القاهرة – نستطيع أن نطلق على منظومة التّأمين الصحيّ في مصر منظومة العجز والفشل اللاإراديّ، لأنّها تتبع هيئة التّأمين الصحيّ التي تعاني من قوانين متحجّرة وموارد ثابتة لم يحدث فيها تغيير يذكر لمواجهة ارتفاع الأسعار الجنونيّة الّتي طرأت على كلّ مناحي الحياة. وأصبحت مستشفيات التّأمين الصحيّ مقرّات لإذلال المؤمّنين صحيّاً، إذ أنّ الأطباء وأطقم الّتمريض ممن يحصلون علي أجر متدنٍّ في هذه المستشفيات يتعاملون مع المرضى كأنّهم موظّفون حكوميّون لأنّ الخدمة تقدّم مجاناً. ورغم أنّ مهنة الطبّ هي ممارسة دقيقة فأصبح الإهمال سمة هذه المستشفيات.
وبعد أن طفح الكيل بالمرضى المصريّين، ظهر في الأفق مشروع قانون التّأمين الصحيّ الإجتماعيّ الشامل، مرتدياً عباءة المنقذ لكرامة المرضى المصريّين عن طريق فصل الخدمة الطبيّة عن التّمويل الماليّ كهدف أساسيّ، هذا يعنى أنة في السابق كان يحصل المؤمن عليهم علي خدمة طبية تتفاوت جودنها حسب المكان الممول فإذا كان المؤمن عليه مثلا تابع لنقابة الصحفيين يحصل علي خدمه طبية أفضل من التي يحصل عيها المدرس التابع لنقابة المعلمين. ولكن سرعان ما ثارت الشكوك حول موادّ هذا المشروع التي تفتح باب خصخصة الصحّة ومخالفة الدستور.
وعن هذا الشأن، تحدّث عضو لجنة الصحّة في مجلس الشعب الأسبق الدّكتور جمال الزينى لـ"المونيتور" فقال: "إنّ مشروع قانون التّأمين الإجتماعيّ الشامل كفكرة مسألة جيّدة للغاية، إذ يقضي على الفوارق بين الأغنياء والفقراء ويوحّد جميع المصريّين تحت مظلّة تأمينيّة واحدة. ويقضي على ظاهرة قرارات العلاج على نفقة الدولة، إذ أنّ حالات عدّة كانت تتعرّض للوفاة بسبب تأخّر صدور هذه القرارات. كما يعمل على خلق الرّوح التنافسيّة لأنّ المريض سيختار مكان علاجه. التّالي، فإنّ المستشفى الذي تكون كفاءته أقلّ سيرفض المريض الذهاب إليه. وهكذا، ينكشف مستوى أداء المستشفيات، ممّا سيدفع جمعيّتها العموميّة إلى إقالة مجلس إدارتها وجلب مجلس قادر على أن ينافس. وحاليّاً، الفرد هو نواة التّأمين الصحيّ، وفي القانون الجديد ستكون الأسرة هي نواة التّأمين الصحيّ، ، لإدخال قطاعات لم تكن مؤمّنة صحيّاً مثل الفلاّحين والحرفيّين، تحت المظلّة التأمينيّة ".
وفي هذا السّياق، قال الأمين العام لنقابة أطباء القاهرة وعضو "حركة أطبّاء بلا حقوق" الدّكتور إيهاب الطاهري: إنّ قانون إصلاح منظومة التّأمين الصحيّ الجديد في مصر هو أيضاً معيب في شكله الحاليّ، لأنّه لا يغطّي الخدمات الإسعافيّة ولا خدمات الطوارئ التي أسندت إلى أجهزة الدولة الأخرى لتغطيتها من دون تحديد هذه الأجهزة. كما لا يغطّي الخدمات الطبيّة الخاصّة بالحروق والكوارث الطبيعيّة.
وسأل: هل يعقل أن تعامل الحروق التي يعاني منها المريض معاملة الزلازل والبراكين والسيول؟ لافتاً إلى أنّ الحروق هي نتيجة أخطاء بشريّة. والقانون في شكله الحاليّ يحاول أن يتنصّل من تغطية الحروق لأنّ تكلفتها عالية.
وقال: لذا، نطالب بالمساواة بين الجميع من دون تفرقة أو استثناء.
وأشار إلى أنّ التّعاقد على الخدمة الطبيّة على أساس معايير الجودة حقّ يراد به باطل في النّظام الصحيّ الجديد. وقال: بالفعل، كلنا نريد أن يحصل المريض على أعلى جودة، ولكن أن يتمّ ذلك بوضع المستشفيات الحكوميّة، التي لم يصرف علي معظمها أيّ أموال منذ سنوات، في منافسة ظالمة مع المستشفيات الاستثماريّة فهذا يؤكّد النيّة المبيتة لخصخصة الصحّة. لذا، ينبغي أوّلاً زيادة موازنة الصحّة وتأهيل المستشفيات الحكوميّة بمعايير الجودة اللاّزمة. ثمّ إدخال عنصر المنافسة. أمّا الطرح الحاليّ فسيتمّ من خلاله استبعاد ثلاثة أرباع المستشفيات الحكوميّة من التّعاقد على تقديم الخدمة.
أضاف: "إنّ نقابة الأطبّاء طالبت في أكثر من مرّة، من دون جدوى أن يكون هناك نظام انتخابيّ خاصّ بالمستشفيات، فالنّظام الحاليّ لاختيار المديرين قائم على الأهواء الشخصيّة، و لن تتحقّق الجودة بالإدارة النّاجحة فقط، فالجودة تحتاج إلى تمويل".
وأوضح الطاهري أنّ نظام التّمويل الحاليّ أيضاً معيب لأنّ في دولة فقيرة مثل مصر إذا أراد المريض العلاج، وفقاً لهذا النّظام فيجب أن يدفع 20 في المئة من قيمة التّحاليل الطبيّة و20 في المئة من قيمة الأشعّة وثلث قيمة العلاج، إضافة إلى الرّسوم التي تدفع عند الكشف وتختلف قيمتها بحسب خبرة الطبيب المعالج (ممارس عام، اختصاصيّ، استشاريّ)، بينما يمكن زيادة نسبة الاشتراك الشهريّ لزيادة التّمويل من دون أن يطلب بعد ذلك أيّ رسوم من المريض.
وقال: يتضمّن قانون نظام التّأمين الصحيّ الجديد مادّة تنصّ على عدم خضوع هيئة التّأمين الصحيّ ولا مشاريعها إلى قانون المناقصات والمزايدات الخاصّ بالدولة وهذا ما يضع علامة استفهام ، فلماذا تكون هيئة التّأمين الصحيّ فوق مستوى الشبهات؟
أضاف: في ما يخصّ استثناء أفراد القوّات المسلّحة من مشروع التّأمين الصحيّ - الإجتماعيّ الشامل، فهذا يعود إلى أنّ القوّات المسلّحة لديها نظام تأمين متميّز يكفل الرعاية الصحيّة لجميع الأفراد التّابعين للقوّات المسلّحة، ويتضمّن كلّ الأمراض والحوادث مجاناً وبالكامل.
ومن جهته، أكّد نقيب أطبّاء مصر الدّكتور خيري عبد الدايم أنّ نقابة الأطبّاء تريد قانوناً للتّأمين الصحيّ - الإجتماعيّ الشامل يستفيد منه كلّ أبناء الوطن من دون تفرقة، ويراعي الظروف الاقتصاديّة الصعبة التي يعاني منها ملايين المصريّين، موضحاً أنّ ما تتمّ دراسته حاليّاً هو مشروع قانون، لا قانون فيه مميّزات وبعض العيوب، أبرزها أن يقوم المريض بسداد مبالغ ماليّة أخرى عند تلقّيه العلاج في الوقت الذي يفترض أن يقوم بسداد اشتراكات شهريّة على مجمل دخله للتّأمين الصحيّ، ويمكن التّفاوض على كلّ البنود الخلافيّة، لكن المشروع في مجمله يهدف إلى الارتقاء بالخدمة الطبيّة المقدّمة إلى المريض المصريّ.