إنّ الأخبار الأكثر قراءة حاليًا على المواقع الإخبارية الناطقة بالعربية هي تلك المرتبطة بالأعمال الوحشية المزعوم أنّ تنظيم الدولة الإسلامية يرتكبها. وتتراوح مواضيع هذه الأخبار بين العنف الجنسي وقطع الرأس، وكافة أنواع التصرفات المرتبطة بالعصور الوسطى. تشمل بعض الأخبار شخصيات معروفة دوليًا يُقتبَس كلامها حول داعش؛ ومن أفضل الأمثلة على ذلك الجدل القائم حول ما ورد في مذكّرات وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون.
بدأ الخبر المتعلّق بكلينتون وداعش عندما نشرت عدّة مواقع إلكترونية ناطقة بالعربيّة تقريرًا يُزعَم فيه أنّ كلينتون كتبت في مذكّراتها "خيارات صعبة" أنّ الولايات المتحدة ساعدت على تشكيل تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام للتسبّب بانقسام في العالم العربي، وأنّ واشنطن وحلفاءها الأوروبيين اتفقوا على تأسيس داعش في 5 تموز/يوليو 2013. لكن، وبحسب هذه القصة المُفبركة، انهارت هذه الخطّة نتيجة ثورة 30 حزيران/يونيو في مصر التي استهدفت الإخوان المسلمين وأطاحت بالرئيس السابق محمد مرسي.
جرى بثّ الخبر عبر كثير من القنوات التلفزيونية العربية، بما في ذلك عدّة شبكات إخبارية هامة. كان واضحًا إلى حدّ ما أنّ هذا الخبر عارٍ عن الصحة ومفبرك بالكامل، وما لبثتُ أن تأكّدتُ من عدم دقّته بعدما اشتريتُ نسخة رقميّة عن كتاب "خيارات صعبة" وبحثتُ بكلّ بساطة عن أيّ معلومة مرتبطة بالأخبار التي كانت تسري. لم أجد أثرًا في الكتاب لما تناقلته وسائل الإعلام، ولم يكن ذلك سوى حملات دعائية بالغت في تصوير التهديد الذي يشكّله داعش في المنطقة والعالم.
تَظهرُ على الانترنت منذ أسابيع أخبار لا أساس لها حول وحشيّة داعش، وقد نشرتها الصّحف حتى: ختان الإناث القسري، والمزاعم بأنّ داعش أدخلت بعض التعديلات على آيات قرآنية، والإشارة إلى أنّ داعش هدّدت بهدم الكعبة، أقدس مواقع الإسلام. وفي إحدى أشهر الصور التي تشاركها آلافٌ من النّاشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، يظهر أحد أفراد داعش وهو يحتضن فتاة في السادسة من العمر يُزعَم أنه اتّخذها زوجة له. لكن بفضل خاصية البحث عن الصور في غوغل، تبيّن أنّ الخبر غير صحيح وأنّ الرجل والفتاة الظاهرين في الصورة تصوّرا في سياق مختلف تمامًا، فالفتاة كانت تشارك في مسابقة تلاوة قرآنية في الرقة في شمال شرق سوريا، والرجل هو مقدّم المسابقة، وقد احتضن الفتاة وحاول تشجيعها عندما أخطأت في قراءة إحدى آيات القرآن.
ومن الأخبار التي تصدّرت أيضًا العناوين قصّة تشير إلى أنّ زعيم داعش، أبو بكر البغدادي، التقى السيناتور الأميركي جون ماكين. شارك الصحفي اللبناني حبيب بطّاح الصورة على صفحته على الفيسبوك في 12 آب/أغسطس، لكنّه كتب بعد ذلك مقالاً يرِدُ فيه تعليق أدلى به معاذ مصطفى، أحد الرجال الظاهرين في الصورة مع ماكين.
مصطفى هو شاب فلسطيني يبلغ 29 عامًا مقرّه في واشنطن، سهّل زيارة ماكين إلى شمال سوريا للقاء أعضاءٍ من كتائب لواء التوحيد في مدينة أعزاز. هو يترأس مجموعة تدعى "متّحدون من أجل سوريا حرّة"، وهو المدير التنفيذي لفرقة عمل الطوارئ السورية. وقد قال مصطفى ردًا على ما نشره بطّاح على الفيسبوك "من المزعج جدًا أن أرى باستمرار هذه الصورة وصورًا أخرى تصفني أنا وشبابًا آخرين بأعضاء داعش، ]لأنّ[ داعش قد قتل بعضًا من الذين يظهرون في الصورة؛ أنا أرتدي ]كوفية[ لأني فلسطيني وأحملها معي أينما ذهبت؛ داعش قتل اثنين من طاقم عملي... لأنهما يعملان معي ومع منظّمتي. كان الاثنان من العرب السنّة وكان أحدهما يجيد ]خمس[ لغات، وقد ]قتلهما[ داعش لأنّه يعتبرني ]من[ المرتدّين؛ الظاهرون في الصورة هم من ]مقاتلي[ الجيش السوري الحر وينتمون إلى كتيبة تدعى عاصفة الشمال ...؛ يُرجى أن تتأكّدوا من صحّة الخبر قبل مشاركة الكلام الفارغ ]الذي[ لا أردّ عليه إجمالاً لأنه لا يستحقّ أن أهدر وقتي عليه ... أردت فقط أن أعلمكم جميعًا بأنّ كلّ ذلك فبركات وحسب. أشكر لكم إصغاءكم."
لا أهدف من خلال هذا المقال إلى المدافعة عن داعش أو محاولة بلورة صورته. تعبّر هذه الجماعة عن نفسها من دون أي خوف من خلال مواقعها الالكترونية وحساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي عبر عرض عمليات قطع الرؤوس أثناء حدوثها، وتقرّ علنًا بمواقفها وأنشطتها. في الواقع، الاستراتيجية الإعلامية لتنظيم الدولة الإسلامية، عبر ما يشاركه وينشره على الانترنت على مواقع التواصل الاجتماعي، تسلّط الضوء على نية الجماعة بترهيب جميع أعدائها؛ وهي استراتيجية تهدف إلى هزيمة الخصوم من دون إطلاق رصاصة واحدة، إذ لا يرغب أحد في أن يتعرّض للذبح بسيف أو سكين سامعًا هتافات عشرات أو مئات المتطرّفين.
سبق ونجحت استراتيجية تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وعدّة أجزاء من سوريا، وإنّ فبركة قصص الرعب حول أنشطة داعش تصبّ في مصلحة هذا الأخير. تؤدّي منظمة داعش الإعلامية، الالكترونية والمطبوعة، دورًا فعالاً، وتنفرد كل شبكة الكترونية مثل تويتر، وفايسبوك، ويوتيوب، بمنسّقين مخصّصين، وكل ولاية لها حساباتها الخاصّة المنفردة على مواقع التواصل الاجتماعي، مثل ولاية نينوى التي تنشر فقط الأخبار الخاصة بتلك المنطقة. وبالإضافة إلى حسابات داعش الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي، نجد مئات من الحسابات الخاصّة بأفراد يتبعهم آلاف مستخدمي الانترنت. يساعد كلٌّ من الحسابات الرسمية والخاصة على نشر الرسالة الدعائية للتنظيم، سواء أكان تلك التي تستهدف الأعداء أم تلك الرامية إلى جذب المناصرين والمجنّدين. تنتمي كلّ إنتاجات تنظيم الدولة الإسلامية إلى منبع رئيسي هو "مؤسسة الفرقان للإنتاج الإعلامي" التي تنشر بانتظام أشرطة فيديو وتسجيلات صوتية وتنتج سلسلة شبيهة بالأفلام الوثائقية بعنوان "رسائل من أرض الملاحم". والمثير للاهتمام هو أنّ منظمة إعلامية أخرى مرتبطة بداعش، تُدعى "فرسان البلاغ للإعلام"، تعمل على كتابة محتوى أشرطة الفيديو، حتى يتسنّى للمشاهدين قراءة جميع الإنتاجات ومشاهدتها في الوقت عينه.
في 9 آب/أغسطس، جرى إضافة صورة، تظهر فيها راية داعش على هاتف ذكي من أمام البيت الأبيض، في تغريد لأحد مؤيدي داعش على حسابه على موقع تويتر @sunna_rev. عكست هذه الصورة توجهًا لدى الأتباع والمؤيّدين لهذه الجماعة التي تعتبر نفسها دولة ليقولوا إنهم في كلّ مكان، حتى في البيت الأبيض. أتى التغريد تحت هاشتاغ #AmessagefromISIStoUS (رسالة من داعش إلى أميركا) وقد جذب عشرات التغريدات من قبل مستخدمي تويتر المؤيّدين والمعارضين لداعش. وفي 18 آب/أغسطس، نشرت مؤسسة المقدام للإنتاج الإعلامي شريط فيديو على يوتيوب بعنوان "رسالة إلى الشعب الأميركي" تظهر فيه صور لنعوش مغطّاة بالعلم الأميركي مع تعليق يقول "هذا ما ستتعرّضون له أينما كنتم إذا قصفت طائراتكم المجاهدين." (سرعان ما أزال موقع يوتيوب شريط الفيديو باعتباره ينتهك سياسية الموقع المناهضة للعنف.)
في وقت سابق في 4 تموز/يوليو، كان الظّهور الأوّل للبغدادي عبر مواقع التواصل الاجتماعي. نُشِرَت الصور الأولى على تويتر قبل وقتٍ قصيرٍ من تحميل خطابه الكامل على يوتيوب، ما تحوّل إلى حدث عالمي تصدّر العناوين في أهم الشبكات الإخبارية الدولية. أثبت ذلك من جديد أنّ الدرجة المتقدّمة من التخطيط والتنفيذ الذين يمتاز بهما داعش على مواقع التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى اعتماده الكبير على ذلك لنقل رسائله، يُطلق الحملات الدعائيّة ويصل إلى العالم أجمع. قد يُعتبَر ذلك موضع قوة من جهة، لكنّه يُظهِر ضعفًا كبيرًا من جهة أخرى: إذا تم التعامل مع ذلك بشكل فاعل عبر استراتيجية عالمية تشمل شبكات التواصل الاجتماعي، قد يكون بالإمكان إخفاء صوت داعش والحدّ من نطاق انتشاره، وهذه الخطوة الأولى في رحلة طويلة تنتظرنا.