وفقاً لمصادر حزب الله رفضت الإفصاح عن هويتها، تؤشّر التوقّعات العسكريّة لحزب الله إلى منطقتين في لبنان بوصفهما ساحتي الحرب المقبلة المتوقّعة مع "الدولة الإسلاميّة". تقع الأولى في منطقة البقاع الشماليّ، وتشمل منطقة جرود وعرة المسالك وشاسعة المساحة تبدأ من جرود بلدة عرسال السنيّة اللبنانيّة الممتدّة شمالاً لتتداخل مع جرود مدينة بعلبك الشيعيّة وأيضا إلى وراء الجرود داخل الأراضي السوريّة. وعلى خطّ مقابل لها، تقع سبع بلدات شيعيّة أبرزها بلدة اللبوة المجاورة لعرسال، النبي عثمان والعين والنبي شيت ويونين ومقنة ويونين ونحلة.
أمّا ساحة المعركة الثانية المتوقّعة فتقع في شمال لبنان. وهناك احتمال أن تندلع شرارتها الأولى عند خروج مقاتلي "الدولة الإسلاميّة" من مواقع لها. ويوجد عند مخرج هذا الوادي الحدود بين ثلاث مناطق مناسبة لمشروع "الدولة الإسلاميّة": مدينة الهرمل الشيعيّة وهي أحد معاقل حزب الله، ومنطقتا الضنّية وعكّار حيث خزّان المادّة البشريّة السنيّة الفقيرة وذات الظروف المؤاتية لتشكيل بيئة حاضنة لـ"الدولة الإسلاميّة". وهدف تنظيم "الدولة الإسلاميّة" المحتمل لهجومها على هذا المحور هو إنشاء إمارة في محافظة شمال لبنان ذي الكثافة السنيّة، على أن تؤدّي عاصمته طرابلس بمينائها المفتوح على بحر المتوسّط ، بالنسبة إلى "الدولة الإسلاميّة" المشرقيّة وظيفة مدينة مصراطا نفسها بالنسبة إلى أنصار الشريعة في ليبيا. وظيفة مدينة مصراتة الليبية ذات الميناء هي تهريب الاسلحة واستقبالها عبر مينائها عبر البحر لمصلحة الجماعات الاسلامية المتطرفة. اصبحت مصراتة مخزن أسلحة لمعظم التكفيريين.
وحسب المصادر في حزب الله نفسها ومستويات أمنيّة رسميّة، فإنّ "هجوم "الدولة الإسلاميّة" هذا الشهر على بلدة عرسال انطلاقاً من جرودها، ليس نهاية مسار حربها ضدّ لبنان، بل بدايته". ويدعم هذا التقدير معلومات مستقاة من أمير داعش في جرود عرسال أبو أحمد جمعة الذي أوقفه الجيش اللبنانيّ أخيراً. وقال مصدر في حزب الله لـ"المنيتور" إنّ "الحزب امتلك معلومات مسبقة عن نوايا تنظيم "الدولة الإسلاميّة" في اجتياز مواقعه في الجرود لتنفيذ هجمات على سبع قرى شيعيّة في منطقة البقاع الشماليّ. وهذا ما جعله يتقصّد قبل أيّام من أحداث عرسال إجراء مناورة عسكريّة تحاكي معركة لصدّ "الدولة الإسلاميّة" عن هذه القرى. وكان الهدف الأساس من هذه المناورة التي تقصّد الحزب أن تكون فعاليّاتها مرئيّة لسكّان المنطقة، إيصال رسالة للمتشدّدين بأنّ الحزب متيقّظ لنواياهم".
ويبدو أنّ إطلاق الرسائل التحذيريّة الميدانيّة لـ"الدولة الإسلاميّة" في تلك المنطقة، أصبح سياسة معتمدة لدى الحزب. فخلال الأسبوع الماضي، دعا فضائيّة لبنانيّة إلى مواقعه العسكريّة قبالة مواقع "الدولة الإسلاميّة" في جرود عرسال، وسمح لها ببثّ شريط مصوّر عن استعداداته لصدّ أيّ هجوم متوقّع.
