواجها طلب الاستدعاء من جانب النائب العام الفلسطيني وجهاز الأمن الوقائي بسبب برنامج "زينكو" التلفزيوني الذي انتقد عباس على قناة "الرؤيا" في الأردن.
على الرّغم من الجهود في الأمم المتّحدة والعواصم الأوروبيّة، يعبّر الفلسطينيّون سرًا عن استيائهم من الطّريقة التي تجري فيها إدارة حكومة عباس. وقال مصدر سياسي مطّلع لم يرغب في الكشف عن هويّته إنّه يتخوّف من العودة إلى أيّام حكم عرفات. وقد استنكر كثيرون غياب الضوابط والموازين.
منذ فترة طويلة والمجتمع المدني الفلسطيني يعطي أعذارًا للرّئيس الفلسطيني ويقبل واقع أنّ بعض القرارات المثيرة للجدل التي يتّخذها نابعة من الحاجة إلى إبقاء الوضع تحت السيطرة في وقت يجري فيه تقرير مستقبل فلسطين. لكن لن يستمرّ هذا التّساهل إذا لم تتوقّف الانتهاكات الحاليّة للقانون الأساسي والمبادئ الديمقراطية؛ وقد تكون الانتخابات الرئاسية والبرلمانية هي الطّريقة الأسرع لحلّ هذه الأزمة الدّستورية، لكن في الوقت الرّاهن، يدعو الفلسطينيّون إلى تفسير وتطبيق أكثر دقّة للقانون والعمليّة الدّيمقراطيّة.