التزمت حركة حماس الصمت المطبق إزاء الحديث عن احتمال طيّ صفحة القطيعة بين إسرائيل وتركيا, غير أن الآراء لا تزال متباينة داخل الحركة.
ويقول قيادي في حركة حماس في حديث إلى "المونيتور" أن للحركة "رغبة بعدم التدخّل في الشؤون الداخليّة لدولة حليفة كتركيا". ولم يخفِ القيادي رغبته بأن "تنعكس المصالحة [المحتملة] على رفع الحصار عن غزّة، وبالتالي تخفيف القيود على دخول المواد التموينيّة". يضيف أن "تركيا أدرى بسياستها الخارجيّة، لكن حماس واثقة بأنها لن تكون ضحيّة لأي تقارب مع إسرائيل التي أجبرتها تركيا على الاعتذار الرسمي. ولذلك لا تستطيع أن تفرض عليها قطيعة مع حماس".
وهذا الرأي يتّفق مع الانطباع السائد في داخل حماس بأن علاقة تركيا بها بعد مصالحة إسرائيل تخضع لحسابات أنقرة الخارجيّة والداخليّة، فهي تراعي مصالحها بالدرجة الأولى. وفي الوقت نفسه، فإن دعم تركيا للقضيّة الفلسطينيّة سياسياً وإنسانياً يجذب قطاعات واسعة من الأتراك، وإن كان رئيس الوزراء رجب طيّب أردوغان يدعم حماس بسبب الخلفيّة الإسلاميّة لحزب العدالة والتنمية الذي يقوده شرط ألا يؤثر سلباً على برامجه المحليّة وعلاقاته الدوليّة.
كذلك يبدو أن حماس مطمئنة إلى المصالحة المحتملة بين تركيا وإسرائيل لن تكون على حساب موقف أردوغان من غزّة، لأن ذلك يمنحه بوابة للمنطقة العربيّة والشرق الأوسط ويساعده على لعب دور رئيسي في البيئة الإقليميّة المحيطة. وهو قد يتجنّب الدعم العلني لحماس، لعدم الدخول في تحدّ مع الولايات المتحدة وإسرائيل وسط الحسابات الداخليّة والإقليميّة والدوليّة المعقدة.
ولعل ما كشفه نائب رئيس الوزراء التركي بولنت أرينتش أوائل أيار/مايو الجاري عن اعتزام أردوغان القيام بزيارة غزّة في المستقبل القريب، يمنح حماس كثيراً من الارتياح.
وعلى الرغم من أن حماس لم تعقّب على إعلان الزيارة انتظاراً لتحققها فعلاً بعد أن تم تحديد مواعيد سابقة لها من دون أن تتمّ، إلا أن ذلك لم يمنع الحركة من طرح تساؤل شكلي له دلالة جوهريّة. ويسأل القيادي في حماس "في ضوء القطيعة بين تركيا ومصر بسبب الموقف من الانقلاب، فإن زيارة أردوغان لغزّة لن تتمّ عبر معبر رفح. فهل ستكون عبر معبر إيرز [بيت حنون] شمال القطاع بموافقة إسرائيل، للتخفيف من خيبة أمل حماس من المصالحة؟".
وما قد يخفّف من مخاوف حماس من التقارب التركي-الإسرائيلي المتوقع، هو أنها نظمت عدداً من الفعاليات في الأسابيع الأخيرة في داخل تركيا. وقد شارك عشرات المتضامنين العرب والأتراك في التاسع من أيار/مايو في الوقفة التضامنيّة مع الأسرى الفلسطينيّين في إسطنبول، التي قادها عدد من أسرى حماس المبعدين إلى الخارج ومن بينهم حسام بدران وموسى عكاري.
كذلك شهدت المدينة التركيّة في 23 و24 نيسان/أبريل الماضي عقد "منتدى فلسطين الدولي للإعلام والاتصال" بمشاركة 400 صحافي وكاتب، ومن بينهم كبار الإعلاميّين والكتاب العرب المتعاطفين مع حماس. ونذكر منهم عبد الباري عطوان وعزام التميمي المقيمان في بريطانيا، ومحمد المسفر من قطر، وفهمي هويدي من مصر.
خيبة الأمل
ويقول مسؤول تركي يصنّف نفسه كأحد مفاتيح العلاقة مع حماس في اتصال هاتفي مع "المونيتور" من أنقرة، إنه "وعلى الرغم من الأجواء المتخوفة من المصالحة التركيّة-الإسرائيليّة، إلا أنها قد تفيد حماس على أكثر من صعيد". ويشرح "لتهدئة أي تصعيد عسكري من قبل إسرائيل، وللاستفادة من جهود تركيا عبر علاقاتها الأوروبيّة لفتح قنوات اتصال بهدف إزالة الحركة من على قوائم الإرهاب"، كاشفاً النقاب عن لقاءات جمعت مبعوثي حماس بدبلوماسيّين غربيّين في أنقرة وإسطنبول.
ورغبة من حماس بجني ما تستطيعه من مكاسب متواضعة من جرّاء مصالحة تركيّة-إسرائيليّة، من المتوقّع أن تسلّم الحركة السلطات التركيّة في الأيام المقبلة مقترحاً لإقامة ممرّ مائي يربط غزّة بالعالم الخارجي. وهذا المقترح وضعه "المرصد الأورو-متوسطي لحقوق الإنسان"، بسبب تفاقم معاناة الفلسطينيّين وإغلاق المعابر التجاريّة. وقد تستغل حماس المصالحة المذكورة لتمرير هذا المقترح وتطبيقه على الأرض، بعد تحسّن العلاقات بين أنقرة وتل أبيب.
في الوقت ذاته، لا تخفي بعض أوساط حماس خيبة أملها من مصالحة أردوغان المتوقعة مع إسرائيل، بعد أن نظرت إليه باعتباره حليفاً لها بالمعنى الأيديولوجي. وكان "المونيتور" قد سجّل الأوصاف التي منحتها قواعد حماس التنظيميّة للرجل في السابق وقد رأته "خليفة المسلمين" و"الحاكم الذي صفع إسرائيل" والذي "انتصر لدماء المسلمين في سوريا ومصر". لكن القيادي في حماس المذكور آنفاً، يشير إلى أن عودته إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل لا تتناسب مع هذه الأوصاف الدينيّة، وقد تعيده حاكماً سياسياً اهتمّ بمصالح شعبه بالدرجة الأولى.
لقد كانت خيبة الأمل من حليف إسلامي وراء تعزيز الانطباع لدى حماس أنها تحتاج إلى التركيز على تعزيز امكانيات الوطنية فلسطينية، كما شهدنا خلال المصالحةXXالأخيرة مع حركة فتح، وعلى الابتعاد عن علاقاتها الأيديولوجية الإقليمية.
يضيف القيادي الذي زار تركيا في السنوات الأخيرة مرات عدّة، أن "أردوغان بمصالحته مع إسرائيل يظهر زعيماً للشعب التركي وليس للأمة الإسلاميّة، ومسؤول عن حماية مصالح المواطنين الذين انتخبوه في داخل حدود الدولة وليس الذين أحبوه من الفلسطينيّين. لكن المصالحة ستمنح دفعاً إضافياً للتوجهات المتنامية في داخل حماس والمطالبة بتغليب البعد الوطني المصلحي على المفاهيم الأيديولوجيّة الدينيّة في علاقاتها السياسيّة".
لكن السؤال الذي يقلق حماس هو "هل ستسهم المصالحة التركيّة-الإسرائيليّة المحتملة بتضييق الأفق الإقليمي أمامها بعد قطيعة مصر وإيران وسوريا؟". ويقول القيادي في حماس "أروقة صنع القرار في الحركة تداولت هذا السؤال في الأسابيع الأخيرة، وثمّة تخوّف من أن يضع تواصل تركيا مع إسرائيل مزيداً من القيود أمام فضاء حماس الإقليمي على الرغم من ثقتنا بأن أردوغان لن يبيعنا".
ويبقى أن القراءة الأكثر دقّة لنتائج المصالحة الإسرائيليّة-التركيّة المحتملة على حماس، تتمثل بعبارة جاءت في وثيقة داخليّة لحماس اطلع عليها "المونيتور"، وجاء فيها: "من غير المتوقع في الظروف الراهنة أن تذهب العلاقات التركيّة-الإسرائيليّة لتطبيع كامل، وستتابع تركيا سياستها بالدعم المحسوب لحماس، والمطالبة برفع الحصار عن غزّة. لكن حماس ليست في وضع يمكّنها أن تملي على الآخرين ما ترجوه من رغبات أو اشتراطات، بل عليها التعاطي بحكمة مع المصالحة التركيّة-الإسرائيلية حتى لا تجد نفسها وحيدة في الميدان".