وكشفت مصادر مقرّبة من حزب الله لـ"المونيتور" معلومات تفيد أنّ "الحزب افتتح منذ نحو عامين معسكرات تدريب في منطقة جرود مدينة بعلبك البقاعيّة القريبة من الحدود السوريّة، لتدريب شباب من مختلف الطوائف استعداداً لمواجهة المتشدّدين. وعلى الرغم من أنّ النسبة الأعلى من الذين تستقبلهم هذه المعسكرات هم من الشيعة، إلاّ أنّ ارتكابات "الدولة الإسلاميّة" أخيراً ضدّ مسيحيّي سوريا والعراق، جعلت عشرات الشباب المسيحيّين من بلدات تلك المنطقة المحاذية للحدود السوريّة، يلتحقون بها. ويشكّل هؤلاء اليوم داخل بلداتهم ، نوعاً من لجان الحماية الشعبيّة على نحو ما يفعله شباب البلدات المسيحيّة في سوريا. ويوجد تنسيق عالٍ بين هذه اللجان التي أخذت ظاهرتها تتّسع، وجهاز عسكريّ في حزب الله يسمّى سرايا المقاومة اللبنانيّة، وهو إطار مستقلّ عن جهاز المقاومة المتفرّغ لمهمّة قتال إسرائيل".
ومع تعاظم التوقّعات الأمنيّة بأنّ تنظيم "الدولة الإسلاميّة" قادم إلى لبنان، فإنّ استعدادات حزب الله العسكريّة تتطوّر في اتّجاه تعزيز خطّة إنشاء سرايا مقاومة لبنانيّة من كلّ الطوائف لمواجهتها. وباضطراد، بدأت تلقى هذه الخطّة تجاوباً من قبل شبّان الطوائف الأخرى، وخصوصاً من قبل مسيحيّي محافظتي الشمال والبقاع اللبنانيّتين. ويفسّر شابّ مسيحيّ، *جورج ك. السبب الذي قاده للانضمام إلى لجان الحماية البلديّة، بالقول إنّ "ما حدث في الموصل شكّل رسالة لكلّ مسيحيّي الشرق بأنّ العالم لن يحميهم، وعليهم الاعتماد على أنفسهم للدفاع عن وجودهم".
وحسب المصدر نفسه، فإنّ "فكرة الحزب إنشاء سرايا المقاومة اللبنانيّة تعود لتسعينيّات القرن الماضي. وكان هدفها في البداية جعل مقاومته ضدّ إسرائيل وطنيّة، وليس فقط شيعيّة. لكنّ تنفيذها آنذاك اصطدم بعوائق عدّة، ممّا قاد إلى اعتماد فكرة جعل سرايا المقاومة أشبه بميليشيا للحزب تعنى بمواجهة مخاطر عسكريّة داخليّة. اليوم، يتمّ تطوير الفكرة انطلاقاً من حاجة الحزب للتصدّي لحرب متوقّعة لتنظيم "الدولة الإسلاميّة" في لبنان. وتحقّق عمليّة التطوير الجديدة نجاحاً من خلال استثمارها في بيئة توجد فيها هواجس وجوديّة لدى مسيحيّي المناطق القريبة من نقاط تواجد "الدولة الإسلاميّة" و"النصرة" عند الحدود السوريّة. ونجح الحزب فعلاً في إنشاء لجان حماية شعبيّة قوامها عشرات المسيحيّين من بلدات في البقاع الشماليّ".
وبرأي المصدر نفسه، فإنّ "السؤال نفسه الذي واجهه العلويّون في سوريا مع بدء الحرب الداخليّة، يواجهه الحزب الآن في لبنان، ومفاده أنّه بموازاة الخزّان البشريّ الكبير الذي يمدّ "الدولة الإسلاميّة" بالمقاتلين من كلّ العالم، فإنّ قدرة الحزب على تقديم الشهداء في مواجهتهم تظلّ محدودة. فشيعة لبنان، وهم الرافد البشريّ للحزب، هم في النهاية أقليّة محدودة العدد، مقابل بحر المدّ البشريّ السنّي. وفيما لا يمكن للحزب دفع شهداء كلّ يوم في تطاحن قد يطول لأشهر وربّما لسنوات، فإنّ الجماعات المتشدّدة قادرة على تعويض قتلاها مهما طال أمد الحرب. ويسعى الحزب منذ الآن إلى حلّ هذه المعضلة عبر مجموعة وسائل منها خلق ما يشبه مقاومة ضدّ "الدولة الإسلاميّة" من طوائف عدّة".
*تم تغيير الأسماء المذكورة أعلاه بطلب من المتحدثين.