إنّ ترخيص إسرائيل لنفسها بضرب قطاع غزة متى شاءت، وبمهاجمة السكان المدنيين والبنية التحتية بالطريقة الوحشية التي اتّبعتها في الأسبوعين الأخيرين، وفي مرات كثيرة قبل ذلك، يشير إلى أنّها غير ملتزمة بالقيود المعتادة المفروضة على أي قوة احتلال.
تسمح إسرائيل لنفسها بتنفيذ ضربات جوية متى شاءت، وعند الحاجة، بالغزو برًا، لأنها تنازلت عن سيطرتها الفعلية على منطقة قطاع غزة في العام 2005 معلنة غزة كيانًا "منفصلاً".
ومع استمرار مقاومة شعب غزة، اعتبرت إسرائيل أنّ منطقة قطاع غزة المنفصل هي "كيان معادٍ". إنّ هذا الغموض القانوني المتعمّد في وصف غزة والتعامل معها على هذا الأساس كـ"كيان معادٍ" يمكّن إسرائيل من استعمال هذه التفسيرات أحادية الجانب وأعلى درجات الحصار والعدوان، بخاصة عبر قوتها الجوية، من دون التقيد بالابتعاد الإلزامي عن الاعتداء على السكان المدنيين.
بعبارة أخرى، تشنّ إسرائيل حربًا على غزة باعتبارها كيانًا منفصلاً معاديًا، محرّرة نفسها من قيود اتفاقية جنيف الرابعة ومتعاملة مع غزة كـ"كيان منفصل معادٍ" عبر الغارات الجوية المستهترة والوحشية، وانتشار الجيوش حاليًا داخل غزة.
أدّت الغارات الجوية العنيفة التي نُفِّذت في الأيام القليلة الماضية إلى مقتل أكثر من 600 مدني، ولا شك في أنّ ذلك عمل حربي على غزة وشعبها، في وقت تدّعي فيه إسرائيل أنها لم تعد تحتل أراضي قطاع غزة.
ومع تعريف إسرائيل لغزة بأنها "كيان منفصل معاد"، تبيّن بوضوح الخسائر الكبيرة في صفوف المدنيين، بمن فيهم الرجال والنساء والأطفال، أنّ حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو كانت تبحث عن فرصة مؤاتية لتهديد المصالحة التي جرت بين سلطات الضفة الغربية وغزة.
قال وزير الخارجية الأميركي جون كيري في محادثاته مع وزير الخارجية المصري "يوجد إطار ... لوضع حد للعنف، وهذا الإطار هو المبادرة المصرية." لكن لسوء الحظ يقترن مصطلح "الإطار" الذي يستعمله كيري بالفشل، إذ غالبًا ما جرى استعماله في "المفاوضات" غير المثمرة بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل.
وفي حين تُعقَد الآمال على أن تشكّل المبادرة المصرية حلاً منصفًا لشعب غزة وتهدّئ العنف الحالي، من الضروري ألا تراوغ مصر على مأساة غزة والهجمات الضارية المستهترة والوحشية على سكان غزة.
بما أنّ مصر هي الدولة العربية الأهم مع تأثير قوي لا شك فيه، نأمل ألا تسمح للقيود التي تفرضها معاهدة السلام بينها وبين إسرائيل، بالإضافة إلى انعدام ثقتها المعروفة بحماس، بإضعاف جهودها الرامية إلى إحلال السلام إلى ما دون إدانة قوية للهجمات الإسرائيلية على المدنيين. وفي حال لم يحصل ذلك، فإنّ أي موقف يراوغ على معاناة شعب غزة والوحشية الاستثنائية للغارات الجوية الإسرائيلية سيكون مخيبًا للآمال إن لم يقد إلى الإحباط.
لا بدّ من أن يُؤخذ غضب الشعب العربي في الشرق الأوسط والمجتمع الدولي جديًا في عين الاعتبار، وإلا سيعطي وصف غزة كـ"كيان منفصل معادٍ" ترخيصًا لإسرائيل بمواصلة معاقبتها لا فقط لحماس بل للشعب العربي كاملاً في فلسطين، مبررة ذلك باتفاق السلام والوحدة بين غزة والضفة الغربية وآخذة هذا الأخير كعذر لزيادة حدة هجومها على الضفة الغربية والقدس الشرقية واضطهادها الوحشي لغزة.
وبتدخّل دولة مصر العربية العزيزة والموثوقة في هذه المسألة، لا بد لها من أن تتخطى القيود المتبقّية من الأشهر القليلة الماضية، وأن تتصرّف كما اعتادت تاريخيًا: أن تكون الدولة التي تعبّر بوضوح عن المطالب الشرعية للشعب العربي بشكل عام والتزامهم بتحرير فلسطين بشكل خاص.
وتُعطى الأهمية عينها للولايات المتحدة التي يجب أن تسمح لعاداتها وسياساتها الإنسانية بردع العدوان الإسرائيلي الضخم على الشعب الفلسطيني، وبخاصة سكان غزة.
في النهاية، أقتبس من مقال افتتاحي في صحيفة هآرتس بتاريخ 22 تموز/يوليو: "إنّ دعوة وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان إلى مقاطعة المؤسسات التجارية العربية التي تقفل أبوابها احتجاجًا على عملية الجرف الصامد تدخل ضمن أعمال التحريض الخطرة والبغيضة التي يقوم بها رئيس حزب إسرائيل بيتنا والتي تثبت أنه لن يتردد في استغلال هذه الأيام من التوتر والخوف لتسجيل نقاط سياسية أمام جمهور اليمين المتطرّف." ويكمل المقال بقوله إنّ "هذا التحريض العنصري الذي ينشره ليبرمان، وليس للمرة الأولى، هو جزء من موجة مؤذية تهدّد صورة إسرائيل، ويتعيّن على أعضاء الحكومة، وعلى رأسهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، إدانة مثل هذه التصريحات بصورة قاطعة ونبذ المبادرة الخطرة لوزير الخارجية."
أخيرًا، وكمثال على أصحاب الضمير، أقتبس ما كتبه برنت ساسلي في صحيفة هآرتس أيضًا في 22 تموز/يوليو: "إنّ المجتمع الذي لا يمكنه أن يشعر بالأسى تجاه موت المدنيين في أماكن أخرى سيعتاد على العنف بحق سكان بلده، وسيصبح أكثر تفهمًا له وتسامحًا معه. وهذا سينتج المزيد من أمثال إيجال عامير، وباروخ غولدشتاين، ولا فاميليا، وهذا ليس معنى الدولة اليهودية الديمقراطية